سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.
الناقد الموسيقي حسن حليم: طغيان الأغاني الهجينة جعلنا نعيش زمن الهدر الموسيقي هناك لا توازن يزلزل الأغنية المغربية ويعطي الأولوية للرداءة على حساب الجودة
حسن حليم ابن الحي المحمدي، تحسس تربة كريان سنطرال ومتح من مائه.عشق الموسيقى وسلبته مقاماتها واستهوته إيقاعاتها، فتأسست لديه سمفونية تولدت بين دروب سوسيكا، التقدم، درب مولاي الشريف، درب السعد، كريان الرحبة، كما ارتوى من ينبوع دار الشباب الحي المحمدي،القريب من منزل العائلة. تتلمذ على يد العديد من الفنانين،عاشر وهو صغير رواد الأغنية الغيوانية ولمشاهب، حيث التصق بهم وتأثر بنبراتهم الموسيقية، التي عانقها إلى حد الشراهة. وزادت لوعته بالموسيقى بعد ولوجه المعهد الموسيقي، حيث عرف خبايا الأمور واستغلها لدخول عالم الأغنية الملتزمة الذي أبحر فيه، فجاب العديد من الجامعات والكليات، لمعانقة الطلبة وهمومهم، فغنى لمعاناتهم وانتقد التطرف الديني والخوصصة. وأماط اللثام عن كارثة «الحراكة» والمعطلين. تغنى بفلسطين ولحن لمحمود درويش. ساهم في إحياء العديد من التظاهرات، وكانت أغنية «بغداد» للشاعر جلال كندالي يقول حسن حليم الأبرز من الناحية الفنية. والتي بثها التلفزيون العراقي خلال فترة التسعينيات،عندما كان صدام حسين على هرم السلطة. بعد هذا المسار الفني، استأثره العمل الجمعوي، حيث انخرط داخل جمعية الشعلة للتربية والثقافة التي أعطته دفعة قوية لتطوير المجال التربوي والفني. وكانت جمعية نبرات للموسيقى التي تأسست بمدينة سطات الدافع القوي لتأسيس مجموعة «شمس الأصيل» للطرب العربي الأصيل، التي انخرط فيها أزيد من 50 شابة وشاب، أحيت العديد من السهرات الفنية والبرامج التلفزية. ترأس مهرجان نبرات لاكتشاف الأصوات في صنف الطرب العربي الأصيل. تخرج منه العديد من الفنانات والفنانين. يعمل الآن بجريدة الأحداث المغربية، تخصص في النقد الموسيقي، من خلال السلسلة «أغنية تحت المجهر». ولأنه المتخصص في الميدان أجرينا معه الحوار الأتي: p ما لهدف من هذه السلسلة؟ n هي محاولة للتوقف لحظة والإنصات بإمعان لأنين الأغنية المغربية المصابة هذه الأيام بحمى، نتمنى أن تكون عارضة، شوهت جسمها، وجب عرضها على أطباء أخصائيين وإدخالها إلى غرفة العمليات لإستئصال الورم الذي نخر قواها. وهي كذلك إصرار على وضع بعض الأغاني المثيرة للجدل تحت المجهر ورؤيتها بشكل واضح وجلي ومعرفة تفاصيل جزئياتها، وإخضاعها للتشريح، ومن تم التأكد من مدى احترامها لمعايير الإحساس الصادق و قدرتها على النهل من التراث المغربي الأصيل واختيار الكلمة الهادفة واللحن المفعم بالجمل الموسيقية الصحيحة. مجملا هي محاولة نقدية، الغرض منها النهوض بمنتوجنا الموسيقي والرقي به إلى مستواه العالي، وإعادة الإعتبار للفن الراقي المبني على أسس متينة، وتصليب عوده في إطار مقاربة تشاركية مع جميع المكونات الفنية ، بعيدا عن لغة الخشب. الهدف الأخر ليس هو وضع قبعة المراقب الذي يبحث عن الأخطاء. وتجنب جعل من عملية النقد هاته عملية ذات صفة شخصية. المهمة تنحصر أساسا في تحليل الظاهرة الموسيقية واستشعار الصفات الإبداعية في الأعمال الفنية، وكشف النقاب عنها، والإشادة بالأغاني المتفوقة. p ما سر اهتمامك بالأغنية المغربية؟ n هي الغيرة على الفن الراقي المبني على الإحساس المرهف، سواء كان تشكيلا، تمثيلا، سينما وغناء. الكل يصب في نهر الإبداع. فلا يمكن أن نقبل بالرداءة، سواء كنا جمهورا أو مختصين .الفنان الذي يقدم مثل هذه الأغاني لا يحترم أذواقنا، بل يستبلدنا. الفن له مقاييسه ومقوماته وقوانينه. ومن تجاوزها فهو بحكم الجاني، لابد أن يحاسب. من هنا جاءت اهتمامي بالأغنية المغربية. إن شئت فنحن نلعب دور المراقب. نعاين المنتوج الفني،ونعطي رأينا فيه. p ما تقييمك لما تعرفه الساحة الفنية المغربية من أغاني حامت حولها عدة تساؤلات؟ n ما نعيشه ونسمعه هذه من أغاني ألصق عليها قسرا الطابع المغربي، يدخل في إطار العبث واللامبالاة والاستهزاء بالأذواق . كلمات جوفاء دونية، لحظية، لاتخاطب الروح والفؤاد، مجردة من كل إحساس وشعور. من المؤسف أن نسميها شعرا أو زجلا. تختار بدون مقاس، تساهم بشكل كبير في خلخلة وزعزعة المسامع وألحان مفبركة غريبة ومقتبسة من الخليجي، التركي، الهندي والغربي، منمقة لكي تهتز لها الأبدان فقط،من خلال الإيقاعات المحببة لدى المستمعين الموجودين داخل المراقص أو خلال البرامج التلفزية. إنه لا توازن الذي يزلزل الساحة الفنية المغربية ويعطي الأولوية والأسبقية للرداءة على حساب الجودة التي افتقدناها منذ زمان. عمر الأغنية اليوم أصبح قصيرا،لا يتعدى سنة أ وسنتين على الأكثر رغم مساعدة وسائل إعلامية مختصة واحترافية، تقوم بمهمة التسويق لمثل هذا النوع من الفن والترويج له على نطاق واسع، إن على القنوات التلفزية أو شبكات التواصل الاجتماعي، يوتوب أو غيرها من الآليات التواصلية الحديثة. إنها عملية تهريب هذا النوع من الأغاني للاستهلاك من طرف الجمهور، بعيدا عن القنوات التقليدية المعروفة،التي كان لها طابع المراقبة،كلجنة الكلمات واللحن، التي كانت تضم بين أعضائها أسماء وازنة، لها دراية بالميدان الموسيقي والشعري. تقوم بدور الجمركي لغربة وتنقية هوية الأغنية، حتى تخرج من عنق الزجاجة وتكون جاهزة للاستهلاك. اليوم أصبحت هذه الأغاني تنمو كالفطر، بلاحسيب ولا رقيب، في أرضية هشة ذات تربة غريبة، اصطناعية،وضعت فيها العديد من الأملاح والمساحيق، لتنبت منتوجا فنيا هجينا ،تلاقحت فيها كل أنواع الموسيقى الموجودة في العالم،من دون تناغم. وأنت تستمع إلى كل هذه الأغاني، تخرج بفكرة واحدة، مفادها أن لها كاتب كلمات وملحن وموزع واحد، نظرا لتشابه مقاماتها وإيقاعاتها المقتبسة من أنماط موسيقية دخيلة وغريبة. p ما الفرق بين الأمس واليوم؟ n خلال السنوات التي كانت فيها الأغنية المغربية متجانسة ومتناغمة مع محيطها الاقتصادي،الاجتماعي والسياسي، فترة بداية السبعينات والى حدود التسعينات. وكانت تعبر وتستجيب لمطالب وحاجات المواطنين، ظلت لصيقة بما يجري وما يدور بداخل المجتمع. تتحرك وتتفاعل مع هواجسه وآلامه وأفراحه وتجيب عن كل الأسئلة التي كانت مطروحة آنذاك كالعيش والسكن اللائقين والحرية والديموقراطية والحب الصادق والخيانة والفقر والحنان والأمومة والطفولة وغيرها من المواضيع الأنية. ولإنجاح وتسليط الضوء على هذه المضامين، تجند جيل وازن من رواد الكلمة المعبرة واللحن الصادق والعزف المميز واجتهدوا لإخراج منتوج فني لائق، رغم غياب مؤسسات الإنتاج التي لم تكن تتوفرعلى إمكانيات كافية لتسويقه وانتشاره على نطاق واسع، حيث ظل حبيس قناة وحيدة وإذاعات محسوبة على رؤوس الأصابع، لكنها كانت تفي بالغرض المطلوب وتصل إلى قلوب الجمهور العاشق الولهان والمتعطش والمتذوق. رغم كل هذا، كان لهذه الأغاني خلال تلك الحقبة الأثر القوي في تربية وتهذيب ذوق جيل بكامله،استطاع أن يتفاعل معها إلى حد الجنون ويحمل المشعل ويساهم في استمرار ذلك المنتوج لعشرات السنين بعد ذلك. سر نجاح وتميز هذه الأغاني سببه الرئيس يعود بالأساس إلى علو كعب وتخصص فنانين مرموقين، كانوا يتميزون بذكاء خارق، استوعبناه متأخرين. كانت الكلمة صادقة وموزونة. لها جذور وتختار على المقاس، من خلال إطار سياق فلسفي، اجتماعي، ثقافي وسياسي محدد ومعروف، تدخل إلى غرفة الانتظار إلى حين إيجاد الملحن والمغني وحتى الجوق الموسيقي المناسبين، لتبدأ فيما بعد في شق طريقها ابتداء من رأي الشلة والأصدقاء والعائلة القريبين من الشاعر، حتى تكون جاهزة ومؤهلة لأن توضع على مكتب لجنة الكلمات، وما أدراك ما لجنة الكلمات التي تتكفل بإخضاعها لعملتي التشريح والتمحيص، ومن تم يعطى لأصحابها الضوء الأخضر، قبل المصادقة على اللحن الذي يمر هو الأخر عبر قنوات جد ضيقة لتحظى في الأخير، بعد أخذ ورد أو إجماع، لتكون صالحة للتسجيل والتوزيع والتذييع. بطبيعة الحال كان لهذا المسار الصعب سياقات موضوعية وضرورية قبل وصول المنتوج الغنائي إلى مرحلة الإستهلاك، حيث ترصد للأغنية الجديدة برامج تلفزية وإذاعية وجلسات يؤثثها مبدعون، فنانون،ملحون ومغنون للحكم عليها،بعيدا عن لغة الخشب التي نسمع الكثير منها اليوم. هي طقوس خاصة كانت تؤطر الأغنية المغربية، تتجلى بوضوح من خلال اختيار الظروف المناسبة والتوقيت الزمني الملائم.إن كانت عاطفية وحماسية يختار لها فترة فصلي الربيع أو الصيف.وإن كانت ذات طابع حزين يتم تقديمها خلال فصلي الخريف أو الشتاء. وهكذا دواليك .هي إذن جزء من أحاسيس وعواطف الفنان والمتلقي على حد سواء. كان لك أغنية قصتها الخاصة، تحكي كلماتها وحتى لحنها فصولها، يتفاعل معها المستمع ويسقطها على نفسيته وهواجسه، ليعيش حيثياتها بكل سعادة أو حزن، حسب مضمون القصة. يعيد السماع إليها كلما تفتقت مشاعره وأحاسيسه.