يتغيّر مبعوثو الأمم المتّحدة إلى الصّحراء على الدّوامِ، ومقابل ذلكَ يستمرُّ النّزاع الإقليمي قائماً دون أن يصلَ إلى حلٍّ توافقي بين الأطراف المعنية به. وبينما تترقّب الأوساط المغربية والدّولية عودة مبعوث خاص جديد، انبرت جبهة البوليساريو إلى التّشويش على مسار الاعتماد الأممي بترويجها لوجود صدامٍ روسي أمريكي حال دون تعيين المبعوث الأممي الجديد. ومعروف أنَّ موقف جمهورية روسيا الاتحادية، العضو الدّائم في مجلس الأمن الدولي، لم يتغيّر من قضيّة الصحراء، إذ تؤكد "عدم وجود بدائل للتّسوية السياسية لنزاع الصّحراء إلا على أساس القرارات الصادرة عن مجلس الأمن الدولي". وعلى مدى أزيد من 27 سنة، حاولت بعثة المينورسو وعدد من مبعوثي الأممالمتحدة إلى الصّحراء التوسط لإيجاد حل لهذا النزاع طويل الأمد، والذي يؤثر على العلاقات المغربية الجزائرية، في حين تركت موريتانيا النزاع جانباً، واستمرت جبهة البوليساريو في محاربة المغرب إلى أن توصلت الأممالمتحدة إلى وقف إطلاق النار عام 1991. وقال الدكتور عبد الرحيم منار السليمي، أستاذ العلاقات الدولية، إنّ "جبهة البوليساريو تعمدُ إلى نهْج نفس أسلوب صناعة ادعاءات كاذبة قبل تعيين المبعوث الأممي الجديد في ملف الصحراء؛ فالوضع نفسه كان في صيف 2017 قبل تعيين المبعوث السابق كوهلر"، وزاد: "يبدو أنّ الأممالمتحدة باتت تدرك جيدا أسلوب البوليساريو في صناعة الأكاذيب لممارسة نوع من الضغوط". ويوضّح رئيس المركز الأطلسي للدراسات الأمنية والإستراتيجية فكرته قائلاً: "الأمين العام للأمم المتحدة اقترح خمس شخصيات للتداول بين القوى الكبرى المؤثرة في مجلس الأمن، ويبدو الوضع عادياً ولكنه لا يصل إلى درجة الصراع بين القوى الكبرى، لأنها تدرك جيدا أن القرار يتم اتخاذه داخل مجلس الأمن مهما كان شكل تقرير الأمين العام وتوصياته المعدة من طرف المبعوث الأممي". ولا يعتقد المحلّل ذاته أنّ روسيا متشددة في شروطها المرتبطة بالمبعوث الأممي الجديد، لكون الملف يعرف توافقا ضمنيا أمريكيا روسيا رغم الخلافات التي تظهر أحيانا في مناقشة القرار الأممي في نزاع الصحراء. والدليل الذي يقدّمه السلمي على ذلك أنه "لم يسبق استعمال حق الفيتو الروسي ضد أي قرار في النزاع". ويرى الجامعي نفسه أنّ تأخر تعيين المبعوث الأممي الجديد عاد جداً، نظراً لخضوعِه لتداول القوى الكبرى في مجلس الأمن؛ لكنّه يتساءل: "لماذا كل هذا الضّجيج من البوليساريو التي تدعي وجود تأخر في تعيين المبعوث الأممي وتدعي وجود خلاف مزعوم بين الدول الكبرى؟". ويشدّد السليمي على أنّ "البوليساريو تشعر بأن السّياق يتغير، لذلك تجدها تتناقض بصناعة ادعاءات تأخر تعيين المبعوث الأممي وفي الوقت نفسه تلوح بالعودة إلى الحرب"، مضيفاً أن "البوليساريو تدرك جيدا أن تسعين في المائة من لغة مجلس الأمن قد تغيّرت في قراراته الخمسة الأخيرة". ويعتبر الخبير في قضايا ونزاعات الصحراء أن "البوليساريو تدرك أنّ القوى الكبرى تعرف أن أيّ خطأ في الملف سيكون له انعكاسٌ خطير على كل شمال إفريقيا؛ أكثر من ذلك أن البوليساريو تعيش اضطرابا نفسيا لأنها لا تعرف كيف ستنتهي الأزمة في الجزائر، فبوتفليقة رحل ومعه جزء من الجبهة في حقيبته"، وفق تعبيره. كما أنّ البوليساريو، يضيفُ الخبير ذاته، "لا تعرف هل سيبقى القايد صالح وسعيد شنقريحة كدعامات عسكرية جزائرية للبوليساريو؛ كما أن ولد عبد العزيز الموريتاني، أحد دعامات البوليساريو، رحل والجبهة تترنّح، وهي تسمع بوضوح لأول مرة بموقف أمريكي من النزاع يميل نحو الحكم الذاتي ويرفض أي خيار آخر". ويعتقد الأستاذ ذاته أنّ "الفرصة اليوم أمام المغرب ليفرض على المبعوث الأممي الجديد القادم أن ينطلق من نفس ما وصل إليه المبعوث الألماني السابق في النقطة المرتبطة بدور الجزائر كطرف رئيس مباشر في النزاع، وأن المحادثات والمفاوضات يجب أن تكون معها وليس البوليساريو"؛ كما دعا إلى قراءة حوار إبراهيم غالي الأخير جيدا وتلويحه بالعودة إلى الحرب، "فالحوار الذي رتب من داخل الجزائر توجد فيه رسالة واحدة وهي إعلان إمكانية العودة للحرب، والإشارة إلى معبر الكركرات"، وزاد موضحا: "الحوار رسالة من المجلس العسكري الجزائري إلى المغرب استعمل فيها إبراهيم غالي كناطق باسم القايد صالح وسعيد شنقريحة، القائدين للمجلس العسكري الجزائري".