قال الدكتور سعيد الصديقي، المحلل السياسي والخبير في العلاقات الدولية بجامعة سيد محمد بن عبد الله بفاس، إن طبيعة النظام الجزائري تشبه نسبيا النظام اليمني الذي رغم فتحه لمجال متحكم فيه للنشاط السياسي، فإن المؤسسة العسكرية هي صاحبة الكلمة الفصل في كل شيء. وتوقع الصديقي، في حوار خص به موقع هسبريس، أن يحدث في الجزائر سيناريو يُعد له حاليا، بأن يتم تنظيم انتخابات تشريعية يُسمح فيها للإسلاميين باحتلال المرتبة الأولى دون الحصول على الأغلبية المطلقة، مع احتفاظ العسكر بولاء مؤسسة رئاسة الجمهورية. وبخصوص الجزائر، اعتبر الصديقي أن "التوتر" الأخير في العلاقات بين المغرب وموريتانيا قد ينم عن عدم رضا من طرف نواكشوط اتجاه الرباط، مبرزا أنه من مصلحة البلدين استمرار العلاقات بينهما، وتجاوز هذا التنافر الظرفي. وبخصوص السياسة الداخلية، تطرق الحوار مع د. الصديقي إلى حدث انسحاب جماعة العدل والإحسان من حركة 20 فبراير، حيث اعتبره قرارا يرمي إلى توجيه رسالة واضحة لليسار الذي اعتبر أن الجماعة تمثل مشكلا للحركة، وأيضا رغبتها في عدم إحداث قطيعة مع العدالة والتنمية وحركة التوحيد والإصلاح.. وأكد المحلل السياسي، في الحوار ذاته، على أن ما ستحققه حكومة العدالة والتنمية من إنجازات حتى وإن كانت محدودة ستُحسب لها، وسيرى فيها المواطن نجاحا للتجربة، وسيقدم صورة جديدة للعمل السياسي والحزبي للمغرب. وفي الحوار قضايا ومواضيع هامة أخرى..لنتابع: لنبدأ دكتور سعيد الصديقي بالأخبار التي تتعلق بالسياسة الداخلية في البلاد..المغاربة يترقبون حاليا التشكيلة الحكومية الجديدة، ويعلقون آمالا كبيرة عليها...برأيكم...هل تستطيع حكومة يرأسها حزب العدالة والتنمية الإسلامي، تعمل في سياق الدستور الجديد، أن تستجيب لتطلعات الشعب وتحل مشاكله الآنية؟ من الصعب الآن الحكم على حصيلة تجربة حكومية في مرحلة المخاض، لكن يمكن الحديث عن بداية مشجعة سواء فيما يتعلق بتدبير مرحلة تشكيل الحكومة وصياغة البرنامج الحكومي اللذان يتمان بمقاربة تشاركية بين الأحزاب الأربعة المشكلة للحكومة، أو بالأجواء السياسية العامة على الصعيدين الداخلي والخارجي التي ترافق بداية هذه التجربة. كما أن ما يمنحه الدستور الجديد من صلاحيات إضافية للحكومة سيعطي، إن تم تفعيل مقتضياته بشكل جيد، لمؤسسة الحكومة مركزا مهما في النسق السياسي المغربي يمكنها من تنفيذ جزء مهم من تعهداتها. إضافة إلى ذلك، فإن التجربة الجديدة جاءت بعد سلسلة طويلة من القصور في الأداء الحكومي مما أفقد الثقة لدى شريحة واسعة من المواطنين، لذلك فإن ما ستحققه حكومة العدالة والتنمية من إنجازات حتى وإن كانت محدودة ستحسب لها وسيرى فيها المواطن نجاحا للتجربة و سيقدم صورة جديدة للعمل السياسي والحزبي للمغرب. لكن عموما تبقى العبرة بالخواتم. جرى حديث طويل عن ما يسمى بحكومة الظل، وهي التي تتكون من المستشارين الذين عينهم الملك أخيرا... هل فعلا يمكن للملك أن يحيط نفسه بحكومة ظل تعمل بموازاة الحكومة التي تتشكل حاليا؟ وما مخاطر هذا التوجه برأيكم؟ إننا اليوم أمام سلطة تنفيذية برأسيين، هما المؤسسة الملكية ومؤسسة الحكومة. ولا يزال الملك يملك سلطات كبيرة جدا في إدارة الشؤون العامة، وقد لا حظنا أثناء مفاوضات تشكيل الحكومة أن الملك كان ينتقل من مدينة إلى أخرى مدشنا للعديد من المشاريع. هذه إشارة ذات دلالة كبرى على استمرار الحضور القوي للمؤسسة الملكية، ومن ورائها مختلف مستشاريه، في المشهد السياسي المغربي. بغض النظر عن المقتضيات الدستورية والقانونية التي تؤطر العمل الحكومي، فإن شخصية رئيس الحكومة وقدرته على فرض تصوراته في علاقاته مع باقي المؤسسات هي التي ستطبع التجربة القادمة. لذلك فقدرة الحكومة بكل مكوناتها على المبادرة، وملأ الهوامش الفارغة في تدبير الشأن العام، هي التي ستسمح أو تكبح بروز دور لأي حكومة ظل مفترضة. قامت جماعة العدل والإحسان قبل أيام بإعلان انسحابها من حركة 20 فبراير..كيف تفسرون مثل هذا القرار الذي بدا للكثيرين مفاجئا؟ وما هي مآلاته؟ كان واضحا منذ الأيام الأولى لظهور حركة 20 فبراير عدم انسجام مكوناتها لاسيما بين جماعة العدل والإحسان والفصائل اليسارية. لذلك يبدو أن جماعة العدل والإحسان أرادت من خلال انسحاب شبابها من حركة 20 فبراير أن تبعث من خلال موقف واحدة بعدة رسائل سياسية، الأولى أنها لا تزال وفية لمواقفها، وثانيا قدرتها على التكيف مع المتغيرات السياسية، وثالثا أنها العمود الفقري لحركة 20 فبراير وللمعارضة من خارج النظام عموما وسيبدو هذا لاحقا في عدد المشاركين في تظاهرات الحركة خلال الأسابيع القادمة إن تمت، ورابعا، توجيه رسالة واضحة لليسار الذي اعتبر أن الجماعة تمثل مشكلا للحركة، وخامسا وهو الأهم في هذا الظرف رغبتها في عدم إحداث قطيعة مع العدالة والتنمية وحركة التوحيد والإصلاح، إذ أنه من خلال تتبع نشاط جماعة العدل والإحسان في الشارع خلال العقدين الماضية سنجد أن حركة التوحيد والإصلاح الداعمة الأساسية لحزب العدالة والتنمية كانت دائما شريكة الجماعة في مختلف التظاهرات التي نزلت فيها إلى الشارع. ما دام أن العدل والإحسان كانت العمود الفقري لهذه الحركة في مختلف المدن المغربية، فيتوقع أن يخفت صوت الحركة تدريجيا، ولن تحتفظ ببعض النشاط إلا في بعض المدن الصغيرة. في ما يتعلق بالمواضيع الخارجية أستاذ الصديقي...عقد البوليساريو مؤتمره 13 قبل أيام...ما تقييمكم للنتائج التي خلص إليها مؤتمرهم؟ وهل من تداعيات لها على موضوع الصحراء المغربية؟ يبدو أن مؤتمرات البوليساريو في منطقة تيفاريتي قد دخلت في الرتابة ولم تكن محط اهتمام إعلامي مهم كما كان الشأن في المؤتمرات السابقة، كما أن المؤتمر الأخير لم يسفر عن نتائج مهمة. لاشك أن التحولات السياسية العميقة التي شدتها المنطقة المغاربية، إضافة إلى المعارضة المتصاعدة من داخل مخيمات تندوف، أثرت على الجبهة بشكل كبير جدا خلال الأشهر الأخيرة. لكن على الرغم من هذا المأزق الذي تعيشه البوليساريو في هذه المرحلة، إلا أن استمرار تبعيتها المطلقة لحكام الجزائر، يجعل من الصعب التنبؤ بتليين مواقفها. لذلك، لا يمكن أن ننتظر تأثيرا على مسار قضية الصحراء ما لم يحدث تغيير كبير في النظام الجزائري الذي جعل من قضية الصحراء عنصرا أساسيا في سياسته الخارجية. يتحدث كثيرون عن كون الجزائر ما تزال تشكل الاستثناء بين بلدان المغرب العربي في ما يخص التغيير، حيث حدث التغيير في بلدان عبر الثورة، وأخرى عبر نوع من الإصلاح مثل المغرب..