مدفوعون بما شاهدوا في أفلام أو مسلسلات أو حتى نشرات الأخبار، تتزايد يوما بعد يوم أعداد الأشخاص الذين يقررون قضاء "العطلة" في مواقع شهدت أو لا زالت تشهد مآس إنسانية أو كوارث، مثل محطة تشيرنوبيل أو الحدود بين المكسيك والولايات المتحدة أو حتى منزل بابلو إسكوبار، أشهر تاجر مخدرات في العالم. ويختار مسافرو ما يُطلق عليها "السياحة السوداء" وجهتهم في أماكن موصومة بالموت والحوادث مثل كارثة تشيرنوبيل النووية التي وقعت في عام 1986 بمدينة بريبيات في شمال أوكرانيا السوفيتية آنذاك أو معسكرات النازية التي شهدت أعمال قتل وإبادة وحشية أثناء الحرب العالمية الثانية. ويذهب هؤلاء السائحون لهذه الأماكن للتعرف عن قرب على ما جرى ورؤية عواقبه وتبعاته، وحتى لالتقاط "سيلفي" في موقع الحدث. وتتضمن هذه "الرحلات" مجموعة متنوعة من البرامج التي تجعل "السائح" يقترب من الأجواء الدرامية لأبطال المأساة الحقيقيين. فعلى سبيل المثال تتيح بعض هذه الرحلات فرصة التعرف على تجربة آلاف المهاجرين اللاتينيين من خلال "جولة تجريبية" يشارك بها ممثلون يرتدون ملابس الشرطة لمطاردة السياح وهم يحاولون ليلا عبور الحدود الأمريكية إلى المكسيك، تماما مثل المهاجرين الحقيقيين. أو كذلك تنظيم رحلة لزيارة كهف ثام لوانج الذي ظل 12 طفلا تايلانديا محتجزا بداخله على مدار أسابيع، أو حتى زيارة مواقع شهدت مجازر إبادة بشعة في رواندا وكمبوديا. ويمكن وصف هذه الظاهرة ب "سياحة الموت" التي تجمع باللغة الإسبانية بين كلمتي "tanatologia" (علم الموت) و"Turismo" (سياحة) في تناقض لفظي يمزج بين مفهوم السياحة كنشاط ترفيهي من جانب والألم والمعاناة المرتبطين بالموت من جانب آخر، وفقا لدانييل ليفيانو، الأستاذ بجامعة أوبيرتا بإقليم كتالونيا (إسبانيا) والذي يُجري دراسات على هذه الظاهرة. ويقول ليفيانو إن هذا الأمر قد يبدو حديثا لكنه في الحقيقة موجود منذ زمن طويل، مشيرا إلى أن الإنسان "لطالما كان لديه فضول تجاه الموت" واستدل على ذلك بأنه في القرن السابع عشر بإنجلترا كان يتم تنظيم سفرات لمشاهدة عمليات الإعدام العامة التي كانت تلقى إقبالا جماهيريا كبيرا، حالها حال الإعدامات بالمقصلة في فرنسا. ويؤكد الباحث الإسباني أن "سياحة الموت" ظاهرة "معقدة ومتباينة"، قد تختلف دوافع المقبلين عليها وكذلك اختياراتهم للوجهات والأنشطة التي يقوموا بها. ففي حين أن الكثيرين قد يعتبرون هذا النوع من السياحة "مروعا"، هناك آخرون يجدون هدفا معنويا أو روحانيا من ورائه، حين يبحث الشخص عن زيارة مكان ما شهد مأساة أو كارثة بهدف إظهار التعاطف مع الضحايا وإحياء ذكراهم وتكريمهم.