الرئيسية
السياسية
الاقتصادية
الدولية
الرياضية
الاجتماعية
الثقافية
الدينية
الصحية
بالفيديو
قائمة الصحف
الاتحاد الاشتراكي
الأحداث المغربية
الأستاذ
الاقتصادية
الأول
الأيام 24
البوصلة
التجديد
التصوف
الجديدة 24
الجسور
الحدود المغربية
الحرة
الدار
الرأي المغربية
الرهان
السند
الشرق المغربية
الشمال 24
الصحراء المغربية
الصحيفة
الصويرة نيوز
الفوانيس السينمائية
القصر الكبير 24
القناة
العرائش أنفو
العلم
العمق المغربي
المساء
المسائية العربية
المغرب 24
المنتخب
النخبة
النهار المغربية
الوجدية
اليوم 24
أخبارنا
أخبار الجنوب
أخبار الناظور
أخبار اليوم
أخبار بلادي
أريفينو
أكادير 24
أكورا بريس
أنا الخبر
أنا المغرب
أون مغاربية
أيت ملول
آسفي اليوم
أسيف
اشتوكة بريس
برلمان
بزنسمان
بوابة القصر الكبير
بوابة إقليم الفقيه بن صالح
أزيلال أون لاين
بريس تطوان
بني ملال أون لاين
خنيفرة أون لاين
بوابة إقليم ميدلت
بوابة قصر السوق
بيان اليوم
تازا سيتي
تازة اليوم وغدا
تطاوين
تطوان بلوس
تطوان نيوز
تليكسبريس
تيزبريس
خريبكة أون لاين
دنيابريس
دوزيم
ديموك بريس
رسالة الأمة
رياضة.ما
ريف بوست
زابريس
زنقة 20
سلا كلوب
سوس رياضة
شباب المغرب
شبكة أندلس الإخبارية
شبكة دليل الريف
شبكة أنباء الشمال
شبكة طنجة الإخبارية
شعب بريس
شمال بوست
شمالي
شورى بريس
صحراء بريس
صوت الحرية
صوت بلادي
طنجة 24
طنجة الأدبية
طنجة نيوز
عالم برس
فبراير
قناة المهاجر
كاب 24 تيفي
كشـ24
كود
كوورة بريس
لكم
لكم الرياضة
لوفوت
محمدية بريس
مراكش بريس
مرايا برس
مغارب كم
مغرب سكوب
ميثاق الرابطة
ناظور برس
ناظور سيتي
ناظور24
نبراس الشباب
نون بريس
نيوز24
هبة سوس
هسبريس
هسبريس الرياضية
هوية بريس
وجدة نيوز
وكالة المغرب العربي
موضوع
كاتب
منطقة
Maghress
توقعات أحوال الطقس اليوم الأحد
وضعية السوق العشوائي لبيع السمك بالجملة بالجديدة: تحديات صحية وبيئية تهدد المستهلك
منتدى الصحافيين والإعلاميين الشباب يجتمع بمندوب الصحة بإقليم الجديدة
تلميذ يرسل مدير مؤسسة تعليمية إلى المستشفى بأولاد افرج
معرض القاهرة الدولي للكتاب .. حضور وازن للشاعر والإعلامي المغربي سعيد كوبريت في أمسية شعرية دولية
لقاء ينبش في ذاكرة ابن الموقت
الولايات المتحدة.. طائرات عسكرية لنقل المهاجرين المرحلين
الخارجية الأمريكية تقرر حظر رفع علم المثليين في السفارات والمباني الحكومية
طنجة.. حفل توزيع الشواهد التقديرية بثانوية طارق بن زياد
إسرائيل تفرج عن محمد الطوس أقدم معتقل فلسطيني في سجونها ضمن صفقة التبادل مع حماس
بطولة إيطاليا لكرة القدم .. نابولي يفوز على ضيفه يوفنتوس (2-1)
تدشين وإطلاق عدة مشاريع للتنمية الفلاحية والقروية بإقليمي تطوان وشفشاون
الكشف عن شعار "كان المغرب 2025"
تفكيك شبكة تزوير.. توقيف شخصين وحجز أختام ووثائق مزورة بطنجة
الدفاع الحسني الجديدي يتعاقد مع المدرب البرتغالي روي ألميدا
ملفات التعليم العالقة.. لقاءات مكثفة بين النقابات ووزارة التربية الوطنية
أغنية "Mani Ngwa" للرابور الناظوري A-JEY تسلط الضوء على معاناة الشباب في ظل الأزمات المعاصرة
