قالت ورقة للباحثة رغدة البهي، صادرة عن مركز المستقبل للأبحاث والدراسات المتقدمة، إن "إستراتيجية الدفاع الأمريكية في الهند والمحيط الهادئ أزمة غير مسبوقة، جرّاء الفجوة المتنامية بين أهداف واشنطن الإستراتيجية من ناحية، والوسائل المتاحة لها من ناحيةٍ أخرى، في خضم مشهدٍ إقليميٍ مضطربٍ وموارد دفاعيةٍ محدودة، تحول دون قدرة الجيش الأمريكي على حفظ توازن القوى بشكلٍ منفردٍ في المنطقة، في ظل تنامي قوة الصين، وتزايد قدرتها على تحدي النظام الإقليمي بالقوة العسكرية، نتيجةً لاستثماراتها المضطردة في الأنظمة العسكرية المتقدمة. وأضافت الورقة أن الفجوة بين قدرات الولاياتالمتحدة وأهدافها الإستراتيجية تعود إلى الحرب المستمرة في منطقة الشرق الأوسط، التي استنفدت الجيش الأمريكي وتركته غير مهيأ لمنافسة القوى العظمى، بجانب تخفيض الإنفاق على الدفاع في أعقاب قانون مراقبة الميزانية لعام 2011، وتغاضي وزارة الدفاع الأمريكية (البنتاغون) عن عودة الصين وروسيا كقوتين عظميين عسكريًّا، بفعل النطاق العالمي لإستراتيجية بناء الأنظمة الليبرالية التي تتبناها واشنطن". ولمواجهة ذلك، دعت إستراتيجية الدفاع الوطني، الصادرة عن وزارة الدفاع الأمريكية في 2018، إلى إعطاء الأولوية لمنافسة القوى العظمى، وإعادة بناء التفوق العسكري الأمريكي، ومواجهة الضمور الإستراتيجي؛ لكن ذلك يتطلب من صانعي السياسة اتخاذ "خياراتٍ صعبة"، وإجراء "مقايضاتٍ وتحولاتٍ هيكلية" على إستراتيجية الدفاع، لإعادة التوازن إلى آسيا، وتقليص المسئوليات العالمية، كي تتمكن الولاياتالمتحدة من ردع الصين بالقوة التقليدية (الردع بالإنكار). وأوضحت الورقة البحثية أن "مؤسسة السياسة الخارجية لا تؤيد حتمية تخلي الولاياتالمتحدة عن التزاماتها العالمية الأخرى من أجل تركيز الموارد الدفاعية على منطقة الهند والمحيط الهادئ؛ لأنها تواجه تهديداتٍ متزايدةٍ لمصالحها العالمية. ومن شأن استمرار تلك العقلية أن يزيد الموارد الدفاعية ومخاطر القتال في المستقبل، ويحول دون تفعيل الاستراتيجية العسكرية الأمريكية في المنطقة". وأشار المصدر ذاته إلى أنه "بجانب الضغوط المتزايدة التي تتعرض لها ميزانية الدفاع للولايات المتحدة، تتطلب قواتها المسلحة موارد ماليةً متزايدةً لتنفيذ إستراتيجية الدفاع الوطني، وهو ما يتطلب بدوره تحولًا ملحوظًا ومستمرًّا في الوضع السياسي الراهن؛ حيث أدى قانون مراقبة ميزانية الإنفاق الدفاعي في العقد الماضي، إلى جانب التأخير المتكرر في التمويل، إلى إعاقة قدرة واشنطن على الاستجابة بفعالية للمشهد الإستراتيجي المتغير في منطقة الهند والمحيط الهادئ". وكشفت الورقة أن "شبح العجز الذي يلوح في الأفق بمستوياته التاريخية المرتفعة يقيد الإنفاق العسكري الشامل، وبخاصة في ظل الأهداف الحزبية المتعارضة، كما يحد من قدرة الولاياتالمتحدة على مواجهة الأزمات، ويقوض من جهود إعادة هيكلة الميزانية مستقبلًا. فحتى مع ارتفاع مستويات النمو الاقتصادي، لا