مع كل فصل صيف تعيش ساكنة المناطق الجبلية بعموم سوس حالة من الخوف نتيجة ما يرافق ارتفاع درجات الحرارة بهذه المرتفعات من ظهور أفاعٍ وعقارب وحشرات أخرى، القاسم المشترك بينها أنها لا تتيح فرصة للعيش لمن آذته، لاسيما عندما يتعلّق الأمر بفئة صغار السِّن، استنادا إلى وقائع شهدتها مناطق عدة بتارودانتوأكادير إدواتنان وتزنيت واشتوكة آيت باها وغيرها. معاناة القاطنين بهذه الربوع مع مشكل ضعف الخدمات الصحية، الذي يطفو على السطح مع بروز حالات تعرض مواطنين للسعات العقارب والحشرات السامة ولدغات الثعابين، تنضاف إلى جزء من واقع التهميش الذي يُخيم على تلك المناطق، التي لا يزال كثير منها يرزح تحت وطأة العزلة القاهرة، غير أنه عندما يتعلق الأمر بالحق في الحياة، فإن قطاع الصحة ينال قسطا وافرا من الانتقادات أمام ما تشهده عدد من المؤسسات والمراكز الصحية من غياب أبسط مُمكنات إنقاذ روح بشرية تتعرض للدغات أفعى أو عقرب. في الأسبوع الماضي توفي طفل في السادسة من العمر بالمنطقة الجبلية لآيت باها، بعد ما نال سُمّ أفعى منه، وقد حاول والداه تجنيبه قدره المحتوم، بعد نقله إلى مؤسسات استشفائية غابت فيها الأمصال المضادة للسموم، وفضاء يستقبل مثل هذه الحالات الحرجة، كقسم المستعجلات، مما جعل رحلة البحث عن العلاج تطول مسافتها، وتنتهي بتلك المأساة، حيث لم تعُد هناك أي فرصة لنجاة الضحية، وهو ما خلق موجة سخط عارمة على مسؤولي الصحة بسوس. في تصريح لهسبريس، قال لحسن بولملف، رئيس جماعة آيت واد ريم، إحدى الجماعات بدائرة آيت باها، إن "الواقع الصحي بمنطقة أدرار كان ولا يزال يدعو إلى القلق، سمته البارزة الاستهتار بالأرواح البشرية، في غياب الأطر الطبية والتمريضية الكافية، إلى جانب التجهيزات اللازمة للتدخل الآني في علاج المرضى والحالات الحرجة، لا سيما عندما يتعلق الأمر بلدغات الأفاعي ولسعات العقارب". واعتبر المسؤول الجماعي أن "عددا من المراكز الصحية وما يسمى مستشفى القرب وحتى المستشفى الإقليمي لم تعد إلا محطات لتعبئة أوراق الإرسال أو التوجيه صوب المؤسسات الاستشفائية الجهوية، فيما يبقى المريض يصارع الألم والموت، خلال كل هذه المراحل، من مركز صحي محلي إلى مستشفى للقرب إلى مستشفى إقليمي، لينتهي به المطاف بمستشفى جهوي، مما يطرح عددا من التساؤلات حول الجدوى من بعض تلك المؤسسات ما دامت لا تتوفر على إمكانيات لإنقاذ الأرواح البشرية". من جهته، قال الفاعل الجمعوي عادل أداسكو إن "ما يقع حاليا في منطقة سوس بالأطلس الصغير يبعث على الاستنكار والألم، حيث يروح عشرات المواطنين كل سنة ضحية سياسة صحية فاشلة، تتحمل مسؤوليتها وزارة الصحة، بسبب عدم التدخل في الوقت المناسب لإنقاذ المرضي والجرحي، وكذلك النساء الحوامل، وضحايا لسعات الأفاعي ولدغات الثعابين". "هناك العديد من الحالات كانت تستدعي التدخل السريع فقط، لكنها كانت نهايتها مأساوية، إما بسبب تهاون الأطباء في إنقاذ المواطنين، أو بسبب انعدام مختصين في العمليات الجراحية، أو بسبب افتقار المستشفيات إلى الأدوية مثل المصل المضاد لسم الثعابين والعقارب، مما أدي في العديد من الحالات إلى وفاة المصابين، وهم في الطريق إلى المستشفيات المركزية البعيدة عن دواوير تارودانتوأكادير وتزنيت وآيت باها، وهذا ما يثير استياء عامة سكان سوس"، يضيف أداسكو. الفاعل الجمعوي ذاته قال: "كما نعلم أن غياب الإسعافات الأولية يؤدي إلى تراجع العديد من العائلات عن السفر في اتجاه المناطق الجبلية لقضاء العطلة، التي أصبحت بمثابة مقبرة للأحياء، والغريب أن المسؤولين عن الصحة مازالوا يلتزمون الصمت أمام هذا الواقع، في الوقت الذي كنا ننتظر فيه القيام بتعبئة في الأوساط الصحية لإنقاذ أرواح المواطنين". وأضاف أن "ما تعرفه مناطقنا الجنوبية كارثة بسبب تردي الوضع الصحي وتزايد خطر الأفاعي والعقارب التي تودي بحياة الساكنة". وعن إمكانية وجود آمال في إنقاذ ضحايا العقارب والأفاعي، أوضح أداسكو أن "من الممكن علاج هذه الحالات بسهولة لو توفر المصل المضاد لسم هذه الزواحف، كما أنه من الممكن إنقاذ العديد من المرضي والجرحي لو توفرت سياسة صحية حقيقية مبنية علي المواطنة والمسؤولية في الميدان الصحي". وأضاف أن "مآسي ساكنة الأطلس الصغير مع المراكز الصحية مستفحلة، وتزداد استفحالا، حيث يعاني المواطن البسيط من التماطل والإهمال وانعدام العلاجات الأولية والضرورية، مما يعرض حياته للموت". واقع قاتم، هو الوصف الذي أجمع فاعلون جمعويون وحقوقيون على إلصاقه بواقع الخدمات الصحية في وقفة احتجاجية أمام دائرة آيت باها، الأحد، على إثر وفاة طفل من المنطقة بلدغة أفعى. وفي هذا الصدد، طالب عادل أداسكو "بتوفير كل لوازم العلاج لأبناء هذه المنطقة وكل المناطق القروية المهمشة، احتراما لحياة المواطنين ولحقهم في التطبيب والعلاج، وإنقاذا لحياة الأطفال الأبرياء". كما دعا "تنظيمات المجتمع المدني الديموقراطي إلى التنسيق والتكتل من أجل الدفاع عن مطالبها والنضال لتحقيقها، والوقوف إلى جانب ساكنة المناطق التي أعلنت سخطها على الأوضاع الصحية المزرية التي تعيشها، والتي نددت في وقفاتها الناجحة باستمرار الحكومة المغربية في سياستها التهميشية الإقصائية". سياسة تتجلى، استنادا إلى تصريح الفاعل الجمعوي ذاته، في "هشاشة جل البنيات التحتية وتردي مستوى الخدمات الأساسية المقدمة للمواطنين، والنقص الحاد في المرافق العمومية، والحالة المزرية للمراكز الصحية وباقي المستوصفات، حيث الخصاص الكبير في الموارد البشرية والتجهيزات الطبية اللوجيستيكية، وانعدام أخصائيين للأمراض المزمنة الأكثر انتشارا، وتدني مستوى الخدمات العلاجية المقدمة للمواطنين، مما يشكل استهتارا بالحق في الصحة، وبؤرة قاتمة تهدد الاستقرار والأمن الصحي والاجتماعي بمنطقة الأطلس الصغير".