في أول تقرير رسمي حول ما جرى في أحداث الحسيمة، أكد المندوب الوزاري المكلف بحقوق الإنسان أن السلطات الأمنية في تعاملها مع تظاهرات الريف "قدمت نموذجا نوعيا يرقى إلى أول ممارسة فضلى في تاريخ المغرب منذ عام 1956". وأوضح المندوب الوزاري خلال تقديمه لمضامين التقرير المعنون ب"أحداث الحسيمة وحماية حقوق الإنسان"، اليوم الخميس في الرباط، أنه على مدار ستة أشهر من اندلاع احتجاجات الحسيمة تمكنت السلطات العمومية الأمنية من "الحفاظ على رباطة الجأش وحماية الحقوق والحريات لما يربو على نصف عام من الأحداث قبل أن تنفلت وتمس النظام العام". ودعا المندوب الوزاري السلطات العمومية المختصة، مركزيا وجهويا ومحليا، إلى البحث في كافة ادعاءات المساس بحقوق الإنسان، المثارة في تقارير مبادرات الفاعلين المدنيين، متجنبا التعليق على الاتهامات التي وجهت إلى السلطات الأمنية بخصوص مزاعم اقتراف خروقات حقوق الإنسان بالمنطقة إبان فترة التوتر. ولجأ المندوب الوزاري إلى إفادات سابقة لوزير الدولة المكلف بحقوق الإنسان بخصوص "خروج الأمور عن السيطرة"، مبرزا أن "القوات العمومية لم تطلق رصاصة واحدة؛ لأنها باختصار لا تحمل الرصاص وبالتالي لا يمكنها استعماله، مهما كانت الظروف والأحوال". وشدد المصدر ذاته على أن العنف تفاقم عندما حاولت السلطات العمومية القبض على ناصر الزفزافي، بسبب "عرقلته صلاة الجمعة ليوم 26 ماي 2017؛ وهو ما مثل مسا سافرا بحرمة المسجد وتعطيل ممارسة العبادة، وهو فعل مجرم بمقتضى الفصل 221 من مجموعة القانون الجنائي كما هو معلوم". وخلص المندوب الوزاري إلى أن "الأمة المغربية احتضنت، على مستوى الدولة والمجتمع، أحداث الحسيمة، ولم تدر لها الظهر"، مشيرا إلى أن الإدارة العليا للدولة جسدت هذا الاحتضان من خلال تعاطي القصر مع المنطقة في عدة محطات؛ ضمنها "خطاب أجدير 2003"، و"الإقامة الملكية خلال زلزال فبراير 2004"، و"المصادقة على نتائج وتوصيات هيأة الإنصاف والمصالحة"، و"الإعلان عن مخطط الحسيمة منارة المتوسط وتتبع نجاعة تنفيذه"، و"توجيه خطاب العرش من قلب الحسيمة سنة 2018"، و"صدور قرارات في شأن العفو على محكومين في ملفات قضائية، على خلفية أحداث الحسيمة". وقال شوقي بنيوب إنه "لأول مرة في تاريخ الملفات القضائية، من منظور وحدة الموضوع والملف، تمتع نشطاء الحراك بعفو ملكي بنسبة بلغت 42 في المائة من أصل عدد المحكومين". وزاد أن عفو الملك محمد السادس على المعتقلين "يؤكد مرة أخرى خاصية من خاصيات إرادة الدولة في مجال حقوق الإنسان". وبخصوص العفو على الزفزافي ورفاقه، أوضح المسؤول ذاته أن المندوبية الوزارية ليس من اختصاصها التقدم بملتمس العفو أو التعقيب على هذا العفو أو تحليله، موردا أن الأمر من اختصاصات المجلس الوطني لحقوق الإنسان، والذي سبق له أن تقدم بملتمس عفو سابق في ملف قتل زعيم سياسي معروف. تقرير الريف الرسمي تجنّب التعليق على الأحكام القضائية الثقيلة التي وزرعت على نشطاء الحراك، والتي وصلت إلى 20 سنة سجنا نافذة، وقال بنيوب إنه "لا يملك إلا احترامها، وسيبقى ممتنعا عن التعقيب على قناعات قضاة الحكم، دون أن يعني ذلك عدم التفاعل مع جزء خاص منها، المتعلق بضمانات المحاكمة العادية بوصفها شأنا حقوقيا، خالصا، تؤيدها المقاربة الحقوقية عند تحقيقها، وتطالب بإعمالها عند الاقتضاء، على وجه الالتماس، لا التدخل أو التأثير على القضاء". ويرى المندوب الوزاري المكلف بحقوق الإنسان أنه على الرغم من أن أحداث الحسيمة جرت في محيط إقليمي ملتهب، فإن نشطاء الحراك رفضوا أي وصف بالانفصال عن الدولة تعبيرا منهم عن وطنيتهم؛ لكنه اعتبر أن "هذا الملف السياسي المتوتر لا يمكن أن يكون إلا موضوع استغلال من طرف جهات أجنبية"، في جوابه عن سؤال صحافي حول دخول جهات أجنبية على خط الحراك. ويلاحظ، من خلال التقرير، أنه ابتعد عن إعطاء مواقف من مجريات أحداث الحسيمة، مكتفيا برصد وتجميع مواقف جميع المتدخلين في هذا الموضوع، مع الدعوة إلى العمل على تنمية المنطقة وحفظ ذاكرتها الجماعية.