أمام رئيس الحكومة الجديد مهام كبيرة وتحديات أكبر، إن على المستوى الاقتصادي أو السياسي أو الاجتماعي، فأحوال البلد تشكو من أعطاب كثيرة، لكن إلى جانب إشكالات تدبير الشأن العام، هناك إشكال كبير يتصل بالثقافة السياسية التي تحكم علاقة النخب الحزبية والحكومات المتعاقبة مع القصر. هناك جليد سميك تراكم فوق هذه الثقافة، وهناك أعراف وتقاليد تمتد إلى مئات السنين، جعلت علاقة المسؤولين بالقصر مبنية على أسس غير عقلانية، تعيق، إلى حد كبير، طرق الإدارة الحديثة، ومنهجية صناعة القرار كما هي متعارف عليها دوليا. لنعط أمثلة سريعة عما وقع مؤخرا. أولا: منذ أربعة أيام ورئيس الحكومة المكلف ينتظر موعدا للقاء الملك محمد السادس، وذلك لتلقي جواب هذا الأخير بخصوص هيكلة الحكومة الجديدة. الرأي العام ينتظر بلهفة ولادة الحكومة الجديدة بعد انصرام حوالي شهر على ظهور نتائج الانتخابات التشريعية، والإعلام يضغط بحثا عن أخبار يقدمها إلى القراء، خاصة وأن عبد الإله بنكيران صرح أكثر من مرة بالتزامه بسرعة إخراج الحكومة إلى النور، لأنه يعرف أن صبر الناس قليل، وأن المرحلة دقيقة، والسرعة هنا إشارة إلى أن هناك سياسة جديدة في طريقها إلى الولادة. ثانيا: الثقافة السياسية التقليدية والمتجاوزة، التي تسيطر على عقول النخب الحزبية في جل الأحزاب السياسية، هي التي دفعت عباس الفاسي وامحند العنصر إلى الإلحاح على بنكيران بضرورة عرض الهيكلة الحكومية على الملك قبل المرور إلى توزيع الحقائب، مع أن الدستور لا ينص على هذا الإجراء، ويعطي لرئيس الحكومة صلاحية هيكلة الوزارات كما يشاء. المطلوب منه اقتراح أسماء الوزراء على الملك، الذي له الحق في قبولهم أو رفضهم. ثالثا: جرت تعيينات هامة وحساسة في الفترة الفاصلة بين موت حكومة عباس الفاسي وولادة حكومة بنكيران، وكان آخر هذه التعيينات هو وضع مهدي قطبي على رأس المؤسسة الوطنية للمتاحف، ومع أن الدستور سكت عن تدبير المرحلة الانتقالية الفاصلة بين حكومة وأخرى، فإن نوعا من التأويل الديمقراطي للدستور يقول إن التعيين في منصب مثل هذا من صلاحيات رئيس الحكومة، وإن الاقتراح يجب أن يأتي من الوزير المعني (وزير الثقافة في هذه الحالة). كان يكفي أن يصدر بيان يشرح حدود الاختصاصات ليفهم المواطنون ما يجري، ويطمئنون إلى أن الدستور بخير وخطوطه الحمراء كما الخضراء واضحة أمام الجميع... هذه أمثلة بسيطة عن "الإشكالات" التي ستعرفها علاقة رئيس الحكومة بالملك في ظل الدستور الجديد، الذي وضع أسسا جديدة لهذه العلاقة، يقتسم فيها الرئيس المنتخب سلطا مهمة مع الجالس على العرش، لكن الدستور لوحده غير كاف لضبط هذه العلاقة. الثقافة السياسية وترسانة الأعراف المرعية والتقاليد المغرقة في "العتاقة" هي الأخرى بحاجة إلى تجديد لتشتغل الآلة الحكومية بيسر وسلاسة. بنكيران كان واعيا منذ البداية ب"صعوبة" تدبير هذه العلاقة، ولهذا صرح أثناء الحملة الانتخابية، أكثر من مرة، بأنه ينوي إقامة علاقة مباشرة بالملك دون وسائط، لكن هذا كلام الحملة الانتخابية، أما واقع الحال فيقتضي أكثر من التصريحات.. إنه يتطلب ثقافة جديدة تحكم علاقة الأطراف جميعها.