أبرز الجبيب الدقاق، أستاذ بكلية الحوق أكدال بالرباط، أن التعديلات الواردة في باب السلطة التنفيذية ضمن مشروع دستور 2011 تجسد المبدأ الوارد في ديباجة الدستور وهو ربط المسؤولية بالمحاسبة. معتبرا أن التعديلات منحت صلاحيات واسعة للحكومة ولرئيسها تصل حد الصلاحيات الممنوحة للحكومة في التجارب الديمقراطية الغربية. وقال الدقاق في هذا الحوار الذي خص به ''التجديد'': هناك أزيد من 15 اختصاص واضح وصريح توضحت فيه الفروقات بين ما هو موكول للمجلس الحكومي وما هو من اختصاص المجلس الوزاري. مشددا على أن الحكومة أضحت مسؤولة عن السياسة العامة للدولة، وعن تدبير الشأن العام بكل ما تعنيه الكلمة. وفي سياق متصل، نبه الدقاق إلى أن تلك التعديلات الدستورية ينبغي أن تصاحب بحزمة من الإصلاحات السياسية والقانونية. ولعل من تلك الإصلاحات التي ينبغي الانكباب عليها، وفق ذات الرؤية، هناك قانون الأحزاب السياسية، ومدونة الانتخابات، وكل النصوص المتعلق ببلورة تلك المؤسسات الدستورية التي نص عليها مشروع الدستوري الحالي. المطلوب أيضا الحد من المال الحرام في الانتخابات وربط التحالفات الحكومية بالبرنامج. وإليكم نص الحوار: ما هي أهم التعديلات الدستورية التي همت جانب الحكومة في مشروع دستور 2001؟ وهل تمتيع رئي الحكومة باختصاصات واسعة يشكل تحولا في الهندسة الدستورية بالمغرب؟ أولا هناك دسترة وتكريس مفهوم السلطة التنفيذية، بحيث هذا المفهوم لم يكن موجودا في الدساتير السابقة. حينما نقول السلطة التنفيذية فالمقصود بها الحكومة بصفة عامة، والتي تتكون من الوزير الأول وباقي الوزراء. في هذا الصدد يمكن أن نناقش موضوع السلطة التنفيذية من مجموعة من الأبعاد والمسؤوليات. أولا هناك المسؤولية السياسية. وهذا يعني أن رئيس الحكومة والحكومة تعين من الجهة السياسية، أو من الحزب السياسي الذي تصدر المشهد الانتخابي في الانتخابات المتعلقة بمجلس النواب. أي أن الحكومة تنبثق من جهة سياسية، ولم يعد هناك أي تذرع بأي شيء آخر للحديث مثلا عن جيوب مقاومة التغيير. ومن هذا المنظور نقول أن التنصيب تتبعها مسؤولية سياسية من طرف الناخبين ومن طرف الأحزاب المشكلة للحكومة. من جهة أخرى فإن الوزراء يقترحهم الوزير الأول على جلالة الملك الذي بينهم. فإذن لرئيس الحكومة المسؤولية الكاملة في تحديد الفريق الذي يشتغل إلى جانبه. حينما يعين هؤلاء وبعد تقديم البرنامج الحكومي أمام المؤسسة التشريعية ومصادقة مجلس النواب، وبالتالي لإن هناك عدد من المقتضيات التي ترتبط بهذا التكليف، كأن يلتزم الوزراء بعدم الخلط بين مسؤولياتهم وممارسة بعض الأعمال التجارية...وأعتقد أن التعديلات الواردة في باب السلطة التنفيذية تجسد المبدأ الوارد في ديباجة الدستور وهو ربط المسؤولية بالمحاسبة. إضافة إلى تضمين الدستور الحالي مقولة تمارس الحكومة السلطة التنفيذية، إن الحكومة تقع تحت مسؤولية رئيسها، أي رئيس الحكومة. وتعمل على تنفيذ البرنامج الحكومي والقوانين. كما أن الإدارة تكون رهن إشارتها، وتمارس المسؤولية والوصاية على المؤسسات والمقاولات العمومية. وهذا تحول جديد لم يكن واردا في السابق. رئيس الحكومة أيضا له حق التعيين في الوظائف المدنية السامية والمؤسسات العمومية، ولكن المصادقة النهائية تكون في مجلس وزاري. إضافة إلى أن صلاحيات رئيس الحكومة ذات بعد استراتيجي تمتد إلى مسألة إمكانية اقتراح حل مجلس النواب. من جهة أخرى هناك توسيع في اختصاصات الحكومة، مما يجعل بهذه التعديلات الدستورية حصول فصل للسلط وتحديد القيود الفاصلة بين المجلس الحكومي والمجلس الوزاري الذي أصبح يختص بالقضايا الإستراتيجية. في حين أن الحكومة أضحت مسؤولة عن السياسة العامة للدولة، وعن تدبير الشأن العام بكل ماتعنيه الكلمة، وتطلب الثقة من المؤسسة التشريعية إذا ما أحست بأنها مهددة في أغلبيتها، كما أنها هي التي تعد مشاريع القوانين والمراسيم التنظيمية. بصفة عامة، هناك أزيد من 15 اختصاص واضح وصريح توضحت فيه الفروقات بين ماهو موكول للمجلس الحكومي وماهو من اختصاص المجلس الوزاري. هل يمكن القول بأن باب السلطة التنفيذية، من خلال تعزيز صلاحيات الحكومة ورئيس الحكومة وتكريس مبدأ فصل السلطة، يشكل النقطة الأبرز في التعديلات الدستورية الحالية؟ ليس من أبرز، ولكن ما حصل في هذا الباب يشكل من الإصلاحات البارزة في التعديل الدستوري الجاري. وتأخذ هذه التعديلات قوتها بأن هناك في السابق من يتذرع بكون عدم تمتيع الحكومة بصلاحيات كافية وعدم الفصل بين المجلس الحكومي وبين المجلس الوزاري، كان السبب في كثير من أعطاب الممارسة السياسية للحكومات السابقة. ولعل من أهم ما يطبع التعديلات الحالية هو تكريس مبادئ فصل السلط وكذا التوازن والتعاون بين السلط. وهنا أقول لا يمكن بعد اليوم أن نتذرع بتبرير عدم وضوح الصلاحيات. كما لا يمكن بعد اليوم لرئيس الحكومة، أو لأية جهة أن نتذرع وتحتج بمبرر محدودية الصلاحيات الموكولة للحكومة وهامشية الاختصاصات من أجل التملص من المحاسبة في تدبير الشأن العام، وكذا المحاسبة فيما يجري داخل مختلف المؤسسات والمقاولات العمومية. الآن أصبح واضحا بموجب الدستور أن مسؤولية الحكومة تشمل السياسة العامة للدولة ومسؤولة عن كل المؤسسات العمومية، وإضافة إلى المسؤولية التضامنية بين أعضاء الحكومة، فإن كل وزير يجب أن يتحمل المسؤولية الكاملة عن قطاعه. فدسترة مؤسسة الحكومة وتوسيع صلاحياتها ومجالات تدخلها يجعل مسؤوليتها تتزايد في إطار التداولات التي تجري في أشغال مجالس الحكومة. استحضار للفقه الدستوري المقارن، ومن خلال الصلاحيات الواسعة التي منحت لرئيس الحكومة وللحكومة، هل يمكن القول أن المغرب اقترب من مفاهيم صلاحيات السلطة التنفيذية الحكومية كما هو متعرف عليه عالميا؟ إن لم يكفينا فقط كلمة اقترب، قد نقول بأن المغرب أصبح مشابها لما تتمتع به الحكومة في الديمقراطيات العالمية والغربية خصوصا. ولإن اختلفت طبيعة الأنظمة السياسية في مختلف التجارب الديمقراطية، فإن التجربة المغربية المقبلة تعطي صلاحيات واختصاصات واسعة للسلطة التنفيذية، تتطلب منها أن تتحمل مسؤوليتها الدستورية كاملة. صلاحيات تجعل المغرب أمام حكومة مسؤولة بصلاحيات واسعة لإدارة السياسة العامة والشأن العام. في هذا الصدد، أريد أن أثير نقطة أخرى، وهو أن التعديلات أزالت ذلك الامتياز الذي كان يتمتع به الوزراء سابقا، والمتمثل بأن محاكمتهم كانت واردة أمام محاكم خاصة(المحكمة العليا) في حالة ارتكابهم جرائم أو مخالفات. الآن الوزير إذا ارتكب جرما أثناء ممارسة مهامه أو في قضايا أخرى، لكونه سيحاكم على قدم المساواة أمام المحاكم الوطنية كأي مواطن عادي.وبذلك تم حذف ذلك الامتياز الذي كان يتمتع به الوزراء في مواجهة العدالة. إذ أصبح لا فرق بين الوزير وأي مواطن عادي في هذا الجانب الجنائي في حالة ارتكاب الوزير جرما أو عملا مشينا. وبذلك أصبح الوضع في هذا الصدد مرتبطا بالمحاسبة والمسائلة الجنائية في إطار ممارسة الصلاحيات الدستورية. جاءت في مسألة تعيين رئيس الحكومة، وردت عبارة أن الملك يعين رئيس الحكومة من الحزب السياسي الفائز بالرتبة الأولى في انتخابات مجلس النواب. هناك نقاش بين هل ينبغي أن يحصل التعيين من الحزب الفائز أم أن التنصيص يجب أن يحصر التعيين في الأمين العام للحزب الفائز إذ هناك تخوفات من إمكانية جلب عناصر خارج الأحزاب عشية الانتخابات ويتم منحها رئاسة الوزراء مع فرز نتائج الاقتراع؟ قبل المرور إلى الجانب النظري في ملامسة هذا الموضوع في الصياغة الدستورية، أضع أما سيناريو عملي لمناقشة الموضوع. لنفترض أنه في يوم ما أن حزبا سياسيا الفائز في الانتخابات، وهو بصدد تعيين الوزير الأول بدا أن زعيم ذلك الحزب غير راغب في المنصب أو أن الحزب غير راغب في تنصيب زعيمه على رأس الحكومة فما العمل آنذاك؟ ثم إن الصيغة المقترحة في التعديلات الدستورية تشير إلى أن الشخص المعين من الحزب، لهذا فإن الأمين العام للحزب الفائز هو عضو في الحزب. وعلى ذلك فإذا رأى الحزب أن أمينه العام هو المؤهل لقيادة الحكومة فالأمر ليس فيه أي إشكال. وإذا قارب الحزب موضوع التعيين وفضل ترشيح شخص غير أمينه العام فله ذلك. وهذا يدخل ضمن مسألة توسيع باب الإمكانات خاصة أن الدستور ليس موضوع التعديل في مدد زمنية متقاربة. ثم إن الحزب الفائز- فرضا- قد لا يرى ضمن أعضائه شخصية يمنحا منصب رئاسة الحكومة، وبالتالي يمكن أن يدخل مع حزب سياسي آخر في تحالف حكومي وبالتالي يمكن أن يتم التوافق على شخص آخر من التحالف لكي يقود الحكومة. إن هذه الصياغة في نظري سليمة، وهي تمنعنا من سجن الوضع بين يدي شخص واحد، وبالتالي فالصيغة الواردة تفتح باب تنويع إمكانات التعديل. إن تعيين أمين العام للحزب السياسي الذي تبوأ المرتبة الأولى في الانتخابات المتعلقة بمجلس النواب يظل هو السيناريو الأمثل، لكن لا يجب- ونحن في وضع ناتقالي- وضع قيود أمام سيناريوهات أخرى قد نجد أنفسنا في المستقبل راغبين فيها. لكي تعطي التعديلات الدستورية الحالية ثمارها، لاسيما في ظل منح صلاحيات مقدرة للحكومة الحكومة وتبوأ رئيس الحكومة صدارة إدارة السياسة العامة ببلادنا، ماهي الإجراءات السياسية والقانونية التي ينبغي أن تصاحب ورش الإصلاح الدستوري لوضع مستقبل المغرب على السكة الصحيحة؟ البداية من الحقل السياسي والحزبي ببلادنا. إن الجهة الأولى والمباشرة التي سينتج عنها مثل هذه الأمور، وبالتالي جدوى تلك التعديلات الدستورية، هي الأحزاب السياسية. فهذه الأخيرة هي من سيدخل غمار الانتخابات، ومنها سيتشكل التحالف الحكومي، ومنها سيختار رئيس الحكومة وباقي أعضاء الحكومة. وبالتالي فمنطلق البداية هو من بينت الأحزاب السياسية، تلك التي ينبغي أن تكون أكثر تنظيما وهيكلة. وأن توفر على أطر كافية قادرة على تدبير الشأن العام، وأن تخضع في تسييرها الداخلي إلى الديمقراطية والشفافية ، أن يتم اعتماد مبدأ الكفاءة في الترشيحات النيابية والوزارية. هناك نقطة أساسية أخرى لابد أن تواكب هذا الورش، وتتمثل في أولوية الإصلاحات السياسية. إذ ينبغي وضع الترسانة القانونية والسياسية المصاحبة للإصلاحات الدستورية (تلك التي ستعكس مرآة الإصلاحات). إصلاحات من شأنها أن تفرز مؤسسات دستورية قوية على الانجاز. ومن تلك الإصلاحات التي ينبغي الانكباب عليها هناك قانون الأحزاب السياسية، ومدونة الانتخابات، وكل النصوص المتعلق ببلورة تلك المؤسسات الدستورية التي نص عليها مشروع الدستوري الحالي. المطلوب أيضا الحد من المال الحرام في الانتخابات وربط التحالفات الحكومية بالبرنامج. لذلك فالمطلوب تشجيع التحالفات أو الاتحادات الحزبية(لأنه من غير مقدور حزب سياسي واحد قيادة الحكومة بمفرده بفعل البلقنة الحزبية التي يعرفها المغرب). لأن من شأن تشكيل أقطاب حزبية، أن يتم تسهيل مأمورية فرز التحالف الحكومي، وبالتالي رئيس الحكومة المقبل. كخلاصة، أقول بأن الضرورة ملحة لتأهيل الحقل السياسي، وتكريس شفافية ذات المشهد. وإعادة النظر في كثير من أعطاب الممارسة الحزبية. من جهة أخرى المطلوب تعزيز الترسانة القانونية المصاحبة للإصلاحات الدستورية، وتشجيع التقطا بات الحزبية.كل ذلك من شأنه إفراز فريق حكومي منسجم خلال الاستحقاقات القادمة.