على من تجب زكاة الفطر؟ لمن تُصرف؟ وما هو مقدارها ونوع الطعام الواجب فيها؟ ومن لم يجد ما يزكي ما يلزمه؟ وما هو الصاع النبوي الذي أمر المسلم بإخراج الزكاة بمقداره؟ وما هو وزن هذا الصاع؟ وهل يمكن نقلها لبلد آخر؟ ومتى يبدأ المسلم في إخراجها؟ وهل يوكل غيره في تفريقها؟ هذه الأسئلة وغيرها ستجد أخي المسلم الجواب عنها في هذا العرض المبين لبعض أحكام زكاة الفطر، تحريا لهدي النبي صلى الله عليه وسلم واتباعاً لسنته، مع بيان لحكمة مشروعية زكاة الفطر، وحكم إخراج قيمتها نقدا. حكمة مشروعية زكاة الفطر إن حكمة مشروعية الزكاة تتمثل في فائدتين اثنتين: فائدة تعود على المزكي وفائدة تعود على من يأخذون الزكاة. أما الأولى: فهي تطهير الصائم مما عساه يكون قد وقع فيه مما يتنافى مع حكمة الصوم وأدبه، كالسباب والنظر المحرم والغيبة، وقليل من الناس من يسلم صومه من كل المآخذ، فتكون زكاة الفطر بمثابة جبرٍ لهذا النقص، وقد أشار إليها حديث عبدالله بن عباس رضي الله عنهما قال : " فرض رسول الله صلى الله عليه وسلم زكاة الفطر طهرة للصائم من اللغو والرفث، وطعمة للمساكين . من أداها قبل الصلاة فهي زكاة مقبولة، ومن أداها بعد الصلاة فهي صدقة من الصدقات " أخرجه أبوداود وابن ماجة بسند حسن. وأما الثانية لزكاة الفطر فهي للمحتاجين إلى المعونة، وبخاصة في يوم العيد، كي يشعروا بالفرح والسرور، كما يفرح غيرهم من الناس، ولذلك كان من الأوقات المُتخيرة لإخراجها يومين قبل العيد إلى ما قبل الاجتماع للصلاة، حتى لا يحتاج الفقراء إلى الطواف على أبواب الأغنياء ليعطوهم ما يشعرهم ببهجة هذا اليوم، وقد جاء ذلك في حديث رواه البيهقي "اغنوهم عن طواف هذا اليوم". حكمها وتاريخ فرضها قد فُرِضت زكاة الفطر في السنة الثانية من الهجرة، وحكم إخراجها عند الجمهور فرض، لدخولها في عموم الزكاة، المأمور بإخراجها، في قوله، تعالى: (وآتُوا الزكاةَ). ولِمَا رُوِيَ عن ابن عمر، رضي الله عنهما: "أن رسول الله صلى الله عليه وسلم فرض زكاة الفطر من رمضان على الناس"؛ ولحديث ابن عباس رضي الله عنهما قال: "فرض رسول الله صلى الله عليه وسلم صدقةَ الفِطْر". على من تجب؟ ويلزم المسلم أن يُخرجَها عن نفسه وعمَّن تلزمه نفقتهم من عياله وزوجته وأقاربه. وتجب زكاة الفطر على كل مسلم؛ الكبير والصغير، والذكر والأنثى، والحر والعبد؛ لحديث ابن عمر رضي الله عنهما قال: " فرض رسول الله صلى الله عليه وسلم زكاة الفطر من رمضان صاعاً من تمر، أو صاعاً من شعير؛ على العبد والحر، والذكر والأنثى، والصغير والكبير من المسلمين " أخرجه البخاري. وتجب على الفقير إذا كان لديه مقدارها، فاضلاً عن قُوته، وقوت مَن تَلْزَمُه نفقته ليلة العيد ويومه، وفاضلاً عن مسكنه ومتاعه و حاجاته الأصلية. وتجب على اليتيم، ويُخرجه عنه وليُّه من ماله. ولو ولد مولود بعد مغرب آخر يوم من رمضان، أي في الليلة الأولى لدخول شهر شوال كان من الواجب إخراج زكاة الفطر عنه بالإجماع. العاجز عن إخراج زكاة الفطر إذا كان الإنسان لا يملك ما يمكنه من إخراج هذه الزكاة، غير مالك شيئًا