على الرغم من غياب وكالات متخصصة في استقراءات الرأي، وبالاقتصار على بعض التعليقات هنا وهناك، لن يجانب أحدنا الصواب إن حكم بأنّ ثَمّة شبه إجماع وطني على استحسان المبادرة الملكية الرّامية إلى إلغاء الاحتفال الرسمي بعيد الشباب. كان بلاغ وزارة القصور والتشريفات مختصراً بما فيه الكفاية لِتوالد التفسيرات والتأويلات: إعطاء المثال في ترشيد النفقات، تدشين مرحلة متقدِّمة من الحكامة، تفعيل مَلَكيّة اجتماعية مُواطِنة، خطوة متَّئدة نحو مَلكيَة برلمانية، وقِس على ذلك... شخصيا، وعلى غرار جل المغاربة، لم يسعنِي إلا التصفيق لهذا الإلغاء والمناشدة بإلغاءات أخرى وما أكثرها. على أن ما دغدغ نرْجِسيتي و''غروري المشروع'' (على حد تعبير الأستاذ يحيى اليحياوي) هو أن المبادرة الملكية تقاطعت جزئيا، أو كادت، مع إحدى اقتراحاتي. قبل أكثر من ثلاث سنوات، تفضّلتْ جريدة هسبريس بنشر مقال لي حمل عنوان: عن إصلاح منظومة الأعياد والعطل. وكما يشي العنوان، فالسطور المَرْقونة كانت دعوة إلى اختزال لائحة العطل ومراجعة توزيعها. ولست أخالني غاليْتُ في الشرود إن تكهَّنتُ أن إلغاء الاحتفال الرسمي بعيد المولد الملكي قد يتبعه على الأقل حذف عطلة عيد الشباب، فحُقَّ ليَ الجذلُ إذن. قبل التمادي في إعادة بسط اقتراحاتي، أذكِّر بما أزّني يومها، وحتى الآن، إلى إثارة هذا الموضوع. أولاً، الرغبة في المساهمة ولو هامشياً في ''التغيير''. قد علمناها كلمة تُقلقُ وتُزعجُ وتُخيف، لكنها حين تيْنعُ في أمان، وتتجلى وَجاهتُها، يكثر المتبنُّون ويأنسُها منْ بالأمس كانوا متوجسين. وما أظرف التغيير، كيفما كان حجمه، إن كان مصدره مواطن بسيط، بسيط جداً، أهمّه أمر من شؤون الوطن فاقترح فأُنصِتَ له فصُقِلت الفكرة فأضحتْ واقعاً. أما السبب الثاني، وَهو امتداد للأول، فرغْبة في تكريس ثقافة الأخذ والعطاء بينَ الجانبين: المشرِّعين والمواطنين. عقود ونحن جُلوس على طاولة المُتَلقي ، المتأفّفُ أحياناً ، الغائب أو المُغَيّبُ أحايين. ماذا لو أخذنا، نحن المواطنين العاديين، المبادرة وانهمكنا نتفنّنُ في اقتراحات أصيلة وليدة الاحتكاكات والممارسات اليومية. نعم، من المفترض أن هناك ''وسائط'' كالنقابات والأحزاب والجمعيات. لا نريد أن نبخس حق أحد ولا نريد تقييم دور أحد، كل ما نروم له من مِهاد الهُنا والآن هو الإشارة إلى أن مساهمة الأفراد كأفراد في السياسة التشريعية لها دلالات وجمالية خاصة. قد نزيد من منسوب الخلاّقية فنقترح تسمية بعض القوانين بأسماء من اقترحوها. عهدناها في الولاياتالمتحدة تحمل أسماء السيناتورات، فماذا لو حمِلت بعض قوانيننا اسم عامل، أو أستاذة، أو ربة بيت. أمّا بعد، يحتفل المغرب بثلاثة أنواع من الأعياد: دينية وهي رأس السنة الهجرية، عيد المولد النبوي، عيد الفطر وعيد الأضحى. ثم أعياد وطنية وهي: ذكرى تقديم وثيقة الاستقلال، عيد العرش، ذكرى استرجاع واد الذهب، ثورة الملك والشعب، عيد الشباب، المسيرة الخضراء ثم عيد الاستقلال. وأخيراً هناك أعياد ''عالمية'' كرأس السنة الميلادية وعيد الشغل. لا