الصورة: مجموعة من مؤسسي حركة 20 فبراير في أول احتجاج منطلق من الانترنت قبل الربيع العربي بعيدا عن خطاب المزايدة... فإن انسحاب جماعة العدل والإحسان من حركة 20 فبراير تنظيميا هي خطوة كانت متوقعة ومطلوبة... كما أنها في صالح الحركة وفي صالح الجماعة.... لقد كان انسحاب جماعة العدل والإحسان من حركة 20 فبراير بمثابة عودة الجماعة إلى الأصل وتجسيدا لانسجام مع الذات، إذ أن الجماعة اختارت الوفاء لمنطلقاتها الفكرية وخطها السياسي الواضح عوض الاستمرار في حياة التناقض والتماهي مع خطابات لاتلائمها. إذ فقط تحت ضغط شركائها السياسيين داخل حركة 20 فبراير، ومسايرة لموجة الربيع العربي الثقافي والإعلامي المواكب للربيع السياسي، اضطرت جماعة العدل والإحسان أن تعلن تبنيها لخيار الدولة المدنية، في غياب دعائم فكرية تأصيلية لمفهوم الدولة المدنية لديها، وهي التي طالما ارتهنت لنظريات مفكرها الأوحد التي تركز على التمايز على مبادئ الدولة المدنية عوض التماشي معها. لأن كتابات الأستاذ عبد السلام ياسين على العموم لاتستحضر التنوع الحاصل أو المفترض في بنية المجتمع المغربي الذي يعتبر أهم عنصر في معادلة الدولة المدنية، ففي حين أن الدولة المدنية ترتكز على مفهوم الديمقراطية بتجلياتها المتنوعة والمختلفة يختار مرشد العدل والإحسان مفهوم الشورى ( الإسلامية طبعا)، وفي حين أن الدولة المدنية تتخذ موقفا محايدا من الأديان والمعتقدات على العموم، وإن كانت هناك مستويات كثيرة من الحياد تبدأ بالعلمانية المتطرفة اللائكية التي تعلي من شأن الإلحاد وتهمش دور الدين في الحياة العامة، مرورا بالعلمانية المعتدلة على النموذج الأمريكي التي لا تتدخل في الدين دعما ولاتهميشا ( نظريا على الأقل) وانتهاء بالنموذج الألماني (الذي يسمح بقيام كيانات دينية قائمة الذات داخل الدولة تحظى بنفس القدر من الرعاية)، بينما يتفرد الأستاذ ياسين بغزارة الإنتاج في جدلية الدعوة والدولة حيث يعلي من شأن رجال الدعوة ويخولهم سلطة ذات شرعية دينية على رجال الدولة في محاكاة تقريبية لنموذج الدولة الإيراني... لكن إصرار النشطاء المؤسسين لحركة 20 فبراير وتكثل اليسار الاشتراكي الموحد على تحديد المليكة البرلمانية كسقف لمطالب حركة 20 فبراير هي النقطة التي وضعت الجماعة في مفترق الطرق، تماما مثلها مثل بعض تنظيمات اليسار الجذري مثل حزب النهج، وإن كان هذا الأخير قد أفلح في تحريف الأرضية التأسيسة لحركة 20 فبراير الموقعة بتاريخ 14 فبراير 2011، والتي عرفت حذف كل إشارة إلى مطلب الملكية البرلمانية والتي لم تخل منها أي وثيقة سابقة وتعويضها بالدستور الشعبي الديمقراطي، حيث اعترف الناشط أسامة الخليفي بتواطئه في تحريفها نتيجة ضغوط مورست عليه حسبما يقول... وبينما ارتكزت تيارات اليسار الراديكالي وبعض المنظمات الثورية على الأرضية المحرفة الطارئة على حركة 20 فبراير لتبرير انقحامهم في الحركة والهيمنة على محاضنها التشاورية وتقوية حضورها في محطاتها النضالية وقراراتها الاستراتيجية، فإن نشطاء العدل والإحسان اكتفوا بالتعويم في مرحلة أولى عبر الإحالة إلى تبني خيار "مدنية الدولة"، إلى حين استعرضت للرأي العام قوتها الكمية واستعادت ثقتها الثورية، وهي ترى سقوط الأنظمة الديكتاتورية تباعا ورفض النظام المغربي لصوت الشعب استماعا، فانتقلت من دور الداعم اللامشترط إلى موقع المكون الموجه مزاحمة لخصومها من اليسار الراديكالي وسيرا على نهجهم مرتكزة على قوتها التنظيمية وحجمها العددي... فوجدت الجماعة نفسها بين فوهات مدافع المخزن من الأمام، وسهام