مُتفوقاً على كلّ أقرانه في دفعة 1984، بعدما حصل على أعلى معدل بكالوريا في المغرب، قرّر مهدي طالب، المنتشي آنذاك بإنجازه الفريد، أنْ يتركَ الوطن، قاصداً مدينة ستراسبورغ في أقاصي شمال فرنسا، لمتابعة دراسته في الطب، وهو قرار لم يكنْ هيّناً بحسبهِ، خاصة أنه تفوّق في كلّ المباريات لولوج المدارس الكبرى المتخصصة في الهندسة والطب والتجارة، بل حتى البحرية وشبه العسكرية. من مدينة الجديدة تحسّس البروفيسور والطبيب الجراح المقيم في بروكسيل مهدي طالب (53 سنة) حبّ الاستكشافِ ولوعة الحرفِ. في هذه المدينة الساحلية وبين أزقتها الضّيقة ترعرعَ الرّجل إلى غاية حصوله على شهادة البكالوريا، ليتوجّه إلى مدينة ستراسبورغ لدراسة الطب العام في كلية لويس باستور، بناء على توصية من مدرّسة فرنسية يقول إنها مازالتْ عالقة في بالهِ. تفوّق في الامتحان الوطني وحصل على أعلى معدل في شهادة البكالوريا، كما نجح في كلّ الامتحانات التي تسمح بالولوج إلى المدارس العليا، إلا أنّ هدفه كانَ مرسوماً خارج رقعة الوطن.."بعد تفكيرٍ عميقٍ قرّرت الالتحاق بستراسبورغ بناء على نصيحة مدرّستي. لم أكن أعرف حينها أن الجو في هذه المدينة الفرنسية الساحرة بارد وأن الثلوج لا تتوقف. ولأنني كنت مولعا بمهن الطب تحدّيتُ كلّ الصّعاب وقرّرت خوض المغامرة"، يقول طالب. ويحكي الطبيب المغربي المقيم في بروكسيل، في حوار مع جريدة هسبريس الإلكترونية: "نلتُ شهادة البكالوريا وكنت الأول في دفعتي على الصعيد الوطني، إذ حصلت على أعلى معدل في المغرب، واجْتزتُ عددا من المباريات لولوج مدارس الهندسة والطب والبحرية والتجارة، وقد تفوقتُ فيها، إلا أنّ أستاذة فرنسية نصحتني بالتوجه إلى فرنسا، وعدم البقاء في المغرب، فهناك ستفتح أمامي آفاق كثيرة". بعد سنوات الدّراسة التي قضاها ابن الجديدة متنقلاً بين عيادات ومستشفيات ستراسبورغ، إما للتدريب أو طلباً للعمل، قرّر طالب التوجه صوبَ بروكسيل، القلب النابض لأوروبا، للتخصّص في الطب الباطني، ثم بعد ذلك قامَ بتخصص ثان هو الجهاز الهضمي؛ واشتغل بعد سنوات الدراسة والتكوين في المستشفى الجامعي كمسؤول جامعي؛ إلى جانب هذا، يشتغلُ كمدرس لطلبة الطب في تخصص أمراض الكبد والالتهابات، ليتفرّغ بعد ذلك لمهامه داخل عيادته الخاصة. ويعتبر مهدي طالب من الأطباء القلائل الذين طوّروا تقنيات الطب الحديث، ويقول في هذا الصدد: "طورت تقنية ballon-gastrique التي ظهرت أواخر التسعينيات، وكنت من الأوائل في أوروبا والوحيد في بلجيكا الذي يقوم بهذه العملية، كما كنت الأول الذي يقوم بخياطة المعدة من الداخل بدون الحاجة إلى إجراء عملية عن طريق جهاز مخصص لهذا الغرض". وإلى جانب تخصّصه في الطب، حصلَ مهدي طالب على ماستر في العلاقات الدولية والجغرافيا السياسية في جامعة كاثوليك لوفان في بروكسيل، في موضوع الصراع بين الصين ودول آسيا شرق الجنوبية، كما ينشطُ كذلك في الميدان الفني، إذ درس في المدرسة الكندية لكتابة السيناريو المسرحي والسينمائي. وفي هذا الصّدد، يحكي طالب: "كتبت سيناريو مطول لفيلم مغربي واقعي يحترم جميع المقاييس التي تدرس في أمريكا وكندا. وحتى في فن الإخراج أشتغل مع عدد من المخرجين، وننتظرُ فقط الموافقة المادية لبدء تصوير فيلم طويل. كما أكتب الأغاني وألحن عددا من المقطوعات؛ واحدة خصصتها للمنتخب الوطني بعد تأهله إلى مونديال روسيا 2018، أدتها الفنانة سعيدة شرف. كما اشتغلتُ على أغنية حول الصحراء المغربية بمناسبة عيد المسيرة، وطرحت أغنية حول رمضان قام بتأديتها الفنان محسن صلاح الدين، ولحنت أغنية حول المنتخب البلجيكي بمناسبة تأهله إلى نصف نهاية المونديال". يعيشُ الطبيب المغربي متجولاً في عواصم أوروبا، إلا أنه يقرّ بأن الطب أخذ كلّ وقته، موردا: "في بداية مشواري عانيتُ كثيراً، خاصة أنني من عائلة فقيرة، عانيت كثيراً، وهذا ما دفعني إلى بذل مزيد من الجهد حتى أحقق أحلامي". ويقترحُ الطبيب الجّراح على وزارة الصحة والدولة المغربية التعاقد مع أطباء عالميين معروفين على الصعيد الدولي بإنتاجهم الغزير لتكوين الأطباء المغاربة في مجالات دقيقة، "خاصة أنهم الآن في مرحلة التقاعد ويمكن أن تكون هناك صيغة للاستفادة من خبراتهم، لأن الأطباء المغاربة يحلمون بتطوير قدراتهم المعرفية ويطمحون دائما إلى الهجرة صوب أوروبا للاستفادة من خبرات الأطباء الدوليين".