ثمة مشاهد غير سارة تطالعنا كل صيف وتصر على مرافقتنا في دروبنا وحيواتنا، الخاصة منها والعامة، نتأذى منها كثيرا، ونتمنى زوالها عنا وانسحابها من ديارنا، ولكنها تأبى إلا أن تصحبنا وتلازمنا، وتفسد علينا جمال هذا الصيف. هي مشاهد كثيرة، أشير إلى بعضها، عنوانها الكبير والبارز تخلفنا المركب الذي أدمناه وألفناه حتى وكأننا لم نعد نبغي عنه بديلا. المشهد الأول: عدم الاهتمام بمعنى الزمن، وعدم امتلاك الحد الأدنى من الوعي بقيمة الوقت، فالصيف عند كثيرين منا يعني الإنخراط الكلي في ضروب من الفوضى غير الخلاقة، حيث تتحول جل الأوقات واللحظات إلى أكل وشرب ونوم وثرثرة، وخوض في كل شيء من أجل لا شيء، هكذا تنقلب أيام الصيف عندهم إلى زمن للعشوائية وتزجية الوقت في أي شيء، وطبعا العواقب تكون غالبا وخيمة، ما يعني أن المواطن يعاني كثيرا على مستوى تدبير وقته في هذا الفصل، فما كل هذا الفراغ، شعورا وسلوكا، ومن المسؤول عنه؟ المشهد الثاني: تراجع أو فقدان ثقافة السلوك المدني، فالتحرر من الالتزامات النمطية العادية والخروج إلى الطبيعة طلبا للتخفيف من رتابة اليومي، يضعنا جميعا ومباشرة أمام امتحان السلوك المدني، ومن المؤسف أن كثيرين منا يسقطون في هذا الامتحان، وبشكل مروع أحيانا كثيرة، حين لا يعيرون أدنى اهتمام لقيم التحضر، ويصدرون عن فقر مهول في معاني المدنية واللياقة وتقدير الجمال، فيكثر أن نقف على مناظر مؤسفة هي أقرب إلى البداوة المتوحشة منها إلى السلوك المدني، وهذه عينات منها: - رفع الأصوات بالحديث مع استعمال الكلام النابي، وبلا أدنى حرج أحيانا، وما يلي ذلك من مشاحنات وعنف مادي. - السرعة غير المنضبطة أثناء السياقة، مع رفع أصوات المذياع والأشرطة الغنائية، والاستعمال المفرط للمنبه المصحوب بغير قليل من الهمز واللمز، والخرق السافر لقوانين السير، يستوي في ذلك الجميع، المقيمون معنا هنا أو القادمون من ديار المهجر، هؤلاء الذين لا يمل بعضهم من الحديث عن تحضر الغرب وتقدمه ثم يكونون أول من يخرق قواعد هذا التقدم والتحضر في بلادهم الأصل. المشهد الثالث: عدم التزام قواعد النظافة والحرص الجميل على أناقة المكان، حتى إن المرء ليتساءل أحيانا هل نحن حقا شعب وسخ يحب القبح ويكره الجمال؟ لست أدري ما السر الثاوي خلف كل هذا الحقد على المرافق العمومية بالنسبة إلى كثيرين منا، يحتاج الأمر إلى دراسة نفسية واجتماعية تدلنا على معاني هذا الجنوح غير العادي، لدى البعض، في كراهية المرفق العمومي والميل المرضي إلى تشويه منظره، بل وتدميره، وهذه الرغبة المحمومة لدى البعض الآخر في احتلال المساحات والأمكنة، والتحكم فيها خارج كل المواثيق والقوانين. هي مشاهد صيفية وغيرها كثير، تشير بطريقتها إلى تخلف كثيرين منا فكريا وسلوكيا.