أعتقد أن حال التعليم لا يختلف عن وصف الخُراج أو خُراجَة .. والخُراج (بالفرنسية: Abcès) (بالإنجليزية: Abscess)، حيث يتجمع الصديد، القيح، داخل تجويف يطفح على ظاهر الجلد من الجسم، وينمو للخُراجَة ما يشبه رأس بلون فاتح، ويتسبب الصديد في التهاب ينتج عنه تورم وألم وارتفاع في درجة حرارة الجسم، فتفسد الأنسجة. ومن أعراض الخُراجَة الاحمرار والألم والحرارة والتورم. لهذا، ينصح دائما بالضغط على الخُراجَة للتخلص من محتواها المائع السائل، ويمتد الاحمرار حولها، فينتشر معه الألم؛ لكن ينصح بفقئها، أو فقعها، والتخلص من صديدها، ليشعر الجسم بعدها بالراحة والعافية، لهذا يقال: il faut crever l'abcès. وأعتقد أن سياق الكلام ينطلي على ما هو عليه وضع قطاع التعليم، حتى لا أقول منظومة التعليم، لأنه لا منظومة ولا يحزنون؛ فالمعاناة مزدوجة ومضاعفة، إذ تطال كل ركن في البلاد. فأضحى الكل يتحدث عن البؤس والهزال الذي آلت إليه المدرسة العمومية التي لا يمكن لأي جهة كانت تعويضها، لأن التعليم المدرسي الخصوصي لم يرق بعد إلى مستوى الدعامة والبديل والمنافس للمدرسة العمومية، لأن الحديث عن التعليم كقطاع يسترعي الاهتمام بجميع مكوناته. لكن كلما وقفنا عند هذه المكونات وجدناها قائمة من حيث الكم الذي لا فائدة ترجى منه غير الاستهلاك. فكانت السياسة المنتهجة منذ عقود هي إغراق سفينة التعليم العمومي، وهو اختيار ليس اعتباطيا أو ناتج عن سذاجة أو جهل بمجريات الأحداث والقيمة التي يطلع بها التعليم، لأن العكس هو الصحيح، فوعي الطغمة الحاكمة بالخطورة التي يمكن أي يشكلها نمو وازدهار قطاع التعليم على مصالحها، هو ما حذا بها إلى إضعاف شوكة التعليم وتحويله إلى بنايات يتخرج منها أجيال من الضباع، على قول السوسيولوجي المغربي محمد جسوس ... لا يمكن مقاربة قطاع التعليم من أي زاوية كانت، لأن المقاربة العلمية الحكيمة تتطلب التعامل مع قطاع قائم مهيكل بشكل صحيح. إن المتتبع لحال التعليم ببلادنا، منذ الاستقلال الشكلي، سوف يجد أن تبعيته لقوى الاستعمار امتدت ولا تزال على مستوى البرامج المقررة والقوانين، رغم إعادة صياغتها، وهي قوانين أراد بها الاستعمار سلب الهوية الثقافية للبلدان التي كان يحتلها، شأنه في ذلك استغلال ثرواتها الطبيعية والبشرية، لأن التعليم يعني تمكين الأجيال المتعاقبة من العلم والمعرفة والتربية، وبالتالي تخريج أفواج من المتعلمين الواعين بمصالحهم ومتطلبات بلدهم، لأنه لو قارنا بين البلدان الاستعمارية والبلدان التي خضعت لنفوذها، سوف نجد أن البلدان التي يتم وصفها بالمتخلفة تتوفر على إمكانات وثروات تجعل منها قوة اقتصادية لا تضاهى لولا الاستعمار والتبعية له والطغمة الحاكمة التي تتحكم في ثروات هذه البلدان. التعاقد.. لكن لا يمكن بأي حال من الأحوال استساغة ما يسمى "التعاقد"، لأن الأمر يتعلق بتنشئة الأجيال التي سوف تدير شأن البلاد على جميع المستويات، فلا يمكن التعاقد في قطاعي التعليم والصحة مثلا، لأن التعليم قطاع منتج ولا يمكن توقيف عجلة الإنتاج، وإلا سندخل مرحلة إنتاج الأمية والجهل، وهذا هو آيل إليه مجتمعنا، لأن الوزارة الوصية لم تعد ذات صلة بتنشئة المتعلمين، فكل أسرة تتولى تدريس أبنائها في المدارس الخصوصية وعبر ساعات الدعم الإضافية