مع اقتراب الأيام الأخيرة لشهر رمضان المعظم تبدأ الاستعدادات والاستقصاءات لمعرفة قيمة زكاة الفطر وتحري مستحقيها من الفقراء والمحتاجين، ويجد بعض المغاربة أنفسهم في حيرة بسبب صعوبة عثورهم على من تتوفر فيهم شروط الاستحقاق حتى تكون زكاة الفطر مقبولة وتحقق أغراضها السامية في إسعاد المحتاجين حقيقة وكذا في تغطية ما نقص في الصيام وما تخلله من هفوات، زكاة الفطر إذن هي تتويج لشهر من العبادة والصيام والقيام والتقرب من الله عز وجل، وهي فريضة لها أحكام وشروط ينبغي على الصائم أن يكون على بينة منها حتى يتحقق المأمول منها، ولا تزال الطريقة "العشوائية" التي يتم بها تدبير هذا الركن العظيم في الإسلام أي الزكاة يثير النقاش والكثير من الكلام خاصة وأن أموالا طائلة يتم صرفها خلال اليومين الأخيرين من شهر رمضان ولا يوجد من يؤكد إن كانت تذهب في المسار الصحيح وللأشخاص المناسبين وتحقق المقصود منها وهو مساعدة المحتاجين والفقراء وإسعادهم خلال هذه المناسبة العظيمة. 26 مليار سنتيم تقديرات زكاة الفطر سنويا أكد الباحثان مصطفى أعناني و محمد أعناني، في بحث حول الزكاة ، أن المغرب من البلدان المسلمة التي لا تستفيد من ركن الزكاة لمحاربة الفقر، وإعادة التوازن للمجتمع، ودعم إطار عمل التماسك الإجتماعي، في زمن اعتمدت فيه العديد من الحكومات والبلدان الإسلامية نظام صندوق الزكاة، القائم على تحصيلها حسب الشرع ثم توجيها لمستحقيها من الفقراء والمعوزين، كما هو الحال في كل من الجزائر، والإمارات العربية المتحدة، وقطر، وعمان، والمملكة العربية السعودية، ومصر، ولبنان، وليبيا، والكويت، والأردن، والسودان، وماليزيا، وأندونيسيا، ويشير الباحثان إلى أن تلك الصناديق أسهمت كثيرا في محاربة الفقر والهشاشة. ويوضح البحث ان صندوق الزكاة الذي أحدث منذ أزيد من 16 سنة من طرف الملك الحسن الثاني رحمه الله، لمساعدة المغاربة الفقراء والفئات الهشة من المجتمع. فلقد أعلن لملك الراحل الحسن الثاني سنة 1998 عن إشراف الدولة لإحياء ركن الزكاة في القضاء على الفقر، وإعادة التوازن للمجتمع، ودعم إطار عمل التماسك الإجتماعي، وعين لجنة مكونة من الجهاز التشريعي، ومن الجهاز الحكومي، ومن بعض فقهاء المملكة، فضلا عن بعض التقنيين في المالية العامة للدولة، والتي أعدت مشروعا يبين كيفية هيكلة مؤسسة الزكاة بالمغرب، لكنه ظل إلى يومنا حبيس الأدراج منذ أكثر من عقد من الزمن، مع العلم أن وزارة الاقتصاد والمالية تتوفر على بند بدون رصيد مخصص للزكاة ضمن بنود الميزانية العامة للدولة، وهذا في وقت يطالب فيها المغرب أكثر من أي وقت مضى بالانفتاح على هذه الموارد الشرعية، لأنها من الناحية المالية، ستمكنه إلى حد ما من تدبير العجز الموازناتي، والتصالح مع الشرع. ويشير البحث إلى أن تعطيل صندوق الزكاة في المغرب، يحرم المغاربة الذين يعيشون اليوم في وضعية هشة، بحق رباني من حقوق الإسلام الواجبة على كل مسلم ومسلمة، كما يحرم بلدنا المغرب من موارد مالية مهمة، يمكن الاستفادة منها لتغطية جزء من التحملات الاجتماعية للدولة المخصصة لإعادة التوازن للمجتمع، والقضاء على الفقر والهشاشة. وبحسب نفس المصدر فإنه حصيلة الزكاة بالمغرب تقدر بحوالي 40 مليار درهم على الأقل، و تفوق تكلفة المقاصة لسنة 2013. فيما تقدر زكاة الفطر بمعدل 26 مليار سنتيم سنويا، باعتبار معدل قيمة 10 دراهم لزكاة الفطر الواجبة على كل