حين تعتقد أن بنكيران رئيس للحكومة معين وليس منتخبا، فقط لأن وسائل الإعلام تسميه هذه الأيام بذلك، فأنت مخطئ، لأنه بعد عرض الحكومة على الملك وتعيينه لها باقتراح من رئيس الحكومة المعين، وتنصيبها في البرلمان، ستَقَر ّعينك برؤيته يُنادَى رئيس الحكومة. حين تعتقد أن السياسة هي مجال لحروب دونكيشوتية للمطالبة بكل شيء دفعة واحدة، دون تنازلات ولا تراكمات ولا مفاوضات...فأنت مخطئ، لأن أبسط تفسير عُرف للسياسة هو أنها فن الممكن، وليست فن الصعود إلى الجبل. حين تعتقد أن كل من اشتغل بالسياسة "شفار"، وأنه يسعى لتجريدك حتى من ملابسك التي عليك، فأنت مخطئ، لأن "حوتة كتخنز الشواري"، - (لا يعني ذلك أنه ليس في الشواري حوت كثير فاسد) - ولأن الخير في هذه الأمة إلى قيام الساعة، ولأنه لا ديمقراطية ولا سياسة بدون سياسيين. حين تعتقد أن الإسلاميين ملائكة، جاؤوا من السماء لإنقاذ الوطن، وأن لديهم عصا سحرية يهشون بها على ما يريدون فيكون كما شاءوا وقتما شاءوا، فأنت مخطئ، لأن اجتهاداتهم لن تخلو من نسبية مهما حسنت نياتهم، أليسوا رجالا يأكلون الطعام ويمشون في الأسواق؟ حين تعتقد أن 20 فبراير شرذمة من الملاحدة و"وكالين" رمضان، يريدون فقط محاربة الدين، أو أنهم يمثلون كل المغاربة، فأنت مخطئ، لأن الجزء الأعظم من المغاربة لم يخرج يوما معهم، )طبعا لا يشترط في شعبية حقيقية لقوة ما أن يخرج معها كل الشعب أو حتى معظمه)، غير أن هذا لا يناقض أن نبض الربيع العربي تجسد في بلدنا في هذه الحركة، وأنها تعبير صادق عن حب هذا الجيل الفريد لوطنه. حين تعتقد أن الملك عين بنكيران رئيسا مكلفا بتشكيل الحكومة، فقط لأن الدستور يقضي بتعيين رئيس الحكومة من الحزب المتصدر لنتائج الانتخابات فأنت مخطئ، لأن الملك أراد أن يذهب بعيدا في التفسير الديمقراطي للدستور، فاختار الأمين العام المنتخب من قبل حزبه لتلك المهمة. حين تعتقد أن تقديم مشروع الهيكلة العامة للحكومة للملك للتأشير عليها، خطوة دستورية ضرورية قام بها بنكيران، فأنت مخطئ، لأن الدستور لم ينص على هكذا إجراء، وإنما هي بدعة سياسية مجانية فرضت على بنكيران من قبل حلفائه. حين تعتقد أن الخمسة ملايير دولار التي رصدتها دول الخليج العربي لمساعدة المغرب والأردن مجرد مساعدة أخوية من أجل تقوية الأواصر العربية، فأنت مخطئ، لأن تلك المساعدة ليست سوى حائط إسمنتي لصد تداعيات الربيع العربي عن الثغور الملكية، لأن نظرية الدومينو٭ لا ترحم، وهي أسوأ كابوس يؤرق الخليجيين. حين تعتقد أن أمريكا عدو مبين، أو صديق حميم، فأنت مخطئ، لأن الأمريكيين لا يتحركون سوى وفق مصالحهم، وهي بالمناسبة قد تبدو متناقضة، غير أن الأمر أعقد مما تتصور. وحين تعتقد أن هذه الكلمات مجردُ حذلقة متعالمة، فأنت ربما محق، غير أن الحكمة ضالة المؤمن، أنى وجدها فهو أحق بها. ٭ نظرية يُشَبّه بها التساقط المتوالي للأنظمة السياسية أو الاقتصادية المتقاربة نوعيا أو المتجاورة جغرافيا على غرار لعبة وحدات الدومينو التي تكون مرتبة سلفا للتساقط الواحدة على الأخرى. [email protected]