قال سعيد يقطين، ناقد أكاديمي مغربي، إن سبب الاهتمام بأخبار الناس الخاصة على الإنترنيت، بكل بساطة، هو أن "العالم صار قرية صغيرة يهتمّ أفرادُها بأخبار الأفراد الآخرين في القبيلة، مثل المجتمع القبَلي". وأضاف يقطين، في مداخلة قدّمها خلال المهرجان المتوسطي للثقافة الأمازيغية بطنجة "ثويزا"، أن الوسيط الرقمي "ثورة حقيقية"، و"خلاصة لكل التاريخ الإنساني، جمعت الثابت والمتحرك، والشفاهي والكتابي والمصوَّر.."، مؤكّدا أن من بين تحدّيات هذا العصر أنّنا صرنا أمام أمية جديدة هي "الأمية الرقمية"؛ وهو العنصر الجوهري الذي ينبغي، في نظره، أن تتوجه كل الحكومات والأفراد إليه، من أجل الإجابة عن سؤال: كيف يمكننا المساهمة في إنتاج المعرفة ونحن خارج العصر الإنساني الذي نعيش فيه؟ دون إلغاء الاهتمام بالقضايا الأخرى. ويرى يقطين أن هذا العصر يحتاج الاتّجاه نحو "مدرسة جديدة، وجامعة جديدة، وأحزاب سياسية وجمعيات جديدة.."؛ لأنه "دون وضع هذا الأفق نصب أعيننا، سنظل "لا رقميين" في زمن رقمي، وسنظّل مستهلكين لما ينتجه الآخرون لأنهم من حرروا العصر وجعلوه رقميا.."، مما يستدعي خلق مبادرات وجمعيات وبرامج للارتقاء بالثقافة الرقمية، والتفكير في مشاكل الثقافة واللغة والهوية والاقتصاد من هذا المنظور، خصوصا مع عدم مواكبة الأكاديميين الورقيَّ نفسه في تخصّصاتهم، وفي ظلّ "عصر المعرفة" الذي يتطلّب تحويل المعلومة إلى معرفة. وتساءل الأكاديمي هل هناك جامعات عربية تدرِّس "الإنسانيات الرقمية" ثم زاد: بل هل عندنا علوم إنسانية بمختبرات حقيقية؟ قبل أن يجيب: "جامعاتنا لم تؤسَّس للبحث العلمي بل أسِّسَت لتكوين الأطر". كما رأى يقطين أن السؤال المطروح اليوم على المنطقة في هذا العصر الجديد هو: لماذا يتقدم الآخرون رقميّا ولماذا نتأخر رقميا؟ في تحيين للسؤال الذي طرحه شكيب أرسلان في كتابه المعنوَن: لماذا تأخّر المسلمون؟ ولماذا تقدّم غيرهُم؟ وشبّه الناقد المغربي العصر الرقمي ب"عصر النهضة"، مؤكّدا أنّه مناسبَةٌ جديدةٌ مناسِبة لدخول العصر الحديث، وإلا سنظلّ مستهلكين لما ينتَج في إطاره، وسنبقى على الهامش؛ وهو دخول يستدعي التساؤل أوّلا عن أيّ وعي سندخل به هذا العصر؟ وعن ما إذا كنّا سندخله بثقافة ما قبل رقمية، أي دون تعاملٍ معه بالكيفية التي يفرضها علينا، لأنّه انتقالٌ من مرحلة تاريخية إلى مرحلة تاريخية جديدة، تفرض تحوّلات على مستويات متعددة تمسّ القيم والثقافة، وتجعل الإنسان يعيش في مكانه المادي وفي مكانٍ افتراضي، وتجعله يعيش في زمان واقعي وفي زمان افتراضي. ولم يعدِ الفرقُ بين المجتمعاتِ اليوم، بالنسبة إلى يقطين، هو تموقُعُها شمالا أو جنوبا أو شرقا أو غربا أو انتماؤها إلى العالم الثالث.. بل الفرق قائم بين الدول التي تأخذ بأسباب "العالم الرقمي"، والدّول التي توجد خارج هذا العالَم، وهو ما يعبَّر عنه بمفهوم "الفجوة الرقمية"، التي إن استمرّت بعدم دخولنا هذا العصر الرقمي بكل حيثياته وشروطه ووعيه، سنبقى خارج هذا العالم. ويشدّد مؤلف كتاب "النص المترابط ومستقبل الثقافة العربية" على أن "لا مصداقية للحديث عن الأدب الرقمي دون الحديث عن روح هذا الرقمي، الذي سبقنا إليه رجال المال والتقنية بينما لم يهتمّ به الأكاديميون والعلماء والمختصون، أو اهتموا ببعض تجلياته دون الذهاب إلى الحديث عن روحه". ويرى الأكاديمي المغربي أنّ من يشتغل بالأدب اليوم دون معرفة بالعلم والإنسانيات والعلوم الاجتماعية والتقنية لن ينتج أدبا، نظرا لتغيّر الظّروف. ثمّ يسترسل مبيّنا: نشر الأدب المكتوب في "الفيسبوك" ليس أدبا رقميا، بل ينبغي أن ينتَجَ هذا الأدب من خلال الحاسوب وباشتغال مع المهندس، أو أن يكون الأديب مهندِسا، حتى يكون الأدب رقميا.. بينما أدبنا لم يتخطَّ بعدُ التقاليد الشفهية ليدخلَ في الأدب المكتوب.