محمود الإدريسي صاحب الصوت الشجي، الذي أعطى نكهة خاصة للموشحات، والأغنية المغربية العصرية، واستطاع أن يؤسس تجربة فنية مغربية صرفة باختيار كتاب كلمات أغانيه وألحانه، وأن يأسر بصوته القوي الممزوج بنبرة دافئة معجبيه، من المغاربة والعرب، يفتح قلبه ل"المغربية"، ليتحدث عن ساعات سعيدة من حياته. بنجاحه في مجال التلحين الذي بدأه سنة 1983، أصبح الإدريسي من أنجح ملحني جيل ما بعد الرواد المغاربة، ومن أبرز الفنانين الذين حملوا على عاتقهم استمرار الأغنية المغربية الأصيلة، إذ أبدع في السنة ذاتها أغنيته الشهيرة "ساعة سعيدة" لتتوالى بعدها العديد من الألحان الناجحة، التي أدها أبرز المغنين المغاربة، منهم نعيمة سميح، في"شكون يعمر هاذ الدار"ولطيفة رأفت في أغنية "الحمد لله"، والبشير عبدو في "الدنيا بخير"، ومحمد الغاوي في "اللي علينا احنا درناه"، وفلة الجزائرية في "فتحو الأبواب"، من الفنانين الذين لا يتسع المجال لذكرهم. كانت رغبة الإدريسي في التعامل مع كل هذه الأصوات نابعة من واقع غيرته على الموسيقى والإيقاعات المغربية الأصيلة التي وظفها في مختلف ألحانه، وكان يرى بأنها لم تستغل بعد بالشكل الكافي في خدمة الأغنية المغربية. وكذلك كانت رغبة كل من غنوا من ألحانه واقتنعوا بقدراته على إبداع أجمل وأروع الألحان، خصوصا نعيمة سميح ولطيفة رأفت اللتان كانتا تحملان الهم نفسه، بحكم تجربتها الفنية الناجحة وتأثرهما أيضا، بمختلف الإيقاعات المغربية الأصيلة. رغم أنه كان من الصعب الاقتراب من أصوات متميزة، كصوت صاحبة "جريت أو جاريت"، نعيمة سميح التي تستطيع أن تضيف الشيء الكثير للحن وتمنحه الروح، ليخترق الأحاسيس ويسحر العقول، فإن رغبة الإدريسي في كسب رهان التحدي كانت الأقوى، واستطاع أن يثبت بأنه يستحق حمل مشعل الأغنية المغربية من الرواد بفضل صوته وأدائه المتميز وألحان كل من تعاملوا معه واقتنعوا بصوته، ثم بفضل ألحانه المغربية الأصيلة التي خص بها أحسن الأصوات المغربية، وكذلك بفضل وكلمات أحسن الزجالين المغاربة أحمد الطيب لعلج، وعلي الحداني وغيرهما. فهو فنان يؤمن بضرورة التوافق إلى درجة التكامل بين المغني وكاتب الكلمات والملحن، لنجاح أي عمل فني. كان الإدريسي وما زال مصرا على الارتقاء بالأغنية المغربية والبرهنة على أنها تستطيع الاستمرار وتحقيق المزيد من النجاح، معتمدا على موهبته وإحساسه الصادق وصوته القوي ذي النبرة المتميزة، ومراهنا على نجاح ألحانه بأصوات أخرى تستطيع اختراق الحدود المغربية. ويواصل الإدريسي مسيرته الفنية من أجل الفن، لا من أجل الشهرة أو الكسب المادي، لذلك فكل أغانيها المفعمة بالأحاسيس بمثابة جزء منه، ومن هويته المتأصلة في تراب المغرب الغني بإيقاعاته الغنية والمتعددة، كما يقول دائما. فهو من الفنانين القلائل الذين يميزون الكلمات والألحان الجيدة عن غيرها، ولا يغنون سوى ما يحسونه، فهو دائما يردد "لا يمكنني أن أغني دون إحساس، لأنني أحترم الجمهور، وأفضل أن أظهر بأغنية متكاملة فيها تناسق بين الكلمة واللحن، فأنا لست ملكا لنفسي بل أنا ملك لجمهوري ووطني".