يثير موضوع مشاركة حزب التقدم والاشتراكية في حكومة العدالة والتنمية العديد من المواقف المتباينة والتي تحمل بين طياتها أحيانا كثيرة مبررات شخصية وذاتية ضيقة، تنم عن حقد دفين اتجاه حزب التقدم والاشتراكية ومناضلاته ومناضليه أكثر ما تحمل دفوعات موضوعية وعلمية أو حتى سياسية مبنية على وجهات نظر موضوعية. قرار حزب التقدم والاشتراكية الانضمام إلى أغلبية حكومية يقودها حزب العدالة والتنمية لم يكن بالقرار السهل أو البسيط الذي اتخذ داخل ردهات الفيلات الفخمة، بل خضع لتشخيص دقيق وسجال حاد انتصر فيه منطق الحكمة والمقارعة، ولم يخضع أبدا لتقلب مزاجي ينطلق من لعبة الربح والخسارة أمام القواعد أولا وأمام الكراسي الوزارية ثانيا، كما جاء على لسان العديد من القادة السياسيين الذين فقدوا عذريتهم السياسية وفقدوا كل اللباقة والأناقة السياسيتين، محاولين بناء أمجادهم الواهية التي كشف الزمان عن محدوديتها وهشاشتها، ويحاولوا اليوم عبثا استغلال الشحنة العاطفية للمواطن من أجل الكسب السياسي بمعناه التجاري، لكن التاريخ لفظهم وسيلفظهم إلى غير ذي رجعة. إن ما يخلفه الفضاء العمومي الثقافي والسياسي والحقوقي والجمعوي اليوم، من ردود أفعال ايجابية اتجاه قرار حزب التقدم والاشتراكية بالمشاركة في الحكومة الجديدة، يزكي صواب موقف الحزب من المشاركة المبنية على أساس ميثاق سياسي تعاقدي، وليس على أساس إيديولوجي فكري، والذي لم يسبق لأية حكومة أن تشكلت على أساسه، بل تخضع لمنطق التحالف الحكومي وفق برنامج ورؤية متفق حولها، بغض النظر عن التموقعات الإيديولوجية والفكرية، - التي يحتفظ بها كل حزب مشارك- ولنا في ذلك حكومة الأستاذ عبد الرحمان اليوسفي التي ضمت ضمن أغلبيتها حزب التجمع الوطني للأحرار الذي نعته القادة الاتحاديين بالحزب الإداري وما إلى ذلك من الأوصاف، وبعدها أغلبية 2002 – نكسة المنهجية الديمقراطية- و2007 – حكومة ألوان للاعيشة البحرية- فما الذي جرى اليوم؟ إن التحليل الموضوعي للوضع السياسي ببلادنا بعد دستور 2011 يقودنا إلى قناعة مفادها أننا أمام أغلبية حكومية منبثقة من صناديق الاقتراع، والتي ستقود تجربة ديمقراطية هي الثالثة من نوعها في التاريخ السياسي المغربي، مكونة من أحزاب سياسية شاركت بمحض إرادتها وباستقلالية قرارها، من جهة، ومن معارضة قوية خارج المؤسسات يمثلها الحراك الشعبي المجتمعي، من جهة ثانية، مما يفيد بأن المرحلة السياسية الحالية تتنكر للمعارضة البرلمانية الذي يحاول البعض استغلالها من أجل العودة المفقودة، والتي استعملت بعض أطرافها أسلوبا ساقطا أحيانا لتبرير ما لا يمكن تبريره في حق حزب علي يعتة، بل أصيبت بالهذيان والزهايمر السياسيين، حينما تعتبر تحالف حزب التقدم والاشتراكية مع العدالة والتنمية بأنه بؤس سياسي أو هو تحالف من أجل الاستوزار والاسترزاق، بمبرر التباين المرجعي بين الحزبين، وهي التي تحصنت واستقوت، ولا تزال، بمنتخبي حزب العدالة والتنمية على صعيد عدة جماعات وبلديات، وأساسا بلدية مدينة الرباط بعدما اشتدت حدة التحرش على عمدة الرباط من قبل منتخبي الأصالة والمعاصرة. إن حزب التقدم والاشتراكية هو مدرسة سياسية فكرية وعلمية أنتجت العديد من الأطر الكفؤة التي آمنت بخدمة القضايا الوطنية الكبرى، ولم يحصل في تاريخها أو حاضرها أن تاجرت في مصير وطننا باستغلال الغضب الشعبي، والاسترزاق بدماء الشهداء، والاستثمار في آلام المحرومين، من أجل تقوية موقفها التفاوضي مع الدولة، كما فعلت وتفعل بعض الأحزاب السياسية التي تدعي تجذرها وعمقها الاجتماعي وسط الشعب المغربي.