بعد صعود العدالة والتنمية والنهضة والإخوان المسلمون الإسلام السياسي.. هل يصلح ما أفسدته المرجعيات المتعاقبة بالمغرب والأنظمة المستبدة بتونس ومصر؟ منذ بداية الربيع العربي، وبينما الشعوب العربية تحتفل بانتصار الحرية والكرامة على الظلم والاستبداد، لم تعد دولة عربية محررة لا تعرف صعود تيار الإسلام السياسي للحكم، هذا الدور الذي بدأ الإسلاميون ينخرطون فيه تتويج لنضال كبير استمر عقودا من الزمن، لعبوا من خلاله دورا ملحوظا في ساحة التدافع وتعرضوا للمطاردة والتشتيت والقمع والاعتقال والنفي على أيدي النظم المستبدة والفاسدة، والتي بدأت تسقط تباعا كأوراق الخريف أمام ثورات الشعوب. ولعل ما يحصل اليوم، يؤسس لمرحلة جديدة في مسار المشاركة السياسية للتيارات الإسلامية، بعد المرحلة الأولى التي أعلن فيها الإسلاميون عن إيمانهم باللعبة السياسية وانخراطهم في معركة التدافع السياسي والمجتمعي خلال تسعينات القرن الماضي، عندما احتفل العالم آنذاك بالانتصار الليبرالي- الرأسمالي على الشيوعية. وإذا كان أثر الإسلام اليوم يتجلى في ميادين الاعتقاد والسلوك وفي ميادين الأخلاق، فإن أثر الإسلام السياسي يتجه إلى بث نفس الإيجابية في نفوس الشعوب العربية المحررة. ففي الوقت الذي شهد فيه العالم العربي سقوط "فلسفة" الاستبداد، وانهيار إيديولوجيات كالاشتراكية والقومية والليبرالية وقبلها الشيوعية والنازية والفاشية بالعالم المتحضر، تعاظمت قوة ما يعرف بالإسلام السياسي بشكل جلي، هذا الأخير –الإسلام السياسي- أخذ بريقه وقوته ببروز قوى الإحياء والصحوة الإسلامية التي عرفتها مجمل الدول العربية، والتي تمخض عنها تأسيس وانتشار جمعيات الدعوة والأمر بالمعروف، واستفاد من حالة الإحباط العارم الذي يعيشه المواطن، هذا إلى جانب تبنيه خطابا معتدلا قائما على الديمقراطية، ثم تغير نظرة الغرب التي باتت لا تنظر إلى الإسلاميين كخطر يهدد العالم. هذا الموقف الذي أصبحت تعبر عنه الإدارة الأمريكية والاتحاد الأوروبي ودول أخرى، يجعل تيار الإسلام السياسي، إلى حد ما، قادرا على الانخراط في الحكم دون الإحساس العميق بالقمع والمطاردة الذي سكنهم لفترات طويلة، فالإسلاميون باتوا يشكلون تحديا سياسيا وليس تهديدا أمنيا في نظر الغرب، كما أكدت ذلك دراسة قدمها الباحث بمعهد كارنجي للسلم العالمي "ناتان براون"، حول الإسلاميين، نهاية شهر أبريل الماضي، "صعود الإسلاميين قد يكون صداع ولكنه لن يكون سرطان". إن وصول الاتجاه الإصلاحي في الحركات الإسلامية للحكم، من شأنه أن يميز بين توجهين رئيسيين في الحركات الإسلامية، التوجه الأول، هو الذي أسقط "فزاعة" الإسلاميين اليوم بدخوله إلى قصور الحكم في كل من تونس والمغرب ومصر؛ ظل لفترات طويلة يحمل موقفا نقديا من تجليات الحكم والسياسة والثقافة.. ويتخذ مواقفه وأحكامه من الميراث الإسلامي، نصا وتجربة تاريخية للإصلاح بتبني خطاب ديمقراطي يؤمن بالآخر ويتحالف معه في إطار المصلحة العامة، بل الأكثر من ذلك أنه ظل يؤمن بأن رؤى الإصلاح يمكن فرضها سلما عندما يصبح الشعب الفاعل الرئيسي في الاختيار الديمقراطي، والاتجاه الثاني، يتبنى خطابا راديكاليا ورفضا شموليا، ينزع أحيانا إلى استعمال العنف كأساس للتغيير. ومما لاشك فيه، إن تجريب الشعوب العربية للإسلاميين في الحكم يعد ورقة الخلاص الأخيرة بعد تجريب كل المشاريع التي طرحت نفسها بديلا في ظروف مختلفة، مما يجعل الإسلاميين قبل أي وقت مضى، أمام مسؤولية تاريخية لتحقيق انعتاقة حقيقية للأمة من وحل التخلف وبراثين الجهل والفوضى، فالأحزاب الليبرالية والماركسية اليوم فقدت الجماهيرية اللازمة، إن لم نقل من يحمل مشاريعها، بعد أن انطوت النخبة الاقتصادية قبل الربيع العربي تحت مظلة الأنظمة الحاكمة المستبدة مستفيدة من الامتيازات والتسهيلات، وأصبحت الطبقة العاملة، الطليعة التكتيكية للحركات الماركسية في غالبيتها إسلامية التوجه، وبعد أن تلاشت الحركات القومية بفعل الممارسات البشعة للأنظمة القومية في الحكم، وتراجعها عن تيار الوحدة العربية لصالح الدولة القطرية. إذا لابد من التأكيد، على أن وصول الحركات الإسلامية للحكم، يفيد بأن الخطاب الديمقراطي، التعددي والسلمي أخذ زمام السلطة، وبالتالي أمكن القول، أن الحارس الأمين لأهداف الوحدة والمصالح الوطنية قد بلغ مراده بعد سنوات من النضال المرير.. ننتظر مفهوم مواطنة جديد منذ اليوم.