نبدو أوفياء لطباع كثيرة، أغلبها سيئ ومضر ولا جدوى منه في حياتنا اليومية وعلاقاتنا بالبيت والمحيط والزمن.. نبدو كأننا نُحتنا من حجر جبلي صلب فلا أمل في تغيرنا، كأنه قدرنا أن نظل نجتر عاداتنا السيئة ومعتقداتنا الخاطئة لسنين.. فلا بذرة تغيير تبدو في الأفق ولا رغبة إصلاح ولا يوم جديد تشرق شمسه فنجد العباد وقد أصبحوا فعلا مواطنين كاملي الحقوق، لكنهم «كاملو» الواجبات أيضا وربما سيظل السؤال الفلسفي الحارق هو: لماذا يرفض المغاربة «التحضر» فعلا لا شكلا ومظهرا؟ لماذا يرفض الناس أن يغيروا من سلوكاتهم وكأنهم ينتقمون من أنفسهم ومن إخوتهم ومن وطنهم، فيستكثرون على أنفسهم وعلى الآخرين العيش الكريم في ظل الأمن والنظام والاحترام المتبادل والحفاظ على الملكية المشتركة، والنظافة والسياقة وطوابير الانتظار واحترام الزبون وحسن معاملته، والتفكير في الآخر واحترام خصوصياته والكلمة الطيبة واحترام الكرامة الشخصية للناس في الشارع والإدارات ومحطات القطار والحافلات.. أعتقد لو تركت لقلمي أن يخط ما يلزمنا لنتغير لتطلب الأمر كتابا مجلدا من آلاف الصفحات، لأن ما ينقصنا كثير كما أن ما نطالب به كثير، والأمران وجهان لعملة واحدة لا تتجزأ، فمتى هناك حقوق هناك واجبات. سنوات مرت على استقلال المغرب، عمر طويل.. ولا زال المغاربة يرمون القمامة أينما وجدوا، لازالوا لا يعرفون كيف يسوقون ولا كيف يعبرون ولا كيف يمشون على الرصيف، إن كان هناك رصيف، ما لم تستول عليه المقاهي والمتاجر أو الباعة المتجولون الذين وجدوا في مأساة البوعزيزي مطية لهم ليحتلوا كل الأمكنة والأزقة والشوارع حتى إنهم أصبحوا يتركون عرباتهم تبيت في مكانها مغطاة بخرق بالية.. منظر آخر من مناظر مدننا الجميلة التي تنتظر مليار سائح في الأحلام. أينما أخذتك قدماك تصاب بالدوار، وقد تصدم وأنت تشاهد مظاهر لأنانية المغربي ورغبته في الاستفادة من كل شيء لوحده، دون التفكير في غيره.. يتزاحم العباد من أجل أشياء تافهة، يتصارعون ويتعاركون، عوض أن ينتظموا كي يحصلوا على مطالبهم بكرامة، يتقاتلون في محطات القطار والحافلات عوض أن يتفقوا ويشكلوا قوة ضد مكتب السكك الحديدية ليضاعف القطارات في فترة العطل.. فوضى وأوساخ وخصام وعبث.. هكذا هي عطلة المغاربة وصيفهم في انتظار شهر رمضان المبارك.. وربما قد بدأ الهجوم على الأسواق مع الإعلانات السخيفة التي ترافق الطماطم والدقيق والمربى وكأنه شهر الأكل وليس شهر العبادة والصوم. لماذا يرفض العباد التغيير بقوة؟ لماذا لا يستهويهم النظام؟ لماذا الفوضى صنع محلي بامتياز.. لماذا نعيش محاطين بالأوساخ؟ لماذا نحارب بعضنا كأعداء؟ برامج عديدة للتوعية، وكتابات، وأعمال درامية، وورشات للتوعية وجمعيات تتبنى التعريف بقيم المواطنة والانضباط والتغيير والإيجابية، لكن النتيجة هي ما نراه كل لحظة في كل مكان ارتدناه راغبين أو مجبرين. ربما نحن أوفياء لطباعنا، وقد فقد الأمل في تغيرنا وسئمت منا دعوات الإصلاح والتحضر، لكننا آباء وأمهات وإخوة ومعلمون وجيران لصغار قادمين يشبهوننا بجنون، بل ربما كان حالهم أصعب بكثير من حالنا لأنهم ينتمون إلى عصر الأنترنيت والفايسبوك والفضائيات الملتهبة، نفس الطباع لصغار لا يلقون التحية ولا يحترمون الصف ويرمون الأزبال ويصرخون ويشتمون.. إنهم جيل «لكريدي» والمدارس الخاصة، وآباء يفكرون في كل شيء إلا في تربية الأبناء على الأخلاق والقيم، وربما يشاطرون آراء غريبة أسمعها أحيانا هنا وهناك، تعتبر الأخلاق شيئا ثانويا وأن لا رأي ولا شيء يبنى على الأخلاق أو من وجهة نظر أخلاقية.. أعتقد أن ما يجعل بلدنا آمنا ويجعل المغاربة «استثنائيين» هو ذرة تمغريبيت التي لا تزال تسري في عروقهم، ذرة الحشمة والصواب والنية والرضى ديال الله والوالدين.. وقد قال أحمد شوقي أمير الشعراء قبل زمن: إنما الأمم الأخلاق ما بقيت فإن هم ذهبت أخلاقهم ذهبوا لقد ذهبنا..