يزال العجز المفرط خطرًا داهمًا يهدد الاقتصاد الأمريكي. ومن المتوقع أن يصل الدين العام الأمريكي إلى 28,7 تريليون دولار (أي ما يعادل 93% من الناتج المحلي الإجمالي) بحلول عام 2029". ويكمن الخطر على أمريكا في المنطقة، حسب الورقة، في الصين، وتشير بإسهاب إلى أن القوة الجوية تعتبر عنصرًا حاسمًا في توازن القوى التقليدي والردع الأمريكي للصين؛ وهو ما يتطلب قدرة القوات الجوية الأمريكية والأجنحة الجوية التابعة للبحرية على إبراز قوتها القتالية عبر مسافاتٍ جغرافيةٍ شاسعة وفق متطلبات البيئة الإقليمية. وفي هذا السياق، فإن المزايا التكنولوجية التي طورتها الولاياتالمتحدة خلال العقد الماضي لمكافحة التطرف والإرهاب لا تجدي نفعًا في ردع الصين أو الحفاظ على توازن القوى بقارة آسيا. وفي الوقت الذي يعيد فيه البنتاغون هيكلة القوة الجوية الأمريكية لمنافسة القوة العظمى، يجب عليه في الوقت نفسه تحديث قدراته القتالية مع زيادة حجمها وتكلفتها الإجمالية. ومع استنزاف الاستعدادات العسكرية لموارد ماليةٍ وماديةٍ ضخمة، شكّك بعض المحللين في الجدوى المالية لهيكلة القوات الجوية؛ فقد أسفرت العمليات القتالية شبه المستمرة طيلة العقدين الماضيين، والخلل في الميزانية، وارتفاع تكلفة المعدات العسكرية، عن تراكم مشكلات التحديث، مما يضع ضغوطًا إضافيةً على ميزانية الدفاع. ويمكن للصين إغراق أو تدمير السفن الحربية الأمريكية والطائرات الحليفة باهظة الثمن، لأن غالبية القوة الجوية الأمريكية ترتكز على قواعد ضعيفة داخل مدى الصواريخ الصينية. لذا، من غير المرجح أن تحقق الطائرات الأمريكية تفوقًا جويًّا خلال الأزمات. وبدون معالجة ذلك، يمكن تقويض الجهود الأمريكية لمواجهة العدوان الصيني. وأكملت الورقة أن "القوة البحرية الأمريكية تحتاج إلى تطوير مفاهيم جديدة للعمليات، واستخدام تقنياتٍ جديدةٍ رائدةٍ على امتداد عدة جبهات للحفاظ على الردع التقليدي، وإيجاد طرقٍ جديدةٍ لتقويض الميزات التي تتمتع بها أنظمة الطيران والصواريخ الصينية في مواجهة السفن الأمريكية، نظرًا لتطور الصواريخ التي قد يستخدمها جيش التحرير الشعبي لتهديد المقاتلين الأمريكيين، واستغلال بكين لعمقها الإستراتيجي لتطوير جيش التحرير الشعبي البحري (PLA-N)؛ وهو ما يمثل تهديدًا للهيمنة الأمريكية في البحر، وهو سيناريو لم تستعد له البحرية الأمريكية منذ الحرب الباردة". وقد بدأت الولاياتالمتحدة في إدراك هذه التحديات؛ فطورت تقنياتٍ جديدة بواسطة سلاح الجو والقوات البحرية لكسر الحلقة المفرغة للتكاليف المتزايدة وردع الصين. ولكن لتحقيق ذلك، تحتاج القوة المشتركة إلى تنفيذ إصلاحاتٍ هيكليةٍ واسعة. وجدير بالذكر تغير دور القوات البرية الأمريكية في المنطقة في أعقاب انسحاب واشنطن من معاهدة القوات النووية متوسطة المدى في عام 2019. ففي أعقاب ذلك، قام البنتاغون بتطوير مفاهيم تشغيلية جديدة وقدرات تقليدية، لمواجهة الصين والحفاظ على توازن القوى في المنطقة.