زائدًَا على نَفَقَتِه ونفقة عياله عند وقت وجوب هذه الزكاة، وهو من طلوع فجر عيد الفطر أول شهر شوال فإنه لا يكون مُكلَّفا بدَفْع هذه الزكاة، ولا ذنب عليه إذا لم يخرجها والله سبحانه وتعالى يقول: ( لاَ يُكَلِّفُ اللهُ نَفْسًا إِلاّ وُسْعَهَا). ويقول أيضا : (يُرِيدُ اللهُ بِكم اليُسْرَ وَلاَ يُريدُ بكم العُسْرَ). مقدار الزكاة ونوع الطعام الواجب فيها والواجب في صدقة الفطر صاع من أي طعام؛ من تمر أو بُر أو أرز أو غيرها من طعام بني آدم؛ لحديث أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال: "كنا نخرج زكاة الفطر إذ كان فينا رسول الله صلى الله عليه وسلم صاعًا من طعام، أو صاعًا من تمر، أو صاعًا من شعير، أو صاعًا من زبيب، أو صاعًا من أقط". (والأقط لَيَنُ مُجَففُ ياَبِسُ مُسْتَحْجِر يُطَبْخُ به). وهو لَبَن جامد مُسْتَحْجِر . وهذه الأصناف التي ذُكرت في الحديث ليست مقصودةً لذاتها عند المالكية والشافعية، وليست واردة على سبيل الحصر، حتى لا يجوز غيرها، لأنها كانت غالب أقوات البيئة العربية حينئذ. وكان الغالب في أيام النبي صلى الله عليه وسلم في المدينة هو التمر والشعير. والمقدار عند المالكية صاع، والصاع بالأوزان العصرية على ما يذكر البعض يساوي 2156 جرامًا تقريبًا. مقدار الصاع النبوي الصاع لا يمكن أن يعدل بالوزن؛ لأن الصاع يختلف وزنه باختلاف ما يوضع فيه، فصاع القمح يختلف وزنه عن صاع الأرز، وصاع الأرز يختلف عن صاع التمر، والتمر كذلك يتفاوت باختلاف أنواعه، لأن الصاع هو من مقاييس الأحجام لا الأوزان. ولهذا ينبغي أن يشاع في الناس مقدار حجمه بأن يوكل أمر وزن صاع من كل نوع من أقوات البلد وتحديد ثمنها للجنة علمية متخصصة، وتقوم بإعلام مسلمي البلد بها. وحجم الصاع النبوي يساوي : (3280 مللتر ) ثلاث لترات و مائتان وثمانون مللتر تقريباً. حكم إخراج قيمتها ومذهب الجمهور عدم إجزاء إخراج القيمة في هذه الصدقة من النقود، استدلالاً بقول ابن عمر: "فرض رسول الله صلى الله عليه وسلم زكاة الفطر من رمضان على الناس صاعًا من تمر، أو صاعًا من أَقِط.."، مما يدل على أن إخراج هذه الأجناس هو المُجزِئ دون غيره، وقال جماعة فقهاء التابعين وغيرهم: إنه يُجزِئ إخراج القيمة في صدقة الفطر؛ لما روي عن عمر بن عبد العزيز أنه كان يأخذ القيمة في الزكاة، ولِمَا روي عن طاووس أنه قال: "لما قَدِم معاذ اليمن قال: ائتوني بعَرْض ثيابكم آخذُه منكم، مكان الذرة والشعير، فإنه أهون عليكم، وخير للمهاجرين بالمدينة"، وروي عن عطاء قال: كان عمر رضي الله عنه يأخذ العُروض في الصدقة من الدراهم"؛ فحجة القائلين بإجزاء القيمة في هذه الصدقة آثار الصحابة ومَن دونهم من التابعين، وربما كان لنُدرة التعامل بالنقد عند العرب في وقت فَرْض هذه الصدقة، سببًا في جعلها في الأطعمة، أَمَا وقد كثُر التعامل بها، فإنه الأنفع لمَن تؤدَّى إليه. هذا، وربما كانت حاجتهم إلى قيمتها نقدا تَفُوق حاجتهم إلى أي أجناس الصدقة. وأيضا لدخولها في عموم قول رسول الله صلى الله عليه وسلم : "اغنُوهم أي المساكين عن السؤال في