ينعته الكثيرون ب` "عراب مدونة السير على الطرق" ويعتبره البعض الآخر "مهندس تحديث قطاع النقل في المغرب"، بينما يرى فيه آخرون "الوزير الهادئ، المتزن والعنيد في آن واحد". هكذا يصف جل المتتبعين كريم غلاب، الاستقلالي الشاب الذي أدار رحى وزارة التجهيز والنقل لولايتين متتاليتين، حاول خلالهما تجسيد كل ما تلقاه من معطيات ونظريات هندسية خلال فترة تعليمه بالمدرسة الوطنية للقناطر والطرق بباريس، وتوظيف الخبرات التي راكمها خلال تدرجه في عدد من المناصب بوزارة التجهيز. لم يكن سن غلاب، البيضاوي ذي الأصول الفاسية، يتجاوز 19 سنة عندما حصل سنة 1984،على شهادة الباكالوريا تخصص العلوم الرياضية - التقنية من ثانوية ليوطي بالدار البيضاء، ليقرر بعد ذلك شد الرحال إلى "عاصمة الأنوار"، حيث لاح له في الأفق حلم الحصول على شهادة عليا في "هندسة القناطر والطرق" من إحدى أرفع مؤسسات الهندسة المدنية في فرنسا، والتي نالها بامتياز سنة 1990، تاريخ اشتغاله كمستشار لدى المجموعة الباريسية "أوروغروب كونسيلتان". والواضح أن كريم غلاب، عضو اللجنة المركزية لحزب الاستقلال النائب البرلماني عن دائرة بن مسيك بالدار البيضاء برسم الاستحقاقات التشريعية ليوم 25 نونبر المنصرم، يمثل، قبل انتخابه اليوم الإثنين، رئيسا لمجلس النواب، "الجيل الجديد" من السياسيين الشباب الذين يزاوجون بين التخصص المهني ومزاولة العمل السياسي وفق أسلوب أكثر انفتاحا وتجردا من هالة الجانب الرسمي. يجد المتتبع لمسار كريم غلاب التعليمي والمهني والحزبي، أن الرجل راكم تجربة غنية أكسبته شخصية "متوازنة ورزينة" إلى حد كبير، كما توحي بذلك تقاسيم وجهه التي تعكس هدوئه المعهود وإلمامه بمعطيات قطاع التجهيز والنقل، بعد أن خبر أدق تفاصيله خلال فترة اشتغاله كمدير إقليمي للتجهيز بكل من الحسيمة وبنسليمان بين سنتي 1994 و1996، قبل تعيينه في منصب مدير البرامج والدراسات بوزارة التجهيز ثم مديرا للطرق والسير على الطرق إلى غاية سنة 2001. وخلال فترة اشتغاله كمدير عام للمكتب الوطني للسكك الحديدية، انكب على تقويم عدد من اختلالات المكتب البنيوية، لاسيما عبر بحثه عن سبل إحداث دينامية جديدة ساعدت المؤسسة على إعادة التموقع بشكل جيد في سوق النقل المغربي. غير أن اسم كريم غلاب، اقترن كثيرا لدى المغاربة بمدونة السير على الطرق التي ما إن انتقل مشروعها إلى مجلس النواب بحثا عن المصادقة في ال` 19 من يناير 2007، حتى لاقت سيلا عارما من الانتقادات التي عبر عنها نواب المعارضة ومهنيو القطاع، موجهين أصابع الاتهام للوزير الشاب الذي أدرك صعوبة المهمة واستحالة تأديتها في معزل عن التحلي بالكياسة والصبر والثبات. وهكذا، بذل غلاب مجهودات جبارة من أجل إقناع معارضي مشروع القانون بنجاعة مقتضياته وأهميتها في الحد من آفة حوادث السير، وذلك على مدى ثلاث سنوات تكللت أخيرا بالنجاح حينما تمت المصادقة على مشروع المدونة في صيغته النهائية من طرف البرلمان بغرفتيه في 14 من يناير 2010. وخلال فترة توليه حقيبة التجهيز والنقل سهر غلاب من موقعه على تنفيذ التوجيهات الملكية ذات العلاقة بتحديث قطاع النقل وبنياته التحتية، لاسيما مشاريع توسيع شبكة الطرق السيارة، وإنجاز خط القطار فائق السرعة بين طنجة والدار البيضاء ، وبرنامج شق الطرق وفك العزلة عن العالم القروي. جاء انتخاب كريم غلاب، (متزوج وأب لطفل واحد)، في رئاسة مجلس النواب كمرشح عن تحالف الأغلبية الحكومية، ليطبع بذلك صفحة جديدة في تاريخ الغرفة التشريعية الأولى التي أضحت فئة الشباب أحد أهم مكوناتها، وذلك تفعيلا لمقتضيات الدستور الجديد الذي سطر منعطفا حاسما في تاريخ المملكة. وبانتخابه رئيسا لمجلس النواب، يكون غلاب الذي أطفأ شمعته ال` 45 يوم 14 دجنبر الجاري، أحد أصغر رؤساء المجلس المنتخبين سنا، بعد أن خبر عن كثب آليات وتفاصيل العمل التشريعي خلال توليه لحقيبة التجهيز والنقل في حكومتي ادريس جطو وعباس الفاسي، لاسيما خلال سعيه إلى إقرار مدونة السير على الطرق من طرف البرلمان بغرفتيه.