"الحُلم صار حقيقة".. هتافات وزغاريد وألعاب نارية تستقبل أسرى فلسطينيين
أوروبا تأمل اتفاقا جديدا مع المغرب
استمرار الأجواء الباردة واحتمال عودة الأمطار للمملكة الأسبوع المقبل
القنصلية العامة للمملكة بمدريد تحتفل برأس السنة الامازيغية
هوية بصرية جديدة و برنامج ثقافي و فني لشهر فبراير 2025
حصار بوحمرون: هذه حصيلة حملة مواجهة تفشي الوباء بإقليم الناظور
أيوب الحومي يعود بقوة ويغني للصحراء المغربية
هذه خلاصات لقاء النقابات مع وزارة التربية الوطنية
ملتقى الدراسة في إسبانيا 2025: وجهة تعليمية جديدة للطلبة المغاربة
الجمعية المغربية للإغاثة المدنية تزور قنصليتي السنغال وغينيا بيساو في الداخلة لتعزيز التعاون
إفران: استفادة أزيد من 4000 أسرة من عملية واسعة النطاق لمواجهة آثار موجة البرد
جبهة "لاسامير" تنتقد فشل مجلس المنافسة في ضبط سوق المحروقات وتجدد المطالبة بإلغاء التحرير
أداء الأسبوع سلبي ببورصة البيضاء
فريدجي: الجهود الملكية تخدم إفريقيا
وزارة الصحة تعلن عن الإجراءات الصحية الجديدة لأداء مناسك العمرة
كيف كان ملك المغرب الوحيد من بين القادة العالميين الذي قرر تكريم ترامب بأرفع وسام قبل مغادرته البيت الأبيض بيوم واحد
من العروي إلى مصر :كتاب "العناد" في معرض القاهرة الدولي
"مرض غامض" يثير القلق في الهند
الأميرة للا حسناء تترأس حفل عشاء خيري لدعم العمل الإنساني والتعاون الدبلوماسي
فعاليات فنية وثقافية في بني عمارت تحتفل بمناسبة السنة الأمازيغية 2975
وزارة الصحة تعلن أمرا هاما للراغبين في أداء مناسك العمرة
إطلاق أول مدرسة لكرة السلة (إن بي أي) في المغرب
السياحة الصينية المغربية على موعد مع دينامية غير مسبوقة
إس.رائ..يل تطلق سراح أقدم أسير فل.سط..يني
حماس تسلم الصليب الأحمر 4 محتجزات إسرائيليات
المغرب يفرض تلقيحاً إلزاميًا للمسافرين إلى السعودية لأداء العمرة
مونديال 2026: ملاعب المملكة تفتح أبوابها أمام منتخبات إفريقيا لإجراء لقاءات التصفيات
لقجع.. استيراد اللحوم غير كافي ولولا هذا الأمر لكانت الأسعار أغلى بكثير
تيرغالين: الوداد وبركان لم يفاوضاني
الربط المائي بين "وادي المخازن ودار خروفة" يصل إلى مرحلة التجريب
"حادث خلال تدريب" يسلب حياة رياضية شابة في إيطاليا
ريال مدريد أكثر فريق تم إلغاء أهدافه في الليغا بتقنية "الفار"
نوفاكو فاشن: احتجاجات العمال غير مبررة وتسببت في خسائر فادحة
اثنان بجهة طنجة.. وزارة السياحة تُخصص 188 مليون درهم لتثمين قرى سياحية
أرقام فظيعة .. لا تخيف أحدا!
بالصدى .. بايتاس .. وزارة الصحة .. والحصبة
غياب لقاح المينانجيت في الصيدليات يعرقل سفرالمغاربة لأداء العمرة
أرسلان: الاتفاقيات الدولية في مجال الأسرة مقبولة ما لم تخالف أصول الإسلام
المجلس العلمي المحلي لإقليم الناظور يواصل برامجه التكوينية للحجاج والمعتمرين
ثمود هوليود: أنطولوجيا النار والتطهير
الأمازيغية :اللغة الأم….«أسكاس امباركي»
شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.
