من المعلومات التي باتت مؤكدة في عصرنا الحديث أن حياة الإنسان صارت أطول، ومع تزايد متوسط عمر البشر في مختلف أنحاء العالم، تتزايد أيضا نسبة المسنين في المجتمعات. وجاء مع هذا التغيير في نمط الحياة تزايد مستويات الاجحاف ضد كبار السن، حيث ينظر إليهم غالبا باعتبارهم عبئا على كاهل المجتمع، ويقول الباحثون في كندا والولايات المتحدة إن هذه النظرة تسبب مشكلات كبيرة سواء على صعيد التكاليف المالية أو العمر المتوقع للانسان. فمثلا تقول دونا ويلسون وهي أستاذ في علم التمريض بجامعة ألبرتا الكندية "يعتقد أن التمييز ضد المسنين أصبح الآن أكثر الأشكال الشائعة للاجحاف، والمشكلة هي أننا حتى لا نعلم مدى شيوعه ومدى تأثيره". وبمراجعة جميع الأبحاث الأكاديمية الموجودة حاليا حول هذه القضية، تبين للبروفسور ويلسون أن ما يتراوح ما بين 48% إلى 91% من كبار السن تعرضوا للتمييز ضدهم ، كما اعترف ما نسبته 98% من الأفراد الأصغر سنا بأن لديهم أفكار تمييز ضد المسنين، أو سلوكيات سلبية تجاههم. وتوضح ويلسون أن "كثيرا من المجتمعات أصبحت حاليا تتجه إلى إنصاف الشباب والتحيز لهم ، نظرا لتزايد أعدادهم، بينما لا تحترم كبار السن أو تهتم بهم، كما أن الأطفال أصبحوا يرون بأعينهم أن كبار السن لا يلقون الاحترام من المجتمع، ويتربى هؤلاء الأطفال على اعتقاد بأن المسنين لا جدوى لهم إلى أن يمتد بهم العمر ليصلوا إلى سن 60 أو 65 عاما، واعتدنا على ألا نتوقع أن يعيش المسنون في صحة جيدة ونحن لا نشجعهم على ذلك، ويعتقد كل من يبلغ 65 عاما من العمر أنه بدأ في العد التنازلي لحياته". وترى ويلسون خبيرة التمريض أنه لا يجب التقليل من أهمية التأثير النفسي لمثل هذا التحيز. وتتساءل ويلسون قائلة "إذا اعتقد المسنون بأنهم لا نفع منهم وبأنهم مثيرون للضجر، فما مدى سلبية هذا الإحساس بالنسبة لهم ولأسرهم ؟. وتقول إن الإجابة هي أنهم سيمتنعون عن ممارسة الرياضة، وألا يقوموا بأعمال تطوعية، وألا يواصلوا العمل في حالة رغبتهم في ذلك، لأنهم يشعرون بهذا التمييز ضدهم، كما أنهم لن يخرجوا من بيوتهم للبحث عن شريك جديد لحياتهم في حالة وفاة زوجاتهم أو أزواجهن، لأنهم يعتقدون أن الدور سيحل عليهم في مفارقة الحياة، وثمة تأثير مجتمعي وشخصي بالنسبة لشيوع التمييز ضد المسنين ". وتشير البروفسور ويلسون إلى أن هناك مفاهيم شائعة كثيرة مغلوطة تؤدي إلى هذه السلوكيات السلبية. وتقول إنه "من بين هذه المفاهيم الاعتقاد بأن أسرة الحالات الحرجة بالمستشفيات يحتلها كبار السن، غير أننا نجد في الحقيقة أن ما نسبته 20% من المرضى بالمستشفيات تبلغ أعمارهم 65 عاما أو تزيد، وباقي المرضى أصغر سنا"، وتضيف إن معظم المسنين في كندا يعيشون في منازلهم أو في أماكن للرعاية الاجتماعية مخصصة لهم وليس دور مسنين . وتعرب ويلسون عن اعتقادها بأنه ليس من المنصف أيضا الاعتقاد بأن الأشخاص الذين تجازوا 65 عاما من العمر غير منتجين، حيث أن الاحصائيات تشير إلى أن ما نسبته شخص واحد من كل خمسة أشخاص في هذا العمر لا يزال يعمل، وإلى أن أكثر من ثلث كبار السن يمارس عملا تطوعيا بطريقة أو بأخرى. وتوضح قائلة أن "أولئك الأشخاص الذين يتميزون بالنشاط ويزاولون العمل يتمتعون بالصحة، وهم يدفعون الضرائب ويشرعون في إقامة مشروعات خاصة بهم، كما يعتنون ويرعون أحفادهم الصغار، ويقومون بكثير من الجهد لاستمرار أنشطة المجتمع، ومع ذلك لا نوليهم التقدير وبالتالي سنكون جميعا خاسرين". وأصبح تزايد معدلات العمر من حقائق الحياة التي تعني أنه يتعين على المجتمعات في جميع أنحاء العالم أن تتكيف معها، وتقدر منظمة الصحة العالمية أن عدد سكان العالم الذين ستتجاوز أعمارهم الستين سيصبح ملياري نسمة بحلول عام 2050، ويعيش ما نسبته 80% من هذه الشريحة السكانية في دول منخفضة أو متوسطة الدخل. وتشير إحصائيات منظمة الصحة العالمية إلى أن النظرة الإيجابية للشيخوخة يمكن أن تزيد من معدل العمر بنحو 7.5 سنوات. كما تشير الدراسات الحديثة التي أجرتها مدرسة ييل للصحة العامة بالولايات المتحدة، إلى أن الاجحاف بحق المسنين يكلف الاقتصاد الأمريكي 63 مليار دولار سنويا. وتقول البرفيسور بيكا ليفي الأستاذة بمدرسة ييل إن المعاملة غير المنصفة لكبار السن تسبب الضغوط النفسية، والتي تؤثر بشكل سلبي على الصحة العامة، مثل بقاء المسن لفترات أطول داخل المستشفى. وتضيف "إن الأبحاث التي أجريناها تؤكد أهمية الجهود الرامية إلى التقليل من وباء الاجحاف بحق المسنين، والذي يؤدي ليس فقط إلى تكلفة مالية على المجتمع ولكن أيضا ينتج عنه تكلفة إنسانية بالنسبة لصحة وسعادة كبار السن". وإذا انتقلنا إلى جامعة ألبرتا الكندية نجد أن البروفسور ويلسون تعرب عن اعتقادها بأنه ينبغي أن تكون هناك صحوة مجتمعية بشأن هذه القضية، وهي تريد أن تقوم الحكومة الكندية بسن تشريع مناهض للاجحاف بحق المسنين، مثلما فعلت بريطانيا منذ عدة أعوام. وتصف هذه المشكلة بأنها "خطيرة ويتم تجاهلها، وتقول "إننا لا يمكننا أن نترك زهاء ربع تعداد سكاننا يتعرض للضرر، كما لا يمكننا أن نخسر جميع المنافع الهائلة التي يمكن أن يجلبها كبار السن لمجتمعنا". *د ب أ