يبدو أن دائرة صداقات الشباب من داخل محيطهم بدأت تضيق شيئا فشيئا، في ظل تزايد الإقبال على التواصل في العالم الافتراضي. فرغم التأكيدات المتواصلة للعلماء على أن "الصداقات الحقيقية ما تزال تجري وتستمر بعيدا عن الانترنت"، إلا أن أشكال العلاقات الاجتماعية، خاصة بالنسبة للشباب، دخلت عليها العديد من التغييرات مع ظهور الشبكة العنكبوتية. وفي هذا الإطار، قال علي الشعباني، الباحث في علم الاجتماع، "ليست لدينا دراسات بالمغرب تتحدث عن الموضوع، لكن ما هو ملاحظ أن هناك تأثيرا كبيرا للتكنولوجيات الجديدة". وأضاف علي الشعباني، في تصريح ل "المغربية"، "انطلاقا من الملاحظات السائدة، فإن التكنولوجيا أضحت تطغى على حياة الشباب، الذين باتوا يميلون إلى العالم الافتراضي، وربط علاقات وصداقات مع أناس مجهولين عبر هذه الشبكة، وابتعدوا كثيرا عن الواقع". وأكد الباحث في علم الاجتماع أن "ما يحدث يعد انقلابا في نسيج العلاقات الاجتماعية التقليدية، لأنه في السابق كان الشاب يبحث عن أصدقائه من محيطه، إما في المدرسة، أو الجامعة، أو الحي، أو العائلة، أو الأقارب، أما الآن فأصبح منزويا مع حاسوبه، وسابحا في العالم الافتراضي، يبحث عن أصدقاء وهميين، قد يكذبون عليه من خلال المعطيات التي يوفرونها له عبر هذه الشبكة". وأشار علي الشعباني إلى أن "نتائج هذه الحالة لن تظهر الآن، ولكن على المديين المتوسط والبعيد، لأننا الآن ما زلنا في البداية، خاصة أن الشباب ما زالوا يزاوجون بين العالم الافتراضي والواقعي". وأضاف الباحث في عالم الاجتماع "يمكن أن تكون مستقبلا تأثيرات سلبية على هذه العلاقات الاجتماعية، وربما ستحدث انقلابا شاملا في نسيج العلاقات الاجتماعية والبحث عن أصدقاء، باعتبار أن هذا الشاب لن يبحث عن هؤلاء في عالمه الواقعي، وفي محيطه الاجتماعي، ولكن ربما قد تكون له علاقات على مستوى العالم الافتراضي". وذكر علي الشعباني أنه "يجب أن تكون هناك نتائج ودراسات لمعرفة حجم هذه التأثيرات وكيفية تطور هذه الأمور، لأنه علينا أن لا نستبق الأحداث، فكل شيء ما زال في بدايته، لذلك لابد من تدارك هذا الوضع من خلال خلق نوع من الثقافة المعلوماتية، التي لا تجعل هذا الإنسان، الشباب بوجه خاص، منفصلا عن واقعه الملموس، وعن مجتمعه، ومحيطه"، مبرزا أنه "من دون هذه الثقافة، التي تربط هؤلاء الشباب بالمجتمع، فربما سنفقد هؤلاء الشباب إلى الأبد". وتشير دراسة لخبراء اجتماعيين من عدد من دول أمريكا اللاتينية إلى أن الصداقة المقربة والوطيدة هي التي يحرص الإنسان على الاحتفاظ بها ويعمل المستحيل لتفادي قطع أواصرها، ولكن هذا لا يأتى بسهولة. وأكدت الدراسة ذاتها أن هناك مواقف يمكن أن تؤثر سلبا على الصداقة المقربة إذا لم يعرف الشخص كيفية التعامل مع المواقف، التي يمر بها الأصدقاء المقربون، وتأثير الآخرين على صداقتهم، والسلوك المحرج لأحد طرفي الصداقة، ومحاولة الآخر تنبيه الصديق المقرب حول تصرف غير لائق بدر منه في مناسبة أو موقف ما. وأضافت أنه لايعلم أحدنا ما ينبغي فعله بالضبط عند تعرضه لموقف محرج سببه الصديق المقرب، ولكن هناك دائما "الفطرة السليمة"، التي تساعدنا على استيعاب الآخر في لحظة الإحراج، ومن ثمة البحث عن مخرج أو طريقة للفت انتباه الصديق في ما بعد، ذلك لأن رد الفعل الفوري يفقد الإنسان أحيانا الحكمة في التعامل مع الموقف. كما ركزت الدراسة القسم الأكبر من معلوماتها على علاقات الصداقة بين النساء، وعددت أنواع من الصديقات المحرجات، ووضعت نصائح حول كيفية التعامل مع الصديقة، التي تسبب إحراجا لصديقتها، وطريقة رد الفعل على ذلك، والدبلوماسية المطلوبة في التعامل مع هذا الإحراج، حرصا على ديمومة الصداقة.