في سابقة قضائية فريدة بمدينة مراكش، قررت النيابة العامة بمحكمة الاستئناف نصب كمين محكم لمدير الوكالة الحضرية، تم تنفيذه من طرف الفرقة الجهوية والشرطة القضائية يوم الخميس الماضي بمقاطعة النخيل. الشرارة الأولى في اليوم التاسع من شهر ماي، توصلت كل من عمالة مراكش والمجلس الجماعي برسالتين (تتوفر عليهما هسبريس)، الأولى من مدير الوكالة الحضرية إلى والي جهة مراكش أسفي، موضوعها "إخبار بطلب إيقاف أشغال بناء المشروع (مركب سكني ومركز تجاري) الكائن بشارع جون كندي، بالحي الشتوي بمقاطعة جليز، لوجود مخالفات معمارية جسيمة، ومنع المهندس المعماري المكلف بإنجاز المشروع من تتبع إدارة الأشغال". والثانية من المهندس "س. م. ل" (يوجد رهن الاعتقال) المكلف بورش بناء هذا المشروع السكني والمركز التجاري بالقرب من محكمة الاستئناف إلى رئيس المجلس الجماعي بخصوص ما أسماه "خروقات في البناء، وعدم توفره على كناش المشروع ومنعه منه من طرف المنعش العقاري صاحب الشركة العقارية". وذكرت الرسالة أن المتدخلين لا يمكنهم تسجيل ملاحظاتهم، وكذا الطوبغرافي الذي عليه معاينة الارتفاعات والتراجعات وغيرها، من أجل إعادة الترابط للمبنى، وتحويله إلى المهندس، ما سيمكن الأخير من وضع التعديلات المحتملة للتصاميم. دفاع المشتكي "ر.ح" يتدخل على إثر ذلك، بعث دفاع المشتكي إلى المهندس، عبر مفوض قضائي، بكتاب يستغرب فيه كيف يقوم من هو مكلف بكل الإجراءات الخاصة بورش البناء، من رخصة البناء إلى رخصة السكن، بمراسلة الجماعة والعمالة لإيقاف المشروع لعدم توفره على كناش الورش، كما ينص على ذلك القانون رقم 66-12-54. بعدها بفترة وجيزة، سيعقد كل من المنعش العقاري ومدير الوكالة والمهندس لقاء بمدينة مراكش، على إثره تلقى المشتكي وعدا بتصحيح الإجراءات المومأ إليها أعلاه، والالتزام بحل المشكل وتسوية الأمر، مقابل أدائه لمبلغ مالي قدره 50 مليون سنتيم نقدا، وثمانية ملايين و660 ألف درهم شيكا بدون ذكر اسم المستفيد. كل ما قام به المهندس والمدير، بحسب دفاع المشتكي الذي طلب من هسبريس عدم الكشف عن هويته، "كان من أجل الضغط على موكلي ليخضع ويسقط في الشباك، لكن الشيء الذي لم يكن يخطر ببال المعنيين بالأمر أن كل الاتصالات والاجتماعات كانت تحت المراقبة، وسجلت المكالمات الهاتفية والحوارات التي تمت خلالها"، يوضح دفاع صاحب المقاولة العقارية. الخميس الأخضر المشتكي ودفاعه لم يستسلما، وقاما بإخبار رئاسة النيابة العامة بالرباط بتعرض المقاولة العقارية لما وصفاه ب "ابتزاز من طرف مدير الوكالة الحضرية بمراكش للترخيص لمشروع الحي الشتوي"، لتصدر التعليمات للوكيل العام لدى محكمة الاستئناف للقيام بالمتعين من إجراءات وإحالة موضوعها إلى الفرقة الوطنية للشرطة القضائية لاتخاذ المناسب من خطوات لضبط المشتكى به متلبسا بالجرم المشهود. وتحسبا لكل الاحتمالات، وبما أن المعني بالأمر شخصية من العيار الثقيل ولها موقع اعتباري حساس، فقد تجندت لعملية التوقيف والاعتقال الفرقة الجهوية للشرطة القضائية بجهة مراكش أسفي، تحت إشراف مباشر من نائب الوكيل العام باستئنافية عاصمة النخيل. المداهمة ومحاولة الفرار وصول المسؤول المذكور إلى مكان اللقاء الذي حدده مع المقاول المشتكي، بعد خروجه من اجتماع رسمي بولاية مراكش أسفي، على الساعة الخامسة، والتوجه إلى المنطقة السياحية النخيل، شكل ساعة التنفيذ، ليفاجأ بفرقة أمنية تحاصر سيارته لحظة تسلمه مبلغ 50 مليون سنتيم، ما دفعه إلى محاولة الفرار والاصطدام بسيارة أمن وإصابة مفتش شرطة تابع للفرقة الوطنية. للوقوف على ما قامت به كل من العمالة والجماعة، انتقلت هسبريس إلى مقر ولاية جهة مراكشآسفي، والتقت مسؤولا كبيرا أوضح لها "قيام المصالح المعنية بما يفرضه القانون بهذا الخصوص". أما رئيس المجلس الجماعي، محمد العربي بلقايد، ونائبه، يونس بن سليمان، فقد أفادا بأن "مراقبة المخالفات في التعمير من اختصاص السلطة الإقليمية، فيما ينحصر دور البلدية في تسليم رخصة السكن والمطابقة". الإنصاف والبراءة في سابقة خطيرة وجريئة، وضع منعش عقاري شكاية ضد مؤسسة محورية في الاستثمار بقطاع العقار، ما يعني أن صاحب هذه المقاولة امتلك جرأة قل نظيرها لدى أصحاب رأس المال. وعلى هامش توقيف مدير الوكالة الحضرية بمراكش، قال محمد الغلوسي، رئيس الجمعية المغربية لحماية المال العام: "لا بد ونحن نتحدث في هذا الموضوع أن نسجل ضرورة احترام قرينة البراءة وسرية التحقيق مع المطالبة بتوفير شروط المحاكمة العادلة للمتهم". وطالب الفاعل الحقوقي، في تصريح لهسبريس، بفتح تحقيق معمق وشامل مع كل المسؤولين الذين تحوم حولهم شبهات فساد مرتبطة بمجال التعمير، لأن الفساد يشكل خطورة حقيقية على التنمية والاستثمار ومن شأن الإفلات من العقاب أن يساهم في توسع دائرة الفقر والتهميش ويساهم في انتشار الجريمة بكل أنواعها. أما عبد الاله الخضري، رئيس المركز المغربي لحقوق الإنسان، فقد سجل في تدوينة على حسابه بموقع للتواصل الاجتماعي أن قضية رشوة مدير الوكالة الحضرية بمراكش "لا تعدو أن تكون تلك الشجرة التي تخفي الغابة". وأضاف: "أنا مع كشف كل السلسلة المارقة السارقة النصابة، ولو كان التحقيق نزيها، فحتما ستصل يد العدالة إلى ... إلى ... إلى اتركوني صامتا، لأني نسيت أصلا بأن تلك اليد قصيرة"، بحسب تعبيره. يذكر أن المحققين حجزوا فاتورة صادرة عن شركة وهمية باسم زوجة المدير المذكور، وغير مسجلة بالضمان الاجتماعي، وليس لها موظفون ولا مقر لها. ويشار إلى أن هسبريس ربطت الاتصال بسائق الزوجة المعنية وطلبت منه ترتيب لقاء معها بخصوص ما وجه إليها من ملاحظات، إلا أن كل المحاولات باءت بالفشل.