هذا اليوم" وتكون قيمة الزكاة بحساب عملة بلد المخرج للزكاة. وقت إخراجها ويرى جمهور الفقهاء أن تأخيرها عن وقت الصلاة مكروه؛ لأن المقصود الأول منها إغناء الفقير عن السؤال في يوم العيد، فمتى أخرها، فات جزء من اليوم دون أن يتحقق هذا الإغناء، وذهب الشوكاني إلى أن إخراجها قبل الصلاة واجب؛ لحديث ابن عباس: "فمن أداها قبل الصلاة فهي زكاة مقبولة، ومن أداها بعد الصلاة فهي صدقة من الصدقات". وأما تأخيرها عن يوم العيد، فإنه حرام بالاتفاق؛ لأنها زكاة واجبة، فوجب أن يكون في تأخيرها إثم. وأما تعجيلها، فمنع منه ابن حزم، وهو مخالف لما صح عن الصحابة في تعجيلها. فعن ابن عمر قال: "كانوا يعطونها قبل الفطر بيوم أو يومين" والضمير في "كانوا" يرجع إلى أصحاب النبي -صلى الله عليه وسلم، ولهذا قال أحمد: لا يجوز أكثر من ذلك يعني يومًا أو يومين. وهو المعتمد عند المالكية، وأجاز بعضهم التقديم إلى ثلاثة أيام. وقول مالك أحوط وأقرب إلى تحقيق المقصود، وهو إغناؤهم في يوم العيد بالذات. ويجب أن تصل إلى مستحقها أو من ينوب عنه من المتوكلين في وقتها قبل الصلاة ، فلو أراد دفعها إلى شخص فلم يجده ولم يجد وكيلاً له وخاف خروج الوقت فعليه أن يدفعها إلى مستحق آخر ولا يؤخرها عن وقتها. الأفضل أن يتولى الإنسان قسْمها بنفسه ويجوز أن يوكل ثقة بإيصالها إلى مستحقيها وأما إن كان غير ثقة فلا. ويجوز للفقير إذا أخذ الفطرة من شخص وزادت عن حاجته أن يدفعها هو عن نفسه أو أحد ممن يعولهم. لمن تُصرف زكاة الفطر؟ المستحقون لزكاة الفطر صنفان :الفقير المحتاج، والمسكين المُعسر، وهذا ما يفهم من مذهب الإمام مالك، قال ابن رشد: أما لمن تصرف؟ فأجمعوا على أنها تصرف لفقراء المسلمين لقوله -صلى الله عليه وسلم- : "أغنوهم"... الحديث. وعند المالكية: إنما تُصرف للفقراء والمساكين، ولا تُصرف لعامل عليها ولا لمؤلف قلبه، ولا في الرقاب، ولا لغارم ولا لمجاهد ولا لابن سبيل يتوصل بها لبلده، بل لا تعطى إلا بوصف الفقر. ولا شك أن القريب الفقير أولَى بالزكاة، والقاعدة تقول: "الأقربونَ أولى بالمعروف". مكان الإخراج يخرج المسلم زكاة فطره في البلد الذي يدركه فيه أول ليلة من شوال (ليلة العيد)؛ لأن هذه الزكاة ليس سببها الصيام وإنما سببها الفطر ولهذا أضيفت إليه وسميت زكاة الفطر. قال ابن قدامة رحمه الله : فَأَما زكاة الفطر فإِنه يفَرقها في البلد الذي وجبت علَيه فيه، سواء كان ماله فيه أو لم يكن؛ لأنه سبب وجوب الزكاة، ففرقَت في البلَد الذي سببها فيه. وورد في المدونة في فقه الإمام مالك رحمه الله : قُلْتُ : مَا قَوْلُ مَالِكٍ فِيمَنْ هُوَ مِنْ أَهْلِ إفْرِيقِيَّةَ وَهُوَ بِمِصْرَ يَوْمَ الْفِطْرِ أَيْنَ يُؤَدِّي زَكَاةَ الْفِطْرِ ؟ قَالَ : قَالَ مَالِكٌ : حَيْثُ هُوَ ، قَالَ مَالِكٌ : وَإِنْ أَدَّى عَنْهُ أَهْلُهُ بِإِفْرِيقِيَّةَ أَجْزَأَهُ. يقول فضيلة الشيخ الدكتور مصطفى الزرقا رحمه الله: لا ينبغي إرسال زكاة الفطر إلى بلد آخر، إلا إذا كان البلد المُرسَل إليه أشدَّ حاجةً إليها من بلده الذي هو فيه. أبو حفصة الزياني