مواطن بالمغرب حسب ما أفادت به مختلف المجالس العلمية، فتصل بذلك زكاة الفطر إذا استقصينا ما يعادل 8.5 مليون نسمة من المغاربة المؤهلين للإستفادة بحصيلة هذه الزكاة، باعتبارهم يعيشون اليوم في وضعية هشة بين مجموع سكان المغرب الذين يتراوح عددهم 34.5 مليون مغربي. ولذا، فمادامت الزكاة تعطى للفقراء والمستحقين لها كل سنة، وهم يزدادون يوما بعد يوم، فإن نصيب كل واحد منهم كحد أدنى يقترب من 392 درهما شهريا حسب المعطيات الاقتصادية لسنة 2013. ويخلص البحث إلى أن التحكم في طريقة تحصيل وإنفاق هذه الحصيلة المهمة من الزكاة، له تأثيرات إيجابية في مجال تحقيق الاستقرار النقدي، الذي يتناسب مع طبيعة الأوضاع الاقتصادية السائدة بالبلدان الإسلامية. ففي ظل الأوضاع الاقتصادية المضطربة مثل حالات التضخم أو الانكماش في اقتصاديات العالم الإسلامي، يمكن الاستفادة كثيرا من ركن الزكاة في تحقيق الاستقرار النقدي. ذلك لأن التأثير في نسبة الزكاة من الدخل القومي في مرحلة الجمع والتحصيل، أو في مرحلة الإنفاق والتوزيع، لها أهميتها في المساعدة على التوازن النقدي، والمالي، ويتوقف ذلك على طريقة تحصيل الإيرادات من الأوعية الزكوية، وبالتالي تنمو حصيلة الزكاة، وتتجدد بنمو وتطور النشاط الاقتصادي. زكاة الفطر: حكم وأحكام حكمها تجب زكاة الفطر على كل فرد من المسلمين صغيرا كان أو كبيرا ذكرا أو أنثى، إن قدر عليها وقت وجوبها بأن فضلت عن قوته وقوت عياله يوم العيد. والدليل على أنها واجبة، حديث عبد الله بن عمر رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم فرض زكاة الفطر من رمضان على الناس، صاعا من شعير، ذكر أو أنثى من المسلميين وكان ذلك في السنة الثانية من الهجرة. وتجب على القادر عليها عن نفسه، وعن كل مسلم تلزمه نفقته بقرابة أو زوجية، من والدين وأولاد وزوجة وخادم. حكمتها شرعت زكاة الفطر لتكون طهرة للصائم وكفارة مما قد يقع من اللغو والرفث، ولتشعر الفقراء بالسعادة يوم العيد، وتغنيهم عن الطواف فيه لسؤال الناس وطلب مساعدتهم، لحديث ابن عباس رضي الله عنه " فرض رسول الله صلى الله عليه وسلم زكاة الفطر طهرة للصائم من اللغو والرفث، وطعمة للمساكين"، ولقوله صلى الله عليه وسلم: "أغنوهم في هذا اليوم"، وفي رواية للبيهقي وابن سعد في الطبقات: " أغنوهم عن طواف هذا اليوم ". مقدارها المقدار الواجب إخراجه عن كل شخص هو الصاع النبوي، وهو أربعة أمداد، والمد: ملء اليدين المتوسطتين لا مقبوضتين ولا مبسوطتين. وإن لم يقدر المسلم إلا على بعض الصاع أخرج ما قدر عليه وجوبا، وإن وجب عليه إخراج عدة آصع عن نفسه وعن أهل بيته، ولم يقدر إلا على بعض ما وجب عليه إخراجه، ويبدأ بنفسه ثم بزوجته، ويقدم الوالد على الولد. والصاع من المكيال، فوجب أن يكون بصاع أهل المدينة في زمن النبي صلى الله عليه وسلم. وهو أربع حفنات بكفي رجل معتدل الخلقة. تخرج من غالب قوت أهل البلد، أي ما يعادل 2.250 كيلو غراما قمحا حبا. وما يعادل 1.850 كيلو غراما قمحا مطحونا. ويجوز إخراجها دقيقا صافيا (فورص أو غيره).