عندما اكتشف كريستوف كولومبس أمريكا اصطحب القساوسة مترجما عربيا وآخر عبريا لترجمة الإنجيل إلى قاطني الأراضي المكتشفة، فتبين لهم بعيد الوصول بأنهما بحاجة إلى "ترجمة " الرجال عوض النصوص المقدسة، فاستطاعوا في وقت قياسي طمس لغات محلية وتبديلها باللغة الأسبانية. في أيام المباهج هاته كانت هناك مآسي المورسكيين الذين اضطهدوا و طردوا من أرضهم بعدما رفضوا "الترجمة القسرية لشخصيتهم". غاب الإعلام عن الواقعتين ودون المؤرخون تاريخ المآسي بدم "النازحين" الذين وصلوا إلى أكثر من 300 ألف مضطهد ومطرود. في زمن العولمة والفايسبوك أصبحت الفضائيات مرآة للعالم، قرية صغيرة تزورها في بضع دقائق لتعرف حقائق الكون بدون تزييف ولا تزوير. وبما أن إسبانيا بحاجة إلى تلميع صورتها في أيام الذكرى الحزينة لطرد المورسكيين (1609-1614) فقد فتحت فضاءها للتعرف على الإسلام السني والشيعي . فقد انطلق في أيام أعياد الميلاد بث أول قناة إسلامية باللغة الإسبانية، وهي قناة إيرانية تحاول إقناع أكثر من 700 مليون نسمة ناطقة بلغة سيربانتيس. إيران تعول على الشعوب بدل الحكومات التي وضعتها في خانة محور الشر في العالم. تعتمد في حربها الإعلامية على أصدقاء كثر في أمريكا الجنوبية مثل الرئيس الفينزويلي شافيز وغيره. انطلق البث مباشرة من طهران لنشر الفكر الشيعي عن طريق نشرات الأخبار و الأفلام الوثائقية والمسلسلات، و قبل هذا وبعده، طرح الأفكار الخومينية للنقاش على الفضائيات بعدما عجزت عن فعل ذلك على سطح الأرض. وبما أن إيران، الشيطان الأكبر، ورائدة عدم الانضباط في العالم دخلت من النافذة لعدم اعتمادها على البث من إحدى الدول الناطقة بالإسبانية ، فإن المملكة العربية السعودية فضلت مدريد لبث" قناة قرطبة " الفضائية السنية عساها تنسي العالم الإسلامي مآسي الأندلس في ذكراه الأربعمائة، بعدما طرد فيلبي الثالث آخر المورسكيين من بلاد الأندلس. إن الحرب الضروس بين إيران والسعودية لا تخفى على أحد، فالدولتان تتصارعان في أوربا وأمريكا الجنوبية على نشر مذهبيهما، وتبدو السعودية أكثر قوة و نجاعة لكونها استطاعت في العقدين الأخيرين فتح الكثير من المراكز الثقافية في العديد من الدول الأوربية. وفي إسبانيا، البلد المفضل للسياح السعوديين، فتحت مراكز في مدريد ومالقة وغيرهما، كما فتحت العديد من المساجد في مختلف المدن الشاطئية في الأندلس. وسينطلق بث "قناة قرطبة" ابتداء من فاتح يناير 2012، وقد اعتمد الفوزان المشرف العام على مؤسسة " رسالة الإسلام" التي تبث قناة المجد وغيرها على قنوات إسبانية للاستفادة من خبرتهما، كما اعتمد على بعض الخبراء الإعلاميين من كولومبيا والأرجنتين اللتان تتوفران على أقليات مسلمة معتبرة. أما الحضور المغربي فسيكون عن طريق تواجد بعض الصحفيين والمترجمين المتميزين في أسبانيا، بعدما تعثر تعيين سعيد الجديدي مديرا للقناة المذكورة. إن غياب المغرب والمغاربة واضح وجلي في المجالين الإعلامي والثقافي في إسبانيا، فأكبر جالية عربية ومسلمة لا تتوفر على أي مركز ثقافي مغربي كما أنها لا تتوفر على منابر إعلامية فاعلة. إن الإعلام اليوم أصبح سلطة فعلية تزاحم السلطة التنفيذية والتشريعية والقضائية، وقد غاب الإعلام الإسلامي بشكل كلي في الدول الناطقة بالإسبانية لأن الاستعمار الفرنسي والأمريكي أعمى بصيرة الساسة العرب، وبما أن الإسلام هو دين للعالمين فقد ارتأى الساهرون على مشروع "قناة قرطبة" دعوة الناطقين بالإسبانية للتعرف على الإسلام من منبعه الأصلي عوض التعويل على مهاجرين فقدوا دينهم قبل أن يفقدوا لغتهم وثقافتهم وهويتهم. هذه الدعوة لن تكون كافية لعودة الإسلام إلى ديار الأندلس، فالإسلام لازال بعيدا كما علقت صحفية يسارية عند افتتاح مسجد غرناطة الكبير سنة 2003 عند قولها "لقد عاد المسجد إلى غرناطة بعد 500 سنة من الغياب ولكن عودة الإسلام تبقى مستبعدة إلى الأبد ".