على مدار السنة الدراسية.. وحتى نكون موضوعيين، فهناك كم هائل من الأساتذة تحولوا إلى تجار وسماسرة ما يسمى "الدعم المنزلي" أو "الساعات الإضافية" التي تستنزف ميزانية الأسر، فنحن نتحدث هنا عن تحول رجل التعليم إلى وحش لا يرحم، يسعى خلف ساعات الدعم أكثر من سعيه إلى تحقيق النتائج الجيدة على مستوى تحصيل تلامذته داخل الفصل الدراسي، وهو حكم لا نعممه على كافة عناصر هيئة التدريس ممن أفنوا عمرا داخل المدرسة العمومية، وأنا واحد منهم وممن تشكل المدرسة العمومية مصر فخر لهم رغم كل الشوائب والهزال الذي ظل يتفاقم عبر تاريخها إلى زمننا الراهن. جيش من الشباب المعطل عن العمل تم توظيفه عبر ما يسمى بالتعاقد، والتعاقد من وجهة نظرنا، مسمار آخر يدق في نعش المدرسة العمومية، لأن المتعاقد لا تكوين ولا مهارات لديه للاضطلاع مهام التدريس.. لن نختلف في كون الشكل حق من حقوقه وليس امتيازا، لكن لا بد من إخضاعه لتكوين، لأن الشواهد وحدها ليست معيارا، ويمكن الرجوع إلى بحوث الطلبة، بحوث نهاية الدروس، لمعرفة المستوى المعرفي لخريجي الجامعات المغربية، إذ تتسم لتدني المستوى، أو لنقل اللامستوى، إن صح التعبير، وهنا كذلك لا بد من التأكيد على عدم تعميم هذا الحكم، فقط نحن نورد الظاهرة وليس الحالات المعزولة المنفردة، وبالتالي ففاقد الشيء لا يعطيه... يمكن الوقوف على هؤلاء المتعاقدين داخل حجرات الدرس لمعاينة الضرر الذي ألحقوه بأبنائنا، إن على مستوى المعرفة أو التواصل أو البيداغوجيا أو حتى اللغة، وقد ساهم رؤساء العديد من المؤسسات التعليمية المخول لهم وضع التنظيم التربوي، حيث قاموا بإسناد أقسام إشهادية وأقسام المسالك الدولية باللغة الفرنسية لمتعاقدين لا يضبطون حتى لغة التدريس ... نتائج الباكلوريا هي ذر الرماد فوق الأعين... كان الحديث عن سنة بيضاء بسبب إضراب المتعاقدين ثم جاء الفرج والتحق الجميع بحجرات الدرس وانطلقت الفروض وتعبئة النقط بمنظومة مسار حلت العطلة مع شهر ماي .. وكان الفرج من عند الله القوي العزيز ... لا قوة إلا بالله .. الأمر يا سادة يتعلق بأبنائنا ... ما سر هذا الإسهال في النتائج ونسبة النجاح؟؟؟ الوزارة الوصية .. ما الجدوى؟؟ أتساءل في كثير من الأحيان عن الحاجة إلى وزارة، أو حقيبة وزارية لقطاع التعليم؟ ما الجدوى من جيش المديرين المركزيين والجهويين والإقليميين الموظفين الأزليين، أعني الكاتب العام والمفتش العام ومدير المناهج وووو .. ".. وزير مشا ووزير جا والميدة بمسامرها .."، ثم الإسهالDiarrhée في خلق الأقسام والمصالح دون جدوى، حيث أضحى الكل "قايد"، وبالتالي، ما الجدوى من هذا Organigramme، الذي مر على تنزيله 3 سنوات؟؟ ناهيك عن ملايير الاعتمادات التي تخصص للأكاديميات كل سنة ويصادق عليها داخل "المجالس" الإدارية؟؟ أين "مشروع رؤية إستراتيجية 2030"؟؟ إنه الوهم ولا شيء غير العبث ... الجميل في كل هذا أن هناك تنامي وعي بحقيقة المدرسة العمومية، وأنه لم يعد هناك متسع للاستخفاف بعقول الآباء والأولياء، لأن المرء لا يمكنه السكوت على مصير أبنائه.. لا أحد أضحى يثق في المدرسة العمومية ومزاعم الأوصياء عليها، لأن الكم الهائل من الناجحين سوف تصدمهم الأبواب الموصدة.. لا أفق ولا مستقبل .. فالباكلوريا لم تعد تعني الخلاص ...STOP