تميزت فترة حراك الجزائر في الجمعة رقم 13 بمظاهر سياسية هامة؛ أولها: فرض السلطات لضغط على جهاز القضاء بعزل بعض كبار موظفيه. وثانيها، بداية تحول الحراك إلى مواجهات مع القوة الحاكمة من طرف الجماهير في المناطق المهمشة مثل تينركوك، وانسحاب القوات الحكومية من تطويق المتظاهرين بالعاصمة بعد فشل التطويق بكثرة الحاضرين يوم الجمعة، واستعمال الشباب والطلبة لتكتيك جديد يعتمد على خلق يوم آخر للخروج إلى الشوارع، يوم الثلاثاء، أي امتداد الحراك لأكثر من يوم الجمعة في الأسبوع. وثالثتها: استدعاء واستقبال السفراء الأجانب من طرف الرئيس المؤقت عبد القادر بن صالح. ورابعها: اعتقال الجنيرال الحسين بن حديد، ثالث جنيرال متقاعد يعتقل بعد توفيق وطرطاق، ويقال إن سبب الاعتقال هو نشره لوجهة نظره عبر وسائل الإعلام، وخلال ظرفية هذه الجمعة يظهر أن أزمة حرية التعبير بدأت تزداد سوءا في صفوف كبار الضباط، وأن تعبير الجنيرالات المتقاعدين عن آرائهم يؤدي إلى السجن. وبالمقارنة، فإن أُطر العسكر في تونس وليبيا والمغرب مسَّتهم عمليات الإحالة على التقاعد بعد فبراير 2011، باستثناء موريتانيا آلتي يتكون كبار ضباطها من بيروقراطية قبلية، ولدى كل الضباط في المنطقة أسرار، ولم يقدموا على عرض آرائهم للشعب، ويمكن أن يكون لديهم الكثير مما يفيد الإصلاح السياسي، وتعتبر حملة اعتقالهم في الجزائر تجربة جديدة تستحق الانتباه لأن عددا منهم بدأ ينشر مواقفه، وبعد ذلك ستفشى الأسرار عن الحكام، وقد تتكرر تجربة الجنيرال المتقاعد حفتر في الجزائر... وخامسها: ثورة تينركوك التي عرفت حرائق، واعتقالات في منطقة أدرار، وتعني الجبل بالأمازيغية. وهي منطقة يمكن أن تحرك قبائل مزاب التي قدمت كثيرا من الضحايا ضد جمهورية بوتفليقة. وسادسها: تغيير النائب العام لمجلس قضاء الجزائر، بن كثير بن عيسى، وتعيين مكانه بلقاسم زغماتي، وهو مجرد تداول بين النافذين أنفسهم في مجال الجهاز القضائي، وليس هناك تغيير في تقاليد القضاء الذي يشكل جزءا من تراث حكم الأتراك وفرنسا، وتنظيم المجاهدين. ومحكمة سيدي امحمد بدأت تشتهر عالميا في وسائل الإعلام بكونها محكمة شبه مختصة في محاكمة كبار مسؤولي الدولة الجزائرية، وكبار الأثرياء في زمن الحراك، وليس لدى هذه المحكمة تغطيات إعلامية لما يجري داخلها من تحقيقات، ولا إمكانية لوجود مراقبين حقوقيين ولا منظمات دولية. وتقديم والي العاصمة السابق عبد القادر زوخ إلى محكمة سيدي امحمد هو من عجائب القضاء. وتغيير الباي خالد، وكيل الجمهورية لدى محكمة سيدي امحمد، وتعيين بن دعاس فيصل مكانه، ولم يعلن عن أسباب تغيير بعض رؤوس جهاز القضاء، لكن يبدو أن سبب التغييرات هو محاولة الوجوه القديمة تجديد تحكمها في القضاء بعد أن أعلن القضاة تضامنهم مع الحراك، ورفضهم للمشاركة في تنظيم الانتخابات الرئاسية المقبلة، وخروج بعضهم في مظاهرات الحراك إلى جانب المحامين، وخاصة تكريس سلطة عبد القادر بن صالح كرئيس قادر على تغيير رؤوس القضاء يعتبر مقياسا لقوته وضعفه. سابعها: إيطاليا تستفيد من الغاز الجزائري في مرحلة الحراك بإبرام صفقة جديدة مع سوناتراك، ودون بقية الدول الأوروبية، في وقت تهدد الحروب بين دول الشرق الأوسط برفع أسعار البترول والغاز، وتحاول إيطاليا تعزيز نفوذها على حساب فرنسا التي يهددها الحراك في الجزائر. ثامنها: استقبال الرئيس بنصالح لحوالي 18سفيرا، أغلبهم من الدو الأوروبية، لتقبل أوراق اعتمادهم التي كانت معطلة منذ سنة 2016 بسبب المرض الذي يعاني منه عبد العزيز بوتفليقة، ويحاول الرئيس بنصالح تفكيك مطلب الحراك برحيله بواسطة تحريك سفارات الدول الأجنبية لتعترف به، وبعد أن رفضت الأحزاب والشخصيات الوازنة في الجزائر تلبية دعوته لاستقبالهم والتحاور معهم، وهي مناورة سياسية للظهور بالخارج قصد التأثير عَلى الداخل، لكن حراك الجمعة رقم 13 مايزال قويا.