موافق
الحُرّيَةُ وَلَذّةُ العَابِرِ: قِرَاءَة فِي "انْعِتَاقُ الرّغْبَة" لِفَاتحَة مرْشِيد... *
عبد الواحد ايت الزين
نشر في
هسبريس
يوم 12 - 05 - 2019
هَمْسَةُ شَمْسٍ: "العَوَاطِفُ أسرَارُنَا والجِنْسُ
سرّنَا الأَكْبَر نُمَارسُهُ فِي الظّلاَم،
وفِي العَتمَةِ نتَحَسّسُ أَعْضاءَنَا
ونَحْنُ نتَصَبّبُ شُعورًا بالذّنْبِ"
انْعِتَاقُ الرّغْبَة، ص 49.
اسْتهلالُ بشأنِ "استِهلال"...
"الأَسْوأُ ليْسَ أَلاّ نْنتظرَ شَيْئًا مِن أَحَد، بَل أَلاّ نَنْتظرَ شَيْئًا منْ أنْفُسِنَا"، اسْتهْلاَلٌ يقولُ الرّوايَةَ ورِهَانَاتِهَا. يكَادُ يعبّرُ هذَا القَوْلُ الاسْتهْلالُ عنْ مأساةِ الإنْسَانِ عِنْدَمَا يمْسِي غريبًا عنْ نفسِهِ. انْكسارٌ بَليغٌ أَنْ تخيّبَ نفسُكَ أمَلَكَ، أنْ يكونَ ثمةَ جِدارٌ حَجريٌّ يحجُبُ عَنكَ رُؤْيَة أنَاكَ. كنْ نفْسَكَ، وأنّى لكَ أنْ تكونَها وأنتَ لستَ إيّاهَا. حِينَمَا تَهْجرُ نفْسكَ وتتّخذُ غيْرَهَا وَطنًا، آنئذ، وآنئذ فقط يحْدثُ الأسْوأ: اغْترابٌ وُجوديٌّ فظيعٌ يجعلُ الانْتظَارَ ذَخيرةً فقَدَت أسْبَابَ تلْقِيمِهَا.
أُحْجِيتُنَا الغَامضَة جَسدُنا: حينَمَا نختَارُ أنْ نَلْبَسَ أنْفُسَنَا...
وهُو أحْجيةٌ لأنّ ألْغَازًا كثْيرة تُحيطُ بِه. سؤالُ الجسدِ سؤالٌ مُتمدّدٌ على بسَاط تَاريخ الإنْسانيّة. وإن أسْهمَ التَصوّر الفَلسفيّ الكْلاسيكيّ في ربطِ السّعادة بالتحررّ من أوهامهِ ومطالبهِ، فإنّ تصورًا فلسفيا موازيًا، ارْتَقَى بِه إِلَى مَنزلَة المُماهَاة بَينَهُ وَبَينَ الذّاتِ، "لَستُ إلاَّ جَسَدِي" قَالَهَا نِتشه فِي مُحكَمِ إنْجيلِه (هكذَا تكلّمَ زرَادْشت)، وَوَجَدَت صِيغَتَهَا الأَكثَر اتّضَاحًا في عصْر "الجسَد". أَ ثَمّةَ فَاصِلٌ بين "أناي" و"جسدي"؟ يُنبِئُنَا العصرُ بعَلاَمَاتِه أنّ عَالَمنَا عَالمُ أجسادٍ تائهَةٍ، لاَ تَلْوِي عَلى شَيء سِوَى الإِفصَاح عَن خيُوطِ سيَاسَاتٍ ترْسمُ لَهَا مجَالَ حركَاتِهَا وسَكَنَاتِهَا.
الجَسدُ سياسةٌ لهَا قوانينُها وتواطؤاتها، وإنْ كانَ الجسدُ سؤالًا سياسيًا دومًا، فإنّهُ في "انْعتاقِ الرّغْبَة" موْضُوعٌ جمَاليّ بامتيَاز. كَعادَتