بعيدا عن المدينة وأجوائها وطقوسها، يكون لرمضان صحبة الرحل بإقليمكلميم طعم آخر، السكينة تلف الفضاء الشبه الصحراوي الذي اختاروه مستقرا لهم في هذا الشهر الفضيل، حيث الكلأ للنوق متوفر، وحيث أرض منبسطة تسمح بنصب الخيام. اليوم الرمضاني لدى الرحل "يوم عادي"، يشبه كل الأيام، يبدأ بعد وجبة السحور، حيث يقومون مباشرة بحلب النوق قبل بزوغ أول خيوط الفجر، ومع أول خيوط الشمس تكون قطعان الإبل قد انتشرت في المراعي المجاورة. ولا تكاد أجواء شهر الصيام عند البدو الرحل في إقليمكلميم تختلف عن غيرها من أيام السنة، باستثناء تحمل مزيد من مشاق الترحال ورعي الإبل لا سيما في الأجواء الحارة. بضواحي كلميم، تستقر إحدى العائلات التي توارثت تربية الإبل والترحال أبا عن جد، واختارت هذه العائلة قضاء هذا الشهر الفضيل في سفوح جبال باني، حيث الكلأ متوفر لقطعان العائلة التي تنحدر من إقليم أسا الزاك..، الفضاء فسيح تتجاور فيه عائلات أخرى اختارت هي أيضا هذه المنطقة التي تتوفر على مراع شاسعة. ويعود سبب اختيار هذه العائلة لهذه المنطقة إلى ميل الرحل في الغالب خلال شهر رمضان إلى اختيار فضاء استقرار مؤقت يتاح فيها الوصول إلى الماء والكلأ للماشية، هذا بالإضافة إلى قربه من الحواضر تخفيفا لهم من عناء التنقل الكثير والمشاق في هذا الشهر الفضيل. بعد العصر وبداية غروب الشمس، تبدأ قطعان الإبل في الرجوع والوصول إلى جوار الخيام "راحلة" على شكل صفوف متراصة منتظمة، وتتسارع إلى المكان المخصص لها والذي يسمى في اللهجة الحسانية المحلية ب"المراح"، حيث يقدم للنوق العلف المخصص لها. وتتبع عملية رحل الإبل عمليات أخرى، يقول المحفوظ أصكام، وهو رب أسرة من الرحل، ب"تعقيل" الإبل وفصلها عن الحوار، وهي صغار الإبل. والعقال، يوضح المحفوظ في تصريح لوكالة المغرب العربي للأنباء، هي حبال قصيرة مخصصة لربط الإبل. وتتسم هذه العملية بالتحدي مخافة أن يرضع الحوار من أمه كل الحليب، هذا بالإضافة إلى أنها تتطلب جهدا وصبرا، ما أكسب المحفوظ خبرة في التعامل مع الإبل وتطويعها. يقول المحفوظ أصكام، في التصريح ذاته، إن "الرحل هنا يقضون شهر رمضان بشكل عادي، باستثناء الصبر على الإجهاد والعمل الشاق في رعي الإبل نهارا وتحمل درجات الحرارة التي ترتفع أحيانا كثيرة"، موضحا أن العمل في مجتمع الرحل لا ينتهي بحلول المساء. وبخصوص الإفطار في رمضان، قال إن "الرحل لا يتكلفون كثيرا، بل تكون موائد الإفطار بسيطة وعادية، تتخللها جلسة الشاي الصحراوي الأصيل الذي يتم تحضيره على الطريقة التقليدية فوق الجمر، إضافة إلى حساء من الشعير وحليب النوق والتمور، والخبز التقليدي". وبالفعل، تنهمك النسوة في إعداد مائدة الإفطار في انتظار انتهاء الرجل من عملية تعليق النوق ليلجوا الخيمة المخصصة لهم في انتظار دخول وقت أذان المغرب، وهنا يلاحظ الدور الكبير للمرأة داخل مجتمع لرحل في رعاية شؤون الخيمة ، حيث تشرف على تنظيمها وفي إعداد الأكل بالمطبخ الذي يسمى بالحسانية "النوالة"، وغالبا ما يكون خيمة صغيرة تضم كل متعلقات الطبخ والمؤونة زاد الرحل في حياة الترحال. وبعد صلاة المغرب جماعة، يستأنف الرجال الإفطار المكون أساسا من حساء الشعير وخبز وزيت، وتستمر جلسة الشاي بعد المغرب في جو من السكينة والهدوء وتحت ضوء خافت لمصباح داخل الخيمة بعيدا عن ضوضاء المدينة وكل العادات الاستهلاكية المفرطة. ومن أهم طقوس الإفطار لدى الرحل "الزريك"؛ وهو حليب النوق الطازج، الذي يقدم للضيوف في إناء يسمى "الجيرة". ويساهم الرحل في تزويد السوق المحلية بكلميم، يوميا، بكميات مهمة من حليب النوق، الذي يزداد الإقبال عليه في شهر رمضان في المناطق الجنوبية.