جرم أنها لائحة طويلة شيئا ما، ربما أكثر من اللازم. ولا جرم أنها تعطي انطباعاً بأننا شعب ''مِعْطال''. ضع نفسك في جلد مستثمر، ربما أُعجب بموقع البلد وبعض المحفزات الأخرى، ثم تُسْرد عليك هذه اللائحة. وكأن آخر الأعياد أنساك أوّلها، وكأنّي بك تكاد تسهو ليوقظك صوت يُخبرك أن في المناسبات الدِّينية تتعطل الحركة على الأقل يومين، كما أن الحكومة تتكرم أحياناً ببعض ''القناطر''، لتتمدد العطلة رُباعاً وخُماسا. أظنها قد أَزِفت ساعةٌ نراجع فيها هذا الخلل، حتى لا نقول العبث. مساهمتنا في هذا الباب نختزلها في هذه المقترحات القابلة طبعا للنقد والتعديل. أوّلاً، إدماج ذِكرى تقديم وثيقة الاستقلال، ثورة الملك والشعب، وعيد الاستقلال في مناسبة واحدة، ف0لْتكنْ عيد الاستقلال أو عيد الوطن.... ثم ندغم ذكرى استرجاع واد الذهب والمسيرة الخضراء في عيد الصحراء المغربية. وقد كنا اقترحنا في المقال السابق إدماج عيد الشباب وعيد العرش في عيد واحد، لكن المبادرة الملكية يبدو أنها تنحو نحو إلغاء عيد الشباب فنكتفي إذن بعيد العرش. أما فيما يخص الأعياد الدينية، فأظن أن عطلة عيد المولد النبوي يمكن اختزالها في يوم واحد. في المقابل وتفعيلا للدستور الجديد، نعتقد أنَّ إقرار عيد وطني بمناسبة السنة الأمازيغية سيكون له وقع جد إيجابي. لن أُغامر إن زعمت أن إصلاحاً من هذا القبيل سيكون له وقع إيجابي على مصالح العباد والبلاد. وعلى الرغم من أن الموضوع أكبر بكثير من عمليات الجمع والطرح فلا ضيْر من جرد بسيط. ألغينا أربعة أعياد وقلّصنا عطلة المولد النبوي، أي أننا وفّرنا خمسة أيام، ثم احْتفيْنا بِرأس السنة الأمازيغية لنخلُص إلى ربح صافي بأربعة أيام. وكوْن العُطل قد أمْستْ من المكتسبات الاجتماعية فنقترح أن تعود مستحقات هذه الأيام مباشرة إلى جيوب العمال والموظفين في شكل منحة الدخول المدرسي أو عيد الأضحى. من جهة أخرى، سأتمسك بِراهنيَّة مُقترح الفصل بين العيد الوطني والعطلة. قد يبدو الأمر في البداية غريبا نوعا ما، لكنَّه سيغدو مألوفا مع الوقت. الفكرة هي أن تتعطل الإدارات في الجمعة الموالية للعيد، بِغضِّ النظر عن يوم العيد. ولعل نهايات الأسبوع الطويلة سَتُساهم نسبياً في انتعاش السياحة الداخلية. خواطر هي، أيقظتها المبادرة الملكية ونفضت عنها الغبار. حتماً سأنتشي إن أُخِذتْ بعين الاعتبار، كلها، أو بعضها، أو حتى ريح من ريحها، وسأنتشي أيضاً إن رمقته ينمو صبيب المساهمات الصاعدة من أبناء الشعب إلى ممثلي الشعب. وسينتشي المغاربة إن علموا أن قوانين البلد لم تعد طلاسم تستأثر بتدوينها طائفة عُلوية مخملية؛ لكنها أضْحتْ فعلا ''عِقداً اجتماعياً'' يتشارك الجميع في صياغته وتطبيقه، والأهم في جنيِ قِطافه. أظن أن ما اقترحناه هو جزء بسيط من سلسة إجراءات يمكنها أن تخلق الفرق دون ميزانيات إضافية. وحتى لو تبدَّت عدم نجاعتها بعد مدّة، فإن التراجع عنها لن يكون مكلِّفاً. نبارك لملكنا عيد ميلاده، وننتظر مبادرات لطيفة أخرى تتقاطع وتطلعات شريحة أكبر من المغاربة. وكل عام والمغرب أروع.