على الساعة العاشرة مساءً وبينما اقترب الليل من الانتصاف، توافدت على صعيد عرفات مئات الحافلات المحملة بحجاج بيت الله الحرام والذين حجوا لمن كل فج عميق للوقوف بجبل عرفات في ما يعرفه العلماء بركن الحج الأعظم. الحجاج المغاربة، وخاصةً المكتب 106، كانوا أول الواصلين إلى مخيم المغاربة بجبل عرفات. المكان عبارة عن خيم مربعة تتسع للكثير من الحجاج على قدم المساواة، حيث لم نجد خلال مبيتنا في المخيم سوى خيمة بمكيف صحراوي وفراش على شكل زربية عادية تجسد معنى التجرد من متع الدنيا، حيث يرتدي كل الحجاج الإحرام ويفترشون الأرض ويلتحفون سماء جبل الرحمة في مشهد عظيم ويعجز اللسان عن وصفه. مع بزوغ الفجر، كان الحجاج المغاربة قد رابطوا بخيامهم بين نائم ومندهش وداعٍ لربه بالمغفرة وحسن الثواب.. ومع شروق الشمس، تتضح الرؤية أكثر فأكثر، وسرعان ما اكتشفنا شساعة المكان وعظامة المشهد، حيث لا مكان إلا وقد اكتسحه البياض ومشاعر روحانية تنبعث من الأرجاء. محمد حاج مغربي من بين الحجاج الأوائل الذين التقتهم هسبريس خلال جولتها الصباحية بمخيمات المغاربة، حيث لم يجد الكلمات لوصف اللحظة الربانية، مكتفيا بالدعاء لكل المغاربة بالسفر لزيارة هذا المقام المقدس. وعلى غرار الحاج محمد، جاءت شهادات الحجاج المغاربة مفعمة بمشاعر الإيمان والتضرع بالمغفرة والثواب. لم يكد منتصف يوم عرفات يصل حتى انتظر الجميع صلاة الظهر والعصر جمعا وقصرًا بمسجد نمرة اقتداءً بسنة سيد الخلق محمد. وبعد انتهاء الصلاة وخطبة عرفات، كسّر صوت عاصفة رعدية هدوء المكان وهرول الحجاج إلى خيامهم سائلين الله اللطف، خاصةً أن عرفات ومنى تعانيان كمكة من انعدام قنوات الصرف الصحي. استمرت التساقطات المطرية حوالي ساعتين، وتواصل التوتر داخل الخيام خوفًا من حدوث مكروه، خاصةً أن هناك مغاربة ابتعدوا عن المخيمات وصعدوا للسفح عرفات؛ غير أن الهدوء عاد مع تصادف كل حاج بمن كان يبحث عنه من الرفقة. جدل وهرج ومرج مع استمرار العاصفة الرعدية وتزايد منسوب الأمطار، حاول المنظمون تفادي أي مشكل وأسرعوا في إركاب الحجاج في الحافلات؛ لكن الحجاج ترددوا، بحجة أن الوقوف بعرفات هو ركن ركين من مناسك الحج، متخوفين من إمكانية تحرك الحافلات من مشعر عرفات؛ غير أن الأمور عادت إلى الهدوء، بعد أن حصل الحجاج على تطمينات من البعثة المغربية وظلوا ماكثين في الحافلات حتى مغرب الشمس. مزدلفة جمع الحصى مزدلفة مشهد مغاير عن عرفات جحافل من الحافلات وطريق المشاة يعج بجموع الحجيج الراغبين في النفير إلى مزدلفة التي تبعد حوالي 12 كيلومترا عن عرفات؛ غير أن بلوغها يستغرق ثلاث ساعات، سواءً بالحافلة أو مشيًا على الأقدام. غداة حط الرحال بمزدلفة، يبهرك ضخامة المشهد، حيث يفترش الحجاج التراب في كل مكان منها، ومنهم من يصلي المغرب والعشاء بالتقصير المسافر، ومنهم من يبحث عن حجارة يجمعها في كيس لرجم الشيطان بالجمرات الثلاث أولاها جمرة العقبة الكبرى.