لأن زكاة الفطر تؤدى من طرف كل الصائمين، القادرين بطبيعة الحال على إخراجها؛ طهرا لهم ولمن يعولونهم، ولأن عدد هؤلاء يكبر سنة بعد أخرى، نتيجة تزايد عدد السكان، فالعائد منها (زكاة الفطر) لا شك يكبر كذلك. مبالغ مهمة يتم تداولها نهاية كل شهر رمضان من كل سنة، وكأي مورد مالي، وكأي ميزانية، كبيرة كانت أم صغيرة، فالأمر يحتاج بل يفرض تدبيرا جيدا وتعاملا خاصا يشمل حدا أدنى من العقلانية والرشاد. الطريقة التي تؤدى بها هذه الشعيرة اليوم فيها الكثير من التبذير وسوء التدبير، إذ لا تصل دائما آثارها مباشرة إلى المستحقين الحقيقيين، في وقت أصبحت طرقاتنا تغص بجيوش من المتسولين المحترفين، الذين يدعون الفقر والحاجة، ومنهم من يكسب الشيء الكثير، على مرأى من السلطات المعنية ومن دون أي تدخل من طرفها، وتطبيق القانون، لا شيء غير القانون، وذلك لمعاقبة المخالفين والحد من مزيد من تفشي ظاهرة التسول المسيئة إلى صورة المغرب والمغاربة. في هذه الحالة لا يمكن أن تحقق زكاة الفطر كما زكاة الأموال كل الأهداف النبيلة المتوخاة من تشريعها، وأهمها القضاء على الحاجة والحد من مد اليد، على الأقل يوم العيد؛ ما قد يسهم من دون شك في تكريس قيم التضامن والتعاون والتكافل الاجتماعي بين أفراد المجتمع الواحد. إذن، إذا كان الهدف نبيلا، فالوسيلة ربما أصبحت متجاوزة اليوم؛ فلماذا لا يتدخل المشرع المغربي لتنظيم وتقنين ووضع إطار مناسب لأداء زكاة الفطر وأداء فريضة الزكاة بشكل عام كركن من أركان الإسلام؟ من خلال مثلا إنشاء مؤسسة أو صندوق خاص، حتى يظهر أثرها على الاقتصاد وعلى المجتمع - وهي فكرة ليست بالجديدة، إذ قال بها في وقت سابق الراحل الحسن الثاني رحمه الله- وتساهم بالفعل في تقليص نسبة الفقر في بلادنا، من خلال الطرق العلمية والتدبيرية الحديثة، كما صنعت بعض الدول الإسلامية، خاصة الأسيوية التي استطاعت توجيه الموارد المحصلة إلى المستحقين، أفرادا طبعا في المقام الأول، وهذه هي الغاية الفضلى من الزكاة ومن الصدقات المختلفة، ومن جهة أخرى المساهمة في تمويل مؤسسات أو جمعيات أو دور للرعاية الاجتماعية، ولم لا تخصيصها لخلق نشاطات ومشاريع صغرى مدرة لمداخيل مستدامة، تعود بالنفع على كل الأصناف المستحقة، وفق مساطر مضبوطة تمنع كل أشكال الاستغلال لتحقيق أهداف غير معلنة، خاصة ونحن مقبلون على الشروع في تنزيل ورش السجل الاجتماعي الموحد، الذي سيوفر قاعدة معطيات شاملة، تضم كافة المعلومات عن الفقراء والمحتاجين، ما قد يسهل عملية الدعم والإحسان وتوجيه الصدقات إلى مستحقيها. إذن، في اعتقادي، حان الوقت لتنظيم مجالات الإحسان عموما، وكذلك الصدقات المختلفة بجميع أنواعها، حتى يصبح تدبيرها أكثر نجاعة وتساهم بالفعل في تحقيق الحماية الاجتماعية وتقليص الفوارق بين أبناء المجتمع. *أستاذ الاقتصاد بكلية الحقوق عين الشق الدارالبيضاء.مدير مجلة مسالك