سيداتي سادتي، لا يجب خلط الأوراق والوظائف والمهمات، سواء كان ذلك لغرض سياسي أو غيره؛ فالمسؤولية قضية اختصاص أولا وقبل كل شيء، وليتحمل كل مسؤوليته. طيب. مهمة وزير الصحة ليست محاربة الرشوة أساسا لأن محاربة الرشوة مهمة وزير الداخلية خاصة ومنطقيا. وأما وزير الصحة فمهمته السهر على برامج تكوين الأطباء وكافة الأطر الطبية، وجودة الخدمات الطبية المقدمة في المستشفيات العمومية والمصحات الخاصة والعيادات الطبية... وتبقى مهمته الأسمى هي حسن اختيار المرشحين لولوج كليات الطب. والمشكل في هذا الصدد بالذات أن من يتوفر على بكالوريا بمعدل عال ليس بالضرورة مؤهلا لهذه المهنة النبيلة التي تقتضي الموهبة وروح التضحية أولا وقبل كل شيء، قبل الأخذ بعين الاعتبار نقط مواد الرياضيات والفيزياء وعلوم الطبيعة المحصل عليها في البكالوريا، سواء كان ذلك بفضل الدروس الخصوصية أو بفضل مجهودات التلميذ الخاصة. فقانون الولوج إلى كليات الطب يبقى مجحفا لأنه يعتمد أساسا على نقط البكالوريا التي لا بد أن تكون عالية جدا، ولا يهتم أبدا بالموهبة وبالرغبة الحقيقية في ممارسة مهنة الطب، مما قد يؤدي إلى تكوين أطباء، لا قدر الله، لن يستطيعوا كتابة وصفة دواء إلا بعد مراجعة "الحاج غوغل" (محرك البحث غوغل) أمام مرضاهم، وقد لن تكفيهم صفحة ولا صفحتين للوصفة الواحدة لمعالجة أعراض مرض بسيط... وزير الصحة مسؤول عن وجوب الإشارة، أمام كل عيادة متخصصة وغير متخصصة، إلى اسم البلد والكلية التي تخرج فيها الطبيب المختص وغير المختص، وكذلك مساره وتجربته. فما معنى أن يكتب أحدهم من الأطباء أمام عيادته "طبيب أسنان" فقط، أو "طبيب العيون" فقط... إلى آخره... وزير الصحة مسؤول عن حضور الطبيب في القطاع الخاص لعيادته في أول ساعات العمل، وردع كل طبيب ينتظر تراكم أو تجمع المرضى في قاعة الانتظار بدون مبرر، كما لو كانوا قطيعا من الغنم، قبل القدوم إلى عيادته لمباشرة عمله، مما يؤدي إلى مضاعفة معاناة المرضى... وزير الصحة مسؤول عن إجبار جميع العيادات الخاصة على توفير ورقة العلاجات-المتعلقة بالتغطية الصحية-للمرضى وعدم مضاعفة معاناتهم بإلزامهم على البحث عنها عبر زقاق المدينة والأحياء المتشعبة... وزير الصحة مسؤول عن ابتسامة جميع الأطر الطبية في وجوه المرضى وحسن استقبالهم، سواء تعلق الأمر بالطب الخاص أو العام... وزير الصحة مسؤول عن تبسيط المساطر الإدارية المتعلقة بالتغطية الصحية حتى لا يتضاعف مرض المرضى في السعي لجمع الوثائق عبر إدارات مبعثرة على طول وعرض الأحياء والمدن... وزير الصحة مسؤول عن ضبط الأسعار في ما يتعلق بالأدوية والفحوصات الطبية والعمليات الجراحية، والسهر على تطبيقها في المصحات الخاصة والعيادات دون لف ولا دوران... وزير الصحة مسؤول عن توعية أطباء المستشفيات والمصحات الخاصة بأهمية التواصل بجدية مع أسر المرضى وعدم إهمالهم وتركهم حيارى لا يعرفون شيئا عن مصير مرضاهم... وليس المطلوب من وزير الصحة، مثلا، إتقان فنون جلب تعاطف الناخبين عبر فرقعات صحفية، ولا القيام بخرجات سياسية لا تسمن ولا تغني من جوع، ولا تشفي مريضا، ولا تصلح أحوالا... وتحية عالية لجميع الأطباء الأكفاء الموهوبين المتفوقين الذين يرضى عنهم مرضاهم ويدعون لهم بقلوب خالصة صادقة، عن ظهر الغيب، بموفور الصحة والعافية وسعادة الدنيا والآخرة.