يدخل الحسين إلى منزل عائلته، في دوار بالجماعة القروية الأمازيغية الجبلية أغبار، التي تعتبر آخر نقطة بإقليمالحوز على الحدود مع إقليمتارودانت، بعدما قضى يوما شاقا في حقله الصغير، فيجد أهله محيطين بزوجته الحبلى، وهي تكابد أوجاعا؛ يهرع إلى الجمع، يتمالك أنفاسه فرحا وخوفا، فيحمل شريكة حياته إلى مستشفى محمد السادس بعاصمة الإقليم، مدينة تحناوت، حيث يطلب منه الانتقال بها على وجه السرعة إلى مراكش. يتوجه الشاب القروي بزوجته إلى مستشفى بن طفيل، الذي يصل إليه ليلا، فيدخلها ويتركها هناك ليخرج للبحث عن مكان يبيت فيه، وحينما يعود صباح اليوم الموالي ليبحث عن شريكة حياته يفاجأ بأنها قضت الليل بحديقة المشفى، لأن الفحص أوضح أن "ساعتها" لم تحن بعد. حالة الحسين تنتشر مثيلاتها بإقليمالحوز، الذي دشن به الملك محمد السادس سنة 2004 مستشفى إقليميا يحمل اسمه، لكن أصواتا تعالت خلال السنوات الأخيرة تطالب بإغلاقه، لأنه لا يؤدي وظيفته، فأين يكمن الخلل؟ ولماذا يشكو سكان المنطقة من صعوبة الولوج إلى الخدمات الصحية؟ وهل يعقل أن يضم المشفى 50 سريرا دون أن يستقبل أي مريض؟ وبأي معنى يمكن الحديث عن وجود لوبي يقف أمام أدائه مهامه؟. هسبريس انتقلت إلى مدينة تحناوت، وزارت هذا المستشفى، والتقت مجموعة من المرتفقين، وفاعلين جمعويين ومنتخبين وبرلمانيين، أجمعوا على الحالة "المزرية والكارثية" للمرفق الإقليمي، الذي زاره وزير الصحة أخيرا، ووقف على آليات لا تستعمل وأطر فاق غيابها ستة أشهر، دون أن يحرك ساكنا، وفق تصريحات متطابقة. حبيبة بوخو، رئيسة جمعية تزيلالت للتنمية بجماعة أغواطيم، قالت لهسبريس: "الولادة معضلتنا بهذا الإقليم، ما جعل كل نساء المنطقة يكرهن اليوم الذي يضعن فيه ما في رحمهن؛ ما يفند الملصقات والشعارات التي ترفعها وزارة الصحة، والتي لا تعكس واقع الحال بالمستشفى الإقليمي محمد السادس بمدينة تحناوت". وتابعت بوخو بصوت حزين: "كل الحوامل يتم توجيههن إلى المركز الجامعي محمد السادس، أو مستشفى ابن زهر، بتبريرات واهية، تتمثل في حاجتهن إلى جراحة قيصرية، لكنهن يضعن بطريقة طبيعية"، واستدلت بحالات عديدة عاينتها كفاعلة جمعوية، كحالة سيدة من دوار تاخيامت، كانت تشكو من ألم برحمها، فطلب منها إجراء تحاليل تعجز عن توفير ثمنها. سعيد الغرباوي، رئيس جمعية البركة للتنمية الاجتماعية بدوار السور، يحكي لهسبريس عن حالة عاينها حين رافق سيدة حبلى لحجز موعد لإجراء تحاليل طلبتها طبيبتها، موردا: "لما أدلت ببطاقة "الرميد"، حدد لها موعد مدته 26 يوما، وحين قررت أداء ثمن الفاتورة تم تمكيننا من موعد في الحين"، مشيرا إلى أن "المستشفى يتحكم فيه لوبي يقاوم كل شيء إيجابي ويمنع كل إطار يريد أن يقوم بواجبه"، وطالب النقابات بألا تدافع عن أطر وممرضين "يخرقون القانون"، وألا "تهضم حقوق المرضى والمرتفقين"، بتعبيره. "جهاز "السكانير" خارج التغطية نهارا ويشتغل ليلا لتقديم خدمات للمقربين والأصدقاء وغيرهم ممن لهم حظوة"، يورد الغرباوي، مشيرا إلى أن "المستشفى يعاني أيضا من غياب عدة تخصصات تم التصريح بها لحظة تدشينه أمام ملك البلاد"، وإلى أن "سيارة إسعاف واحدة غير كافية"، مسجلا "معاناة كل من لسعته العقارب خلال فترة ارتفاع الحرارة من غياب العلاج، وإرساله إلى مراكش"، وزاد: "كما يشكو من يقصدون مصلحة طب الأسنان من غياب التخدير". بصوت عال طالب إدار أنجار، برلماني حزب التجمع الوطني للأحرار، في جلسة شفوية بالغرفة الأولى، بإغلاق مستشفى محمد السادس بمدينة تحناوت، معللا اقتراحه بتوفر المشفى على 50 سريرا لكنه لا يستقبل أي مريض، وزاد متسائلا: "ألا يوجد من يعاني ويحتاج إلى الاستشفاء بهذا الإقليم الشاسع؟ أم أن هذه المشفى الذي خصصت أموال طائلة لبنائه وأخرى لتجهيزه أضحى متخصصا في "تصدير" مرضاه إلى المستشفيات العامة والخاصة بمراكش؟". وقال أنجار في لقاء مع هسبريس: "وجهت إلى وزير الصحة أسئلة شفوية وكتابية دون أن أتلقى جوابا"، مشيرا إلى "محاربة الأطر التي تتوفر على كفاءة عالية وتؤمن بأداء واجبها المهني والأخلاقي بتهميشها"، ومستدلا على ذلك بزيارته إلى هذا المشفى في رمضان الأخير ليلا، حيث صدم لما وجد طبيبة وتقنيا وحراس أمن فقط، وعندما استفسر عن المداومة قيل له: يطلب منا الحضور لقضاء الليل هنا، على حد تعبيره. وللوقوف على ما قام به المجلس الجماعي لمدينة تحناوت، زارت هسبريس رئيسه أحمد أعلا، ومستشارين بالمكتب المسير، أكدوا أنهم عقدوا أخيرا لقاء مع مدير المستشفى، وعرضوا عليه معاناة المواطنين بالجماعة والجماعات المجاورة، مطالبين بتدبير حكيم للموارد البشرية، والعناية بمصلحة الولادة والمواعيد، كما عبروا عن استعدادهم تقديم المساعدة اللازمة في ضوء اختصاصهم، كما ينص على ذلك القانون التنظيمي 11314-. عبد اللطيف زغادي، مدير المركز الاستشفائي الإقليمي بتحناوت، الذي تولى مهمة الإدارة أخيرا أوضح، من جهته أنه "شرع في تنزيل الخدمة الإلزامية، التي جوبهت بمقاومة قوية تتعلل بغياب المعدات وظروف العمل لتوفير ظروف الولادة السليمة، وتقليص وفيات الأمهات والأطفال حديثي الولادة"، مشيرا إلى "توفير أطباء التخدير والإنعاش وتقني بالمختبر ووحدة لتوفير الدم". وزاد زغادي: "للتغلب على المواعيد الطويلة، في التخصصات الجراحية، عمدنا إلى الاستعانة بالحملات في هذه المجالات، كطب العيون لمحاربة داء الساد(الجلالة)، الذي يعرف ما بين 10 و12 عملية أسبوعيا، والغدة الدرقية، والحويصلة الصفراوية، بتنسيق مع جمعيات المجتمع المدني والمنظمات الدولية ومؤسسة مهرجان السينما بمراكش"، وأورد أن "مواعيد بعض التخصصات لا تتجاوز شهرا، وهي مدة طبيعية"، وفق قوله لهسبريس. "يتوفر المستشفى على تخصصات من المستوى الثالث، كطب العظام والمفاصل؛ أما جهاز "السكانير" الذي انطلق الاشتغال به شهر شتنبر 2018، تعطل بتاريخ منتصف شهر دجنبر من السنة نفسها، لأسباب تقنية تتجلى في الانقطاع المتكرر للتيار الكهربائي، وخلال هذه المدة استفاد منه حوالي 150 مريضا(ة)، وبعد تجهيزه باستقرار العاكس (onduleur stabilisateur ) أواخر شهر أبريل 2019، تستفيد منه حاليا الحالات المستعجلة، نظرا لنقص في الأطر التقنية وغياب طبيبتين متخصصتين في الأشعة لأسباب صحية"، يقول زغادي. "رغم قلة الموارد البشرية نبذل مجهودا لتسهيل الولوج إلى العلاج، كإحداث مصلحة الاستقبال والقبول"، يورد المدير نفسه، مضيفا: "نفكر في الكيفية الفعالة للتواصل مع المراكز الصحية، لتيسير مسألة المواعيد، دون تنقل المرضى من مناطق نائية إلى حاضرة الإقليم". ولتقريب الخدمات الصحية والطبية من المواطن الذي يقطن بمناطق نائية بإقليمالحوز وغيره، تقول ليماء شاكيري، المندوبة الجهوية للصحة: "عقدنا يوم الخميس 20 يونيو بمراكش اجتماعا لمناقشة عرض مشروع خدمة الطب عن بعد، الذي سيخول للمتواجدين بالأماكن النائية أن يتلقوا فحوصات اختصاصية انطلاقا من المراكز الصحية بالجماعة، دون أن يتم إرسالهم أو نقلهم إلى المستشفى الإقليمي، الجهوي أو الجامعي". وأشارت شاكيري إلى أن مشروع الطب عن بعد للجميع بالمغرب تم تقديمه بحضور ممثل الكتابة العامة لوزارة الصحة، وممثلين عن شركات، ومجموعة من الأطر الإدارية والتقنية والطبية بالجهة. وأكدت المندوبة الجهوية أن "تقنية التواصل هذه ستساعد كذلك على تقريب المواعيد"، مشيرة إلى "نجاعة هذه التجربة بمجموعة من الدول كالهند وأمريكا"، وإلى أنها "ستعود بالنفع على المواطنين"، حسب تعبيرها.