يستطيع الصيادون وجامعو الثمار تحديد وجهتهم في الأدغال بشكل مذهل، حتى وإن لم يكن لديهم معلومات يستندون إليها، وذلك حسبما أظهرت دراسة أجراها باحثون تحت إشراف هانويل يانج، من معهد ماكس بلانك الألماني للتطور البشري، على قبائل Mbendjele البدائية في الكونغو. نتائج الدراسة توردها مجلة "بروسيدنجز" التابعة للأكاديمية البريطانية للعلوم، وقد تبين من خلال الاختبارات التي أجراها الباحثون أن كلا من الرجال والنساء والأطفال كانوا يعثرون بشكل موثوق به جدا على أهداف بعيدة عن مكان عيشهم ، مع وجود هامش خطأ بمعدل 6 درجات انحراف عن الهدف الأصلي. وتبين من الدراسة أن قدرة النساء في ذلك لا تقل عن قدرة الرجال، بينما تعد القدرة على تحديد الوجهة الجغرافية من أهم القدرات التي تتمتع بها الأنواع الحية التي تعتمد في عيشها على التنقل الدائم، من أجل البحث عن الطعام، ولأهداف أخرى، حسبما أوضح فريق الباحثين. ذكر الباحثون على سبيل المثال أن شعوب الفايكنج الاسكندنافية التي عرفت بالصيد والإبحار، كانت تستطيع تحديد وجهتها اعتمادا على وضع الشمس في الأفق، "ولكن ليس هناك حتى الآن دليل علمي على فوائد استخدام بوصلة شمسية من قبل الإنسان"، حسبما أوضح الباحثون. ورأى الباحثون أن ذلك يطرح سؤالا عن مدى قدرة الإنسان على الاعتماد على الشمس في تحديد وجهته. هذا هو ما اختبره الباحثون على 54 شخصا، من الرجال والنساء والأطفال، من قبائل Mbendjele، في سن 6 إلى 76 عاما. طلب الباحثون من هؤلاء أن يذكروا الوجهة التي ستصل بهم إلى أهدافهم التي يريدون الوصول إليها على بعد يصل 16 كيلومترا، وكان من بين هذه الأهداف بركة سمك، وقرية بعيدة و معسكر للصيد وحديقة. ولم تكن هناك نقاط خارجية يمكن أن يتخذ منها هؤلاء البدائيون دليلا للوصول للهدف، في تلك الغابة المنبسطة، لم يكن لديهم سوى الشمس، خاصة عندما لا تكون هناك سحب. استطاع المشاركون في التجربة الوصول لوجهاتهم بمعدل انحراف بلغ 6 درجات، ونجحوا في تحديد أهدافهم بدقة مذهلة. عندما كانت الشمس بازغة انخفض معدل الانحراف عن الهدف إلى 4 درجات، و ارتفع إلى 27 درجة بدون الشمس. كان أداء الرجال والنساء جيدا بشكل متشابه، "ولم يكن ذلك مفاجئا، واستطعنا تبريره بأن هناك مساواة بين الرجال والنساء في هذه القبائل البدائية، في الكونغو"، حسبما أوضحت يانج، كبيرة الباحثين الذين قاموا بالدراسة، مشيرة إلى أن نساء هذه القبائل تقطع مسافات بعيدة عن المعسكر، إلى داخل الغابة، مثل الرجال عند الذهاب لصيد الأسماك أو لصيد الحيوانات. كما كان أداء الأطفال بدءا من سن 6 سنوات جيدا جدا، ولكن بالقرب من معسكرهم، في الأغلب. أوضحت يانج أن الأطفال كانوا يخطئون أهدافهم في أغلب الأحيان عندما يضطرون للوصول إليها في غياب الشمس، وفي مناطق غير معروفة لهم كثيرا، وعندما كانت الأهداف بعيدة نسبيا عن مقر المعسكر، "ولكن عندما كان الأطفال يرون الشمس تحسن أداؤهم بشكل هائل". وبذلك تثبت الدراسة علميا، ولأول مرة، وفقا لمعديها، أن البشر أيضا يستخدمون الشمس كبوصلة، وهو ما كان معروفا بالفعل بالنسبة للكثير من أنواع الحيوانات، "فنحن نعرف أن النحل يعتمد على الشمس في تحديد وجهته والوصول لهدفه، ولكن من المفاجئ أنه لم يكن هناك حتى الآن دليل علمي على أن البشر يمتلكون هذه القدرة، وأن الأطفال يستطيعون استخدامها بالفعل في سن يبدأ من ست سنوات"، حسبما أشارت كارلين يانمات، المشاركة في الدراسة، مضيفة: "تدل نتائج دراستنا أيضا على مدى أهمية الخبرة بالنسبة لتطورنا المعرفي". قالت يانمات إنه من غير المعروف إلى متى سيستطيع أفراد قبيلة "مبينديله" وغيرهم من القبائل التي تعيش على الصيد وجمع الثمار، التنقل والترحال في هذه الغابات "حيث إن جميع الغابات التي يعيش فيها الصيادون وجامعو الثمار في الكونغو بيعت لشركات أجنبية، مما يجعل هؤلاء الناس مهددين، ليس فقط بفقدان أرضهم التي يعيشون عليها ومجالهم الذي يصطادون فيه، بل فقدان قدراتهم الملاحية الرائعة". *د.ب.أ