أزكى التحيات وأطيب السلام أيتها الأستاذة القديرة، والفنانة الموهوبة. لقد قرأت ما نشرته جريدة هسبريس العتيدة في حوار معك، كما استمتعت، وأنا أنصت باهتمام بالغ لحوارك في برنامج ثقافة بلا حدود وردودك على أسئلة شائكة تسيجّ الوضع الفنّي. لا أخفيك أنني أُعْجبتُ برأي الأستاذ: مصطفى عائشة في ما آل إليه الوضع الفني والموسيقي؛ وهذا رأي كل إنسان له حسّ رقيق، وذائقة فنّية راقية، وأذن شبّت على اللحن الرفيع والكلم الطيّب، حتى لو لم يكن فنانا. يؤسفني أن تتعوّد الجماهير على الإيقاعات الصاخبة، حتّى ولو أنه كما قلتِ، إن ذلك له صُنّاعه وهواته، حيث أنّه أصبح عندنا خليط غير منسجم من الأصوات المتنافرة. لم يعد المتلقي يهتم بالكلمات وما تهدف إليه، وبما ترسمه من صور. لم يتعوّد على الإصغاء بروحه، بل بجسده؛ فما أن يشرع الفنان في الغناء أثناء حفل ما، حتّى ينخرط الجمهور في دبكات عشوائية، كأنّه مسكون. لقد استوقفتني نظرتك الشاملة والعميقة لما يتخبّط فيه الفن ومحترفوه، ومعاناة الفنانين في دول العالم الثالث. هنا، وضعت المبضع على الجرح الثخين؛ أجل، فلا يمكن لأيّ فنّان، وحتى أيّ إنسان أن يساهم في أعمال خيرية واجتماعية، وهو بالكاد يستطيع تلبية حاجياته. شكري العميم وامتناني الجميل لذكرك اسمي، والتنويه بالنصّ، ولكن لديّ ملاحظة: سيدتي الفاضلة، نحن المغاربة، بحكم موقعنا الجغرافي، نحفظ عدّة أغان بكل اللغات دون أن نفهم مضمونها. ولا أبالغ إن قلت لك إنني حفظت قطعة: يا جارة الوادي، وأنا في الطور الابتدائي ولم أكن أعرف معاني بعض الكلمات مثل: و(تأوّدتْ) (أَعْطافُ) (بانِكِ)*** واحْمَرَّ منْ (خَفَرَيْهِما) خدّاكِ *** وَدَخَلْتُ في لَيْلَيْنِ( فَرْعِكِ) وال( الدُّجى) *** و( لثَمْتُ) كالصُّبْحِ لمُنَوّرِ ( فاكِ)، وغيرها.. إنّ اللحن هو المسوّغ والمسوق للنصّ، وما يحزّ في النفس أن هناك ألحانا جميلة وأخّاذة، تثير المشاعر، لكنها تسوّق لكلمات ساقطة، تشمئزّ منها الأذن، وتتقزّز منها الروح. عزيزتي سلوى، نحن في فترة أخرى من فترات الانحطاط التي لا نكاد نشعر أننا تجاوزناها وتقدّمنا خطوة إلى الأمام، حتّى نكبو مرّة أخر. زمن انحطّت فيه الأذواق فالأخلاق. أليس بالأذواق، الحَسنة وغيرها، تُبنى الأخلاق؟ قد يبدو لك أحيانا أنّك دونكيشوت، تصارعين طواحين الوهم؛ أبدا، سيُكتب أنك من بين روّاد نهضة الفنّ الراقي والهادف، والطرب العربي الأصيل في هذا الزمن الذي كاد أن يفقد بوصلة أحاسيسه ومشاعره كإنسان بالمعني الإنساني.؛ وذلك بالمثابرة، وقوة الإيمان والعزيمة، والتضحية، طبعا. سيمّل الجمهور يوما ما، من لَوْكِ العبارات التي تخاطب الجسد، ومن تَشابُهِ الإيقاعات الملوثة للسمع، ويعود للإصغاء إلى روحه. سيحدو حدوك آخرون، وهذه سيرورة التاريخ، والمنعطفات الحادّة في الحياة. فكوني حاضرة بقوّة في المهرجانات، ومستعدّة للدفاع عن رأيك بما راكمت من تجربتك الطويلة والمتفرّدة. أنبل مشاعر التقدير لمهمتك النبيلة والجسيمة.