ولمزيد من التوضيح، فوحدة الكيل المسماة(العبرة) تعادل 32 مدا، وقيمتها نقدا بين 50 درهما و60 درهما، لتعدل العبرة الواحدة زكاة فطر ثمانية أفراد، ونصفها زكاة أربعة أفراد، وربعها زكاة فردين اثنين. ما تخرج منه زكاة الفطر تخرج زكاة الفطر من غالب قوت أهل البلد في رمضان، من تسعة أصناف هي القمح والشعير والسلت والذرة والدخن والأرز والتمر والزبيب والأقط، لحديث أبي سعيد الخدري قال: "كنا نخرج زكاة الفطر صاعا من طعام أو صاعا من شعيرا وصاعا من تمر، أو صاعا من أقط، أو صاعا من زبيب، وذلك بصاع النبي صلى الله عليه وسلم"(4). وإذا كان قوت أهل البلد من غير هذه الأصناف التسعة، كالقطاني أو التين أو السويق أو اللحم أو اللبن، فإن زكاة الفطر تخرج منه . وقت وجوبها وقت وجوبها هو غروب الشمس من آخر يوم من رمضان على المشهور، وقبل طلوع الفجر من يوم الفطر. وقت إخراجها الوقت المفضل لإخراجها هو الوقت بين طلوع فجر يوم الفطر، والخروج إلى المصلى لحديث ابن عمر رضي الله عنه "أن رسول الله صلى وسلم أمر بزكاة الفطر أن تؤدى قبل خروج الناس إلى الصلاة"، ولقوله صلى الله عليه وسلم: "....من أداها قبل الصلاة، فهي زكاة مقبولة ، ومن أداها بعد الصلاة فهي صدقة من الصدقات ". وجاز تعجيلها قبل العيد بيوم أو يومين ، قال نافع : وكان ابن عمر يؤديها قبل ذلك باليوم أو اليومين . ويأثم من تجب عليه إن أخرها لغروب يوم العيد ، ولا تسقط بعد وجوبها بمضي زمنها وهو يوم العيد ، بل تبقى في ذمة صاحبها حتى يخرجها . مصرفها تدفع زكاة الفطر في المذهب المالكي لمسلم حر فقير لا يملك قوت عامه ، ولا تدفع لعامل عليها ، ومؤلف قلبه ، ولا في الرقاب ، ولا لغارم ومجاهد وغريب .ومن الخطأ دفعها لغير الفقراء والمساكين كما جرت به عادة بعض الناس من إعطاء الزكاة للأقارب أو الجيران أو على سبيل التبادل بينهم وإن كانوا لا يستحقونها، أو دفعها لأسر معينة كل سنة دون نظر في حال تلك الأسر؛ هل هي من أهل الزكاة أو لا ؟. وتدفع إلى فقراء المكان الذي هو فيه، كما يجوز نقلها إلى بلد آخر على القول الراجح. ما يندب فيها 1- إخراجها بعد فجر عيد الفطر ، قبل الخروج إلى المصلى. 2- إخراجها من القوت أحسن من قوت أهل البلد. 3- إخراجها لمن زال فقره يوم العيد. 4- عدم الزيادة على الصاع. 5- إرسالها إلى الإمام العدل ليتولى توزيعها ، قال الإمام مالك: "وإذا كان الإمام عدلا فإرسالها إليه أحب إلي " . 6- إعطاء صاع واحد لمسكين واحد . ما يجوز فيها 1- دفع صاع لعدة مساكين يقتسمونه. 2- دفع عدة آصع لمسكين واحد. 3- إخراجها قبل العيد بيومين ، لقول نافع : "إن عبد الله بن عمر كان يبعث بزكاة الفطر، إلى الذي تجمع عنده قبل الفطر بيومين أو ثلاثة إخراج قيمتها أفتى المجلس العلمي الأعلى بجواز إخراج زكاة الفطر نقداً رفعا للحرج، وتيسيرا على الناس، لأن حاجة الفقير اليوم لا تقتصر على الطعام فقط بل تتعداه إلى اللباس ونحوه، ولحديث رسول الله صلى الله عليه وسلم:" أغنوهم في هذا اليوم". وقد قال بهذا من الصحابة: معاوية بن أبي سفيان الذي قال:" إني لأرى مدين من سمراء الشام تعدل صاعاً من تمر". وقال به من التابعين: سفيان الثوري، والحسن البصري، وعمر بن عبد العزيز. وقال الحسن البصري:" لا بأس أن تعطى الدراهم في صدقة الفطر". قيمتها تحدد المجالس العلمية المحلية مقادير زكاة الفطر للراغبين في إخراجها نقدا بين 5 دراهم حدا أدنى و15 درهما حسب المدن المغربية ، وتستند في ذلك على النصوص الشرعية المتعلقة بفريضة زكاة الفطر، وعلى أقوال الفقهاء لاسيما علماء المذهب المالكي الذي هو مذهب المغاربة، مراعية مقاصد الشريعة القائمة على التيسير ورفع الحرج، معتمدة على ما هو مقرر شرعا في بيان مقدار هذه الشعيرة من اعتبار غالب قوت أهل البلد.