بينما كان المغاربة يستعدون لاستقبال العيد الأضحى، كان سكان مدينة وزان يسابقون الزمن لتخزين لترات من الماء تحسبا لانقطاع هذه المادة الحيوية عن صنابير اعتادت غياب الماء الصالح للشرب في كل وقت وحين. وقد بدا لافتا للانتباه أن ليلة العيد بوزان ستكون كسابقاتها، إذ بدأت الإشارات الأولى إلى مشكل الخصاص مع أول تدوينة لرئيس المجلس الجماعي، عبد الحليم علاوي، الذي كتب "للأسف، رغم كل المراسلات والاجتماعات، المكتب الوطني للماء الصالح للشرب يعجز عن حل مشكل انقطاع الماء عن مجموعة من أحياء مدينة وزان". مقابل ذلك اختار عدد من المتضررين منصة "الفيسبوك" لنشر "غسيل الفضيحة"، قبل أن تتم الدعوة إلى تنظيم وقفة احتجاجية لم تفلح في لمّ شمل الوزانيين، الذين ملوا تكرار أسطوانة مشروخة، دون فائدة. عزيز لحلالي، مهتم بالشأن العام المحلي، وصف انقطاع الماء عن المدينة الجبلية خلال كل عيد بالمشكل "العويص"، الذي يستدعي إنجاز تقارير ميدانية مستندة على الواقع قبل الخوض في علاجه عوض "تطيير" مسؤول وتعويضه بآخر صبيحة اليوم الموالي. وأضاف لحلالي، في تصريح لجريدة هسبريس، أن "من العار أن يباع الماء المعدني بوزان وهي تسبح فوق الماء"، في إشارة إلى وفرة الفرشة المائية بالمنطقة المحاطة بسدين، أحدهما حقينته هي الكبرى على صعيد إفريقيا. وعزا المتحدث ذاته عدم خروج السكان للاحتجاج إلى سيطرة هاجسي القمع والخوف، اللذين يطغيان على المواطن المغلوب على أمره، مشيرا إلى احتجاجات سكان مدينتي الحسيمة وجرادة، الذين وجدوا أنفسهم وراء القضبان بعدما طالبوا ب"حقوقهم". ووجد العديد من سكان أحياء القشريين والقشيلة وبني مرين وغيرها أنفسهم مجبرين على جلب "إكسير الحياة" من العيون والسقايات لتدبير احتياجاتهم اليومية، في مناسبة يزداد فيها الإقبال على هذه المادة الضرورية. "انقطاع الماء عن المنازل طيلة عيد الأضحى أصبح أمرا مألوفا لدى الوزانيين، وعبئا إضافيا ينغص فرحة اليوم المبارك"، يقول شاب من حي القشريين، قبل أن يضيف "في الوقت الذي تناضل أمم وحضارات على حقوق وامتيازات حقيقية لا يزال المواطن المغربي يطالب بأبسط الحقوق". هسبريس وقفت خلال جولة قادتها إلى الأحياء العليا للمدينة على معاناة السكان، الذين استعانوا ب"الشرشورة" (منبع مائي) والقارورات لجلب مياه لا تصلح للشرب بحكم مذاقها، فيما لم تتدخل الجهات الوصية إلا ثاني أيام العيد، من خلال تخصيص براميل عملاقة وصهاريج متنقلة في حيي الرمل وحومة الزيتون للتقليل من وطأة العطش وكأن الأمر يتعلق بقرية نائية وسط جبال المغرب العميق. وتعالت أصوات غاضبة مطالبة بضرورة الخروج إلى الشارع للاحتجاج، إلا أن هذه الخطوة لم تلق تجاوبا، ولم تفلح سوى في تحريك عناصر من السلطة المحلية وأعوانها وبعض النشطاء "الفيسبوكيين"، حيث لم يحضر في ساحة الاستقلال سوى "المخزن" والإعلام، فيما غاب المتضررون. وفي هذا الصدد، قال محمد مرغاد، فاعل حقوقي، إن "الحركة الاحتجاجية بمدينة وزان عرفت خلال السنوات الأخيرة مدا وجزرا، في ارتباط بما هو وطني أو جهوي، تنفيذا لبعض قرارات الأجهزة الوطنية لبعض النقابات والجمعيات الحقوقية والمدنية". واستحضر مرغاد، في تصريح لهسبريس، جملة من الأسباب التي أدت إلى خفوت نبض الشارع، ذكر منها التشويش على بعض المبادرات ذات الطابع الاحتجاجي، وتسفيهها وتخوين الداعين إليها. بالإضافة إلى فقدان الثقة في الاحتجاج كآلية من آليات الضغط لتحقيق المطالب الشعبية. وأوضح الفاعل الحقوقي ذاته أن عامل الخوف من تكرار تجربة "انتفاضة الريف" وما خلفته من أحكام ثقيلة في حق قيادات الانتفاضة سبب كاف لعدم الاحتجاج، مستحضرا التلويح بورقة "القنب الهندي"، والتهديد باعتقال المناضلين وأقاربهم الذين يمارسون "زراعة العشبة" بالإقليم. وأضاف مرغاد أن أهم سبب وراء خفوت نبض الشارع يكمن في الانتهازية والاتكالية وسيادة ثقافة "اذهب أنت وربك فقاتلا". من جانبه، قال مهدي سعيد، المدير الإقليمي للماء بوزان، إن استعدادات كبيرة رافقت مناسبة عيد الأضحى من أجل توفير الماء بجميع المنازل، مضيفا أن "المدينة تعرف توافدا كبيرا للزائرين لإحياء هذه المناسبة، حيث ترتفع أعداد الساكنة إلى الضعف، وهو ما يرخي بظلاله على الطلب الكبير والقياسي على هذه المادة الحيوية". وأوضح المسؤول الإقليمي ذاته، في تصريح لجريدة هسبريس الإلكترونية، أن "ارتفاع الطلب لا يترك فرصة لتخزين الماء داخل الخزانات، وهو الأمر الذي يبرز بجلاء في حالة وقوع عطب أو انقطاع التيار الكهربائي، حيث لا تبقى داخل هذه الصهاريج سعة لتدارك الفراغ". وكشف المدير الإقليمي للماء بوزان، الذي كان يتحدث لهسبريس من إحدى المحطات للوقوف على المشكل، أن "الطلب بخصوص هذه المادة بلغ 200 لتر في الثانية، فيما لا تتجاوز قدرة الإنتاج 160 لترا في الثانية، وهو ما جعل المدينة تعرف خصاصا يقدر ب40 لترا في الثانية".