اقتربت الشمس من المغيب خلف قمم جبال باني جنوب المغرب، وبدأت الحركة على جنبات الخيام التقليدية التي نصبتها عائلة من الرُحَّل على سفح الجبل، حيث يمكن للبعيد أن يشتمّ رائحة الحساء والشاي الصحراوي، اللذين يميزان موائد الإفطار الرمضانيَّة لدى البدو. يتميَّز شهر رمضان في مجتمع الرُحَّل بالبساطة وعدم التكلُّف والاستعداد القبلي. ويسعى الرُحَّل إلى الحفاظ على معاني التآزر، من خلال تبادل التهاني في شهر رمضان، والزيارات بين الأصدقاء والجيران، ويتمّ الإكثار من عادات إقامة الولائم بالتناوب بين العائلات، التي تستقر عادةً في خيام متلاصقة. اعتاد الرُحَّل الصبر على قسوة العيش، والقيام بأعمالهم اليوميَّة بكلّ همَّة ونشاط، إذ يقضون أيَّام شهر رمضان في أجواء هادئة بعيداً عن ضوضاء المدن وصخب الحياة العصرية وعاداتها الاستهلاكية. على بعد أمتار قليلة من الخيام، يتكئ الحسن بو حسين على فراش، ويحمل بين يديه سبحة بيضاء، في انتظار موعد الإفطار. بو حسين شيخ سبعيني، وهو الأب الأكبر لعائلة تضمُّ ثلاثة أبناء وثلاثة أحفاد. يقول إنَّ «شهر رمضان يكون صعباً عندما ترتفع درجات الحرارة، وهذا لا يمنعنا طبعاً من الاستمرار في حياتنا الطبيعية ونحن صيام». ويشرح أنَّ «الرُحَّل في شهر رمضان، يقومون بتهيئة المكان الذي سيستقبلون فيه شهر الصيام، وذلك عبر اختيار مكان مناسب للماشية، حتى يتجنبوا مشقة الترحال بحثاً عن المراعي خلال شهر رمضان، غير أنَّ ظاهرة الجفاف غالباً ما تفرض عليهم الترحال مرات عدة خلال هذا الشهر». عائشة إدو سلام، شابة ثلاثينية وزوجة أحد أبناء الشيخ بو حسين، تقول إنَّ «حياة الرُحَّل صعبة وقاسية في شهر رمضان وغيره من الأشهر»، وتتولَّى المرأة مهام الاعتناء بأمور الخيمة وأحياناً تقوم بنفسها برعي قطعان الماشية، أمَّا قطيع النوق الذي تملكه العائلة، فيتركونه في الصحراء يسيح في المراعي بحريَّة. وتقوم عائشة أيضاً بمهام المطبخ الذي يتكوَّن من خيمة صغيرة تضم المؤونة، وأغراض الطهي كافة، أمَّا المياه فيتم جلبها كل صباح من بئر مجاور عبر استخدام المواشي. قبل موعد الإفطار، تعدّ عائشة أطباق الحساء، وتضعها بعناية في إناء مصنوع من سعف النخيل، يسمى «الطبق» في اللهجة المحلية. وخلال انتظار التأكد من حلول موعد الإفطار، يتولَّى الحسين، وهو الإبن الأكبر في العائلة، مهمَّة مراقبة شفق غروب الشمس، وينظر إلى ساعة معصمه من حين إلى آخر، بينما تقوم الجدة بإعداد أطباق الحليب في أوانٍ خاصة. ويرى الباحث في قضايا الرُحَّل سالم بيكاس أنَّ «الأطباق الرمضانيَّة عند البدو تتميَّز بالبساطة، فقد تتكون مائدة الإفطار من أصناف قليلة من الحساء، وخصوصاً الحساء المصنوع من دقيق الشعير الأبيض، المصنوع من الحليب، إضافة إلى مشروب «الزريكَ»، وهو خليط من الماء والسكر وقليل من حليب النوق أو لبن الماعز. ويُعدُّ الشاي من أهم مكونات الموائد الصحراوية لدى الرُحَّل، ويتم إعداده من أجود أنواع أوراق الشاي، وفق العادات المعمول بها محلياً. أمَّا المأكولات، فلا تقلّ بساطة عن المشروبات، ولا تتميز عن باقي المأكولات طيلة السنة، باستثناء ما يميز هذا الشهر من إعداد القديد (لحم محفوظ عن طريق التجفيف) استعداداً لشهر رمضان، إلى جانب وجبات اللحم المشوي.