يُعدّ القنص من أقدم الأنشطة التي مارسها الإنسان، حيث عمد إلى استخدام أدوات بدائية تقليدية، كالقوس والنشاب والغبية والشبكة وغير ذلك، ومع مرور الوقت، أصبح القنص رياضة وهواية تمارسان بوسائل متطورة، كالسلاح الناري والكلاب والصقور المدربة. ففي إقليم اشتوكة آيت باها، تبلغ المساحة الغابوية حوالي 126000 هكتار، وتشكل حوالي 35 بالمائة من مساحة الإقليم. ويعتبر شجر الأركان أهم الأصناف الغابوية المميزة للمنطقة، ويمثل حوالي 15 في المائة من مجموع غابات الأركان بالمملكة. كما تتميز التشكيلات الغابوية باشتوكة آيت باها بتعدد النظم الغابوية ومؤهلات ايكولوجية مهمة. وأثار عزم المديرية الإقليمية للمياه والغابات ومحاربة التصحر باشتوكة آيت باها إعلان كراء حق القنص ببعض جماعات الإقليم كثيرا من ردود الفعل، بعد أن دعت مجالس هذه الجماعات الترابية إلى عقد دورات من أجل إبداء رأيها في الموضوع، وهو المطلب الذي اعتمدت فيه مديرية المياه والغابات على مقتضيات الظهير الشريف رقم 1.76.350، الذي يتعلق بتنظيم مساهمة السكان في تنمية الاقتصاد الغابوي. لحسن لوسعي، رئيس الجماعة الترابية سيدي عبد الله البوشواري، قال في تصريح لهسبريس إن ما يتم الترويج له حول إدراج نقطة إبداء الرأي حول الإعلان عن طلب عروض من أجل كراء حق القنص بتراب الجماعة، "مجرد حملة هوجاء من أجل خلق البلبلة بين صفوف الساكنة، واستهداف طمأنينتهم وثقتهم". وأوضح المسؤول المنتخب أن جماعته توصلت بمراسلة، عبر السلطات الإقليمية، من المديرية الإقليمية للمياه والغابات ومحاربة التصحر باشتوكة آيت باها، "وتبعا للمادة 39 من القانون التنظيمي للجماعات الترابية، تم إدراج النقطة في جدول أعمال الدورة الاستثنائية خلال شهر يونيو، ويتعلق الأمر فقط بإبداء الرأي حول الموضوع"، مبرزا أن إدراجها تفرضه القوانين المنظمة للعمل الجماعي. أما الفاعل الجمعوي، عادل أداسكو، فقال ضمن تصريح لهسبريس إن "القنص اليوم هو نشاط يتم في أراضي الدولة والمجالات الغابوية، إلا أنه أصبح في السنوات الأخيرة يتخذ طابعا ماديا استثماريا لبعض الشركات والجمعيات والجماعات، من خلال استفادتها من كراء حق القنص، الذي تنتج عنه آثار سلبية تكون مؤثرة على المجال الغابوي وعلى الساكنة القروية". ورأى المتحدّث ذاته أن "حق كراء القنص يكون لأصحاب المال والنفوذ، ويحرم الضعفاء والبسطاء من المواطنين القرويين وغيرهم من الاستفادة من ثروتهم الغابوية والحيوانية، رغم أن المندوبية السامية للمياه والغابات ومحاربة التصحر تعترف بأن الغابة ملك للجميع ومن حق السكان الاستفادة منها، ويعدّ ذلك سياسة أخرى لنزع أراضي الساكنة بطرق احتيالية". "المعلوم أن من أهداف تنمية المجال الغابوي تكريس حق الانتفاع للساكنة القروية المحلية، من خلال جمع الحطب اليابس والأعشاب وفق ضوابط قانونية، لكننا أصبحنا نرى تسييج أجزاء من المجال الغابوي بالأسلاك ليطلقوا فيه الوحيش للتكاثر، مما يؤدي الى حرمان الساكنة القروية من حق الانتفاع المذكور، كذلك مسألة مصادقة المجالس الجماعية على كراء حق القنص هي اعتراف ضمني منها بأن الأراضي المستأجرة ملك غابوي"، يقول عادل أداسكو. واعتبر الفاعل الجمعوي ذاته أن "الهدف من كراء حق القنص هو تحكم مصلحة المياه والغابات في أراضي الساكنة التي جعلت منها المصلحة مجالا غابويا يتم استغلاله أبشع استغلال برحلات صيد عشوائية، والتلذذ بلحوم مختلف أصناف الطرائد، وقطع الطريق على الساكنة القروية بتسييج المحميات واقتحام مساكنها وأراضيها". ويتوفر إقليم اشتوكة آيت باها على مؤهلات سياحية هامة، وعلى ثروة حيوانية هائلة تجعل منه قبلة للسياح لممارسة رياضة القنص، كما يحتوي الإقليم على المنتزه الوطني لسوس ماسة، الذي يمتد على مساحة تقدر بأكثر من 33800 هكتار، ويتميز بتنوع ايكولوجي استثنائي، كما تعتبر الأنشطة المرتبطة بالقنص من الطرق المثلى لتثمين الوحيش من أجل المحافظة على التوازنات البيئية وتنميتها، عبر تشجيع كراء حق القنص وإحداث محميات. ووفقا للمعطيات المتوفرة لهسبريس، فإن المخطط العشري يدرج قطاع القنص "في إطار رؤية للتدبير المحلي للحياة البرية تتوخى الحفاظ على التوازن الشامل للنظام البيئي، بما يتماشى وإعادة توزيع وتجديد الوحيش، أخذا بعين الاعتبار مرتكزات التنمية البشرية التي تتطلب خلق فرص جديدة مدرة للدخل، تضمن تحسين الإطار السوسيو-اقتصادي للساكنة القروية المجاورة". وحسب معطيات المديرية الإقليمية للمياه والغابات ومحاربة التصحر، فإن اشتوكة آيت باها تتوفر على أربع محميات دائمة ومحميّتيْن موسميتين، على مساحة إجمالية تناهز 34650 هكتارا، كما أن دور هذين المحميتين الموسميتين، اللتين يمنع فيهما الصيد لمدة ثلاث سنوات، "يكمن في حماية الوحيش والحفاظ على التنوع البيئي". وبخصوص كراء حق القنص، فإنه "يندرج في إطار استراتيجية تنمية القنص، من خلال إشراك القناصين في تدبير وتطوير هذا النشاط، وكذا الحفاظ على استمراريته"، حيث إن "المساحة الإجمالية المكتراة باشتوكة آيت باها، بهدف القنص، تناهز 12958 هكتارا، وقد تم إبرام أربعة عقود كراء لفائدة القنص الجماعي، فيما تمت برمجة خمس قطع لكراء حق القنص بها على حوالي 11677 هكتارا". المعطيات ذاتها أوردت أن القوانين الخاصة بالقنص في المغرب تؤطرها نصوص دائمة ومراسيم سنوية، حيث "تحدد النصوص الدائمة المبادئ الكبرى لممارسة القنص، في حين إن المراسيم السنوية تحدد في كل موسم تاريخ الافتتاح والاختتام بالنسبة لكل نوع، وطرق القنص والأنواع التي يتعين قنصها ومنع القنص والحد الأعلى من العينات المرخص بقنصها في كل يوم". تتجدّد إذن مخاوف الساكنة المحلية بإقليم اشتوكة آيت باها بخصوص كراء المجال الغابوي، خصوصا مناطق الأركان، باعتباره مصدر رزق لعدد لا يستهان به من الأسر الجبلية، وقد انبرت أصوات جمعوية باتهام مجالس الجماعات بالاصطفاف إلى جانب الدولة في "مساعيها لنزع أراضي الساكنة الأصلية"، غير أن مصالح الدولة المعنية بدّدت كل تلك المخاوف، مبرزة أن كراء حق القنص من شأنه أن يدر موارد مالية متأصلة من الملك الغابوي الداخل في حدودها الترابية، مشددة على أن تدخلها في هذا الصدد يأتي "تطبيقا للقوانين المنظمة لاستغلال الملك الغابوي".