يحق لملايين الأوروبيين الإدلاء بأصواتهم في انتخابات البرلمان الأوروبي المقررة في أنحاء القارة في الفترة من 23 وحتى 26 ماي الجاري. ولم يمارس حوالي نصف هؤلاء حق الاقتراع في الانتخابات التي جرت في سنوات سابقة. وفي عام 1979، سجلت "المجموعة الأوروبية" (الاتحاد الأوروبي الآن) معدل إقبال وصل إلى 62 في المائة. وكانت المجموعة في ذلك الوقت تضم تسع دول فقط، هي بلجيكا وبريطانيا والدنمارك وفرنسا وإيرلندا وإيطاليا ولوكسمبورج وهولندا وألمانيا الغربية. وقبل خمس سنوات، بلغت نسبة الإقبال في الدول الأعضاء، التي وصلت إلى 28 دولة، 43 في المائة. ولم يكن الحال أفضل كثيرا في الانتخابات السابقة التي جرت عام 2009. وأحد التفسيرات وراء هذا الاتجاه المنخفض في نسب الإقبال هو أن الناخبين لديهم قليل من المعرفة بالبرلمان الأوروبي، المجلس التشريعي متعدد البلدان، وهو ما يعني اهتماما أقل به مقارنة بالانتخابات التي تجرى في كل بلد أو بالقضايا الوطنية. وعلى سبيل المثال لا تكون أسماء المرشحين لخوض الانتخابات الأوروبية مألوفة دائما بالنسبة للناخبين. وكشفت دراسة في ألمانيا مؤخرا أنه قبل شهر من الانتخابات الأوروبية، تمكن واحد من بين كل مواطنين اثنين من تذكر اسم مرشح لحزب رئيسي. ومن الأسباب الأخرى التي تعزى إليها أسباب عزوف الناخبين عن المشاركة في انتخابات البرلمان الأوروبي، بدء حملات الدعاية الانتخابية في وقت متأخر قبل الانتخابات، وأيضا اتساع رقعة الاتحاد الأوروبي. وتقول ليندا بيرج، مديرة المركز الأوروبي للأبحاث في جامعة "جوتنبرج" السويدية: "باختصار، يرجع الإقبال المنخفض إلى ضم المزيد من الدول التي تعاني بصفة عامة من المشكلة في الانتخابات الوطنية والأوروبية". وتنوعت نسب الإقبال في الدول ال28 في الانتخابات الأوروبية التي جرت عام 2014. ووصلت نسبة الإقبال إلى 90 في المائة في بلجيكا، و85 في المائة في لوكسمبورغ المجاورة. ولا تعكس النسبتان رغبة أو حماسة للمشاركة في الانتخابات الأوروبية، ولكن الإدلاء بالأصوات إجباري في الدولتين. وعلى النقيض من ذلك، كانت نسبة الإقبال 29 في المائة في المجر، و24 في المائة في بولندا، و18 في جمهورية التشيك، و13 في المائة في سلوفاكيا. وكانت هذه الدولة انضمت إلى الاتحاد الأوروبي عام 2004. وشهدت السويد زيادة في نسبة الإقبال على التصويت في آخر ثلاث انتخابات للبرلمان الأوروبي، عكس الاتجاه مع الدول الأخرى. وقبل شهر من انطلاق الانتخابات، قال معظم الناخبين في شارع "دروتنينجاتن" (شارع الملكات) للمشاة بالعاصمة السويديةاستكهولم إنهم لا يفكرون لمن سيعطون أصواتهم، بل في التصويت من عدمه. وقال طالب يدعى ميكال هيدنبرج، يبلغ من العمر 21 عاما ويدرس العلوم السياسية: "فكرت في الإدلاء بصوتي ولكني لم أستقر بعد..ليست انتخابات الاتحاد الأوروبي بأهمية الانتخابات الوطنية". واتفق مع هيدنبرج في الرأي صديقه إيريك لارنمارك، الذي يعمل في برمجة الحاسوب، ولكنه شدد على أن "هناك معلومات كثيرة متاحة" عن انتخابات الاتحاد الأوروبي والأحزاب المختلفة. وأكد آخرون أهمية ممارسة حقوقهم الديمقراطية. وقال محمد سيدينا، وهو موريتاني المولد يعمل في متجر للتحف التذكارية، إنه على "يقين" من أنه سيدلي بصوته. وأضاف سيدينا الذي حصل على الجنسية السويدية في عام 2015 أنه يشعر بأنه "من المهم بالنسبة للسويد أن يكون لها صوت في الاتحاد الأوروبي"، وبالتبعية على المستوى العالمي. وقالت سيفدا ساماناكين، وهي من أصل تركي وتعمل بأحد مستشفيات العاصمة ستوكهولم، إنها شبه متأكدة من أنها ستشارك في التصويت، وكمواطنة سويدية، فإنها تريد أن تدعم حرية التنقل داخل منطقة شنجن التي تضم 22 من الدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي وأربع دول أخرى، هي النرويج وسويسرا وأيسلندا وليختنشتاين.. وتقول بيرج إن الإقبال المنخفض يمثل إلى حد ما نوعا من التناقض في ظل تزايد صلاحيات البرلمان الأوروبي عبر سنوات. وفي مسعى لزيادة الإقبال على التصويت، نظم البرلمان الأوروبي حملة لتشجيع الناخبين على ممارسة حقهم في الاقتراع. وبالإضافة إلى المعلومات المنتشرة على مواقع التواصل الاجتماعي مثل "فيسبوك" و"تويتر"، يتم تنظيم لقاءات في مواقع شتى بأنحاء القارة. ولاحظت بيرج أنه يتم في بعض الأحيان تنظيم حملات مماثلة من أجل زيادة معدلات الإقبال على الانتخابات الوطنية، ولكنها ترى أنه يتعين الانتظار حتى يتضح تأثير مثل هذه الحركات "الاستباقية" على زيادة الإقبال. وفي استطلاع أجراه مؤخرا المجلس الأوروبي للعلاقات الخارجية وشركة "يوجوف" الرائدة في مجالات أبحاث السوق، قال 43 في المائة من الذين تم استطلاع آرائهم على نحو قاطع إنهم سيشاركون في الانتخابات. وتقول ناتالي براك، الأستاذ الزائر في "كلية أوروبا" (مؤسسة جامعية مستقلة مقرها الرئيسي مدينة بروج البلجيكية): "إنها قضية كبيرة لأنها تتعلق بشرعية البرلمان الأوروبي"، وأضافت أن معدل إقبال أقل من 40 في المائة من شأنه أن يبعث "إشارة مهمة" مفادها أن الجهود التي تهدف إلى زيادة الاهتمام بالانتخابات قد منيت بالفشل. ووفقا لبراك وباحثين آخرين، ربما يسهم صعود الأحزاب الشعبوية في تعزيز الاهتمام بالانتخابات الأوروبية. وقالت براك: "إنها (الأحزاب الشعبوية) تحشد الناس وتجبر الأحزاب الأخرى على الحديث عن أوروبا في إطار الانتخابات، بدلا من القضايا الوطنية". وفي فنلندا، قالت النائبة الأوروبية جوسي هالا-اهو، زعيمة "حزب الفنلنديين" المتشكك في جدوى أوروبا، والذي حل في المركز الثاني في الانتخابات التي جرت بالبلاد الشهر الماضي، مؤخرا: "عدم التصويت في انتخابات الاتحاد الأوروبي هو بنفس القدر من سخافة التصويت لصالح أحزاب تدفع باتجاه اتحاد (أوروبي) أكثر تماسكا".