الإعلام من الأعلى، وطعنات حراب اليسار الجذري من الجوانب، وانتقادات أصحاب الملكية البرلمانية من الوراء، وحفر بن كيران من الأسفل... فاستفاقت من حلم جميل وعادت إلى المكان الأصيل... لقد كنت منذ البداية وحتى ما قبل البداية، مقتنعا بضرورة التمييز بين حركة التنظيمات الإديولوجية وحركة الشعوب العفوية من أجل التغيير في زمن الانترنت، وانسجاما مع هذا المبدأ ناديت منذ البداية بضرورة قيام حركة 20 فبراير بذاتها واستقلالها عن جميع التيارات الإيديولوجية والكائنات السياسية، مع مد جسور التعاون وربط علاقات بين مختلف الأطراف قائمة على الوضوح والمسؤولية والتحالف المرحلي على برنامج نضالي موحد ولأهداف محددة تروم الانتقال الديمقراطي الحقيقي... وبعدها يأخذ كل طريقه عبر آليات التنافس الديمقراطي. وهذا ما كان في البداية، حيث استبشر المغاربة المتعطشون للحرية بأخبار الحراك الشبابي، ونزلوا إلى الميدان في أجواء احتفالية، بأصوات مبتهجة متعالية، فكانت موسيقى متنوعة الألحان، مطربة للآذان، هدت بروج الطغيان ولفتت عيون الغربان. ولطالما اقتنعت... حتى قبل الربيع العربي... أن التغيير قد أقبل زمانه راكبا موجة الانترنت، وأن طليعة التغيير لن يكونوا غير شباب رقى معرفته بتتبع الروابط ونمى وعيه بتصفح المواقع والتفاعل الحي مع الأحداث وفتح فكره بالتواصل الافتراضي العابر للقارات. جيل طموح متعجل يرسم طريقه بنفسه من شباب تمردا على الأنماط التقليدية من التنظيم والإديولوجيا، ثائر على القوالب الجاهزة والأنماط المتكررة، لا تضلله دعاية الإعلام الموجه، ولا تخدعه أكاذيب السياسيين والمسؤولين، جيل يمقت الكذب والخداع، ويحب النفاذ المباشر إلى جوهر الأشياء ولب الموضوع بدون لف أو تغليف. وحين تفتحت أولى زهور الربيع العربي، وفاح عبقها في الأقطار، تنادى شباب المغرب لركوب القطار، فاستجاب لذلك الصغار والكبار، فكان يوم العشرين يوما مشهودا في كل الأمصار... لكن مؤامرة كانت تحاك في جنح الظلام، حيث ارتأى بعض سماسرة النضال الركوب على الموجة، وقطف الثمرة قبل نضجها، عن طريق التحريف والتدليس، مستغلين غرارة شاب لم يقو على الصمود أمام الإغراءات ولا مقاومة الضغوط، فتم إقحام الحركة في جحر الإيديولوجية بعد أن كانت ارضيتها رحبة واسعة... وتم طلاء رموزها بالأسود بعد أن كانت مزركشة فاقعة... لقد انتبهنا حينا للخطر القادم، ودعونا إلى عمل اللازم، بإنشاء كيان يندمج فيه كل شاب مستقل على التغيير عازم ومن كل جهة قادم، يعدون للتغيير رؤية كاملة وخطة حاسمة، يقنعون بها النخبة والجماهير كاملة ويرسلون للعالم إشارات مطمئنة، ويضربون قلاع الفساد ضربة قاصمة. لكن أصواتا فضلت مصلحتها الحزبية على مصلحة الشعب، أو عجزت عن الارتقاء من مستوى المناضل الإديولوجي إلى المناضل الشعبي، أو وقعت في شباك التضليل الدوغمائي والدعاية الرخيصة، أو فقط تأخرت في فهم اللعبة... أصوات استكثرت على الحركة أن تكون لها رؤيتها المتفردة واستراتيجيتها الخاصة، لتبقى رهينة لصراع الرؤى المتباينة والاستراتيجيات المتناقضة، ما أدى إلى فرملة الحركة وصهرها في بوثقة التنازع الإديولوجي والصراع على الهيمنة، وسجنها في قفص الاستعراضات... لقد عادت جماعة العدل والإحسان مشكورة إلى أصلها وبلغت حركة 20 فبراير رشدها، وهي الآن أمام خيارين اثنين لا ثالث لهما: إما القيام بذاتها والاستقلال بأمرها عودة لأصلها، وإما الاستمرار على هذا الحال إلى نهاية المآل. العودة إلى الأصل والبداية... أو النهاية. *مؤسس الصفحة الرسمية لحركة 20 فبراير https://www.facebook.com/benjebli