هل ترى أن الجزائر فعلا قد تشكل الاستثناء؟ الاستثناء الوحيد في الجزائر هو ثقل الآلام التي خلفتها سنوات الرصاص التي أعقبت إلغاء نتائج انتخابات 1991 مما جعل الشعب الجزائري يستنكف حتى الآن عن الانتفاض ضد النظام الحاكم الذي يعيش جمودا كبيرا. طبيعة النظام الجزائري شبيهة نسبيا بالنظام اليمني الذي رغم فتحه لمجال متحكم فيه للنشاط السياسي، فإن المؤسسة العسكرية هي صاحبة الكلمة الفصل في كل شيء. لكن الربيع العربي أثبت أن مثل هذه الاستثناءات لا تصمد طويلا. هناك سيناريو آخر في الجزائر يُعد له الآن، ويبدو بشكل واضح من تصريحات بعض المسؤولين الجزائريين، ويتمثل في تنظيم انتخابات تشريعية يسمح فيها للإسلاميين باحتلال المرتبة الأولى دون الحصول على الأغلبية المطلقة، مع احتفاظ العسكر بولاء مؤسسة رئاسة الجمهورية. كيف تقرأ سياسيا صعود الإسلاميين في عدد من البلدان التي شهت ثورات شعبية؟ أعتقد أنه بالأحرى الحديث عن حصول الإسلاميين على موقعهم الطبيعي في المشهد السياسي العربي، فلو كانت هناك انتخابات نزيهة منذ سنوات، أو حتى عقودا، لاحتلوا نفس المراكز أو أكثر، ولعل تجربة جبهة الإنقاذ الجزائرية في عام 1991، وقبلها تجربة النهضة في تونس في انتخابات 1989 لأكبر دليل على هذا. لا شك أن الربيع العربي قد ساهم في ضخ أصوات جديدة لصالح الإسلاميين، بيد أن نواتهم الصلبة استمرت على حالها، ولم تتأثر مع مرور الزمن رغم القمع الذي مورس عليهم لعقود طويلة. رفض الاتحاد الأوروبي قبل أيام تمديد اتفاقية الصيد مع المغرب...هل برأيك لهذا الرفض من تأثيرات على العلاقات بين المغرب والاتحاد الأوروبي؟ هي مجرد زوبعة صيف عابرة في العلاقات المغربية الأوربية، ولا أتصور أن يكون لهذا القرار تداعيات في الأمد الطويل على العلاقات بين الطرفين لأنهما يرتبطان معا باتفاقيات إستراتيجية كثيرة ومصالح متبادلة عميقة، كما أن إسبانيا ستسعى جاهدة لإقناع باقي دول الاتحاد الأوربي لاسيما الشمالية منها لتجديد العمل بهذه الاتفاقية. يتحدث الكثيرون عن توتر خفي بين المغرب وموريتانيا...آخره كان طرد موريتانيا لمدير مكتب وكالة المغرب العربي للأنباء في نواكشوط أول أمس الخميس... بعين الخبير في العلاقات الدولية... ما هي ملامح هذا التوتر وأسبابه العميقة؟؟ ظهرت خلال المدة الأخيرة عدة مؤشرات على وجود نوع من البرودة في العلاقة بين المغرب وموريتانيا لم تصل إلى حد التوتر. ويتعلق الأمر بما سمي بأزمة تسجيل الطلبة الموريتانيين في المغرب التي يبدو أنها وجدت طريقها إلى الحل، وتأجيل زيارات رسمية بين البلدين، وظهور نوع من التقارب بين موريتانيا والجزائر مؤخرا. ليس هناك تفسير لهذا التغير في علاقات البلدين باستثناء ترشح المغرب إلى جانب موريتانيا للعضوية غير الدائمة في مجلس الأمن. قد يكون هذا السلوك الدبلوماسي الموريتاني ينم عن نوع من عدم الرضا اتجاه المغرب، لكن مصلحة موريتانيا في استمرار علاقة متينة مع المغرب، إضافة إلى حاجة المغرب الدائمة إلى الدعم الموريتاني في قضية الصحراء سيجعل الطرفين في المستقبل القريب يعيدان الدفء إلى علاقاتهما ويتجاوزان هذا التنافر الظرفي. [email protected]