فنان عصامي بامتياز لم يسبق له أن ولج التعليم الرسمي، استغل مواهبه المتعددة لإدخال البهجة على الجمهور الواسع، وهو ما ظل يبرزه في كل مناسبة طيلة حياته، تأكيدا على أن الإرادة يمكنها أن تصنع المعجزات. تنوعت إبداعات الراحل أحمد الطيب العلج بين المسرح والشعر والزجل، فلا يمكن الحديث عن المسرح المغربي ولا عن الغناء والنظم دون استحضار العلج. طريق "جحا" المؤدية إلى "موليير" أغرم العلج الذي رأى النور بفاس خريف 1928 بالحكي الشعبي في طفولته، وتأثر بفن الحلقة، حيث كان منذ صغره مداوما على متابعة العديد من الرواة الشعبيين الذين كانوا يحلقون بخيالهم وبخبرتهم ليقدموا للناس فرجة مسرحية جميلة تقوم على فهم الحياة المغربية الشعبية. البنى الكوميدية لمسرحيات الطيب، كما يقدمها الدكتور مسعود بوحسين، تنبني على قصص "جحا"، وهي الشخصية التي لا تكاد تخلو من أية مسرحية من مسرحياته مجسدة في الغالب في الضعيف الذي ينقذه ذكاؤه من المواقف المحرجة، والذي يستطيع أن يقلب كل معادلات الصراع من وضع الضعف الى وضع القوة. بدأ نجم العلج يبزغ بقوة في الساحة الإبداعية في أوائل الستينات، وعاش مرحلة أخرى من تكوين شخصيته الفنية، واشتغل إلى جانب أسماء وازنة في المجال على تقديم أعمال مسرحية مقتبسة خاصة عن موليير، لكن بخصوصية مغربية. وبين قصص "جحا" و"موليير" علاقة إبداعية تتجلى في تشابه منابع الكتابة لدى المؤلفين، القائمة على منابع الحكاية الشعبية والمواقف الكوميدية الكونية إلى درجة تلقيب أحمد الطيب العلج "بموليير المغرب". هذا التلاقح في البنى الدرامية المولييرية والخزان الفكري الذي ورثه عن طفولته ومراهقته وشبابه، كما يقول بوحسين، أبرز سمات متعددة في مسرحيات العلج المتمثلة في ملامح الكتابة الملحمية. بين "الحلقة"، "صندوق العجب"، "جحا"، "شجر التفاح"، "النشبة"، وغيرها، زاوج العلج بين التجريد والواقع، والكتابة الملحمية والتمثيل والغناء، وعرت مسرحياته سكيزوفرينيا المجتمع وكشفت أمراضه، ليخلق العلج لنفسه مسرحا أصيلا. حكي النسوة لعبت النسوة اللواتي كن يترددن على منزل العائلة دورا كبيرا في تكوين الشخصية الفنية للعلج وتطوير خياله الفتي، من نجار وخضار لا يعرف الكتابة والقراءة إلى متعلم لا يفارقه القلم والكتاب. هؤلاء النسوة، يقول الراحل الطيب في إحدى البرامج الإذاعية، "علمتني كيف أروي ما أسمع بدقة متناهية وبحرص على أن أجمع كل عناصر القص التي كنت أسمع منهن، وتعلمت من والدتي فن الحوار وديباجة الكلام. كانت تمتاز بتقديم نموذج للتمثيلية القصيرة المحبوكة". زجال العصر الذهبي لم يكتف الراحل بالركح مرجعه الوحيد، لكنه كوَّن نفسه وطور معارفه ومداركه في مجال التأليف الغنائي وشعر الزجل، بل يعد، حسب أكثر من مهتم، مؤسس كتابة الشعر الغنائي في المغرب ومطور القصيدة الزجلية، وقد تغنى بكلامه معظم المطربين والمطربات في المغرب، سواء منهم الرواد أو الجدد، إلى جانب أعمال أسماء أخرى، خاصة الزجال الراحل علي الحداني. كما أثرى البرامج الإذاعية بالعشرات من التمثيليات والمسلسلات التي كانت تلقى إقبالا كبيرا من قبل مستمعي الإذاعة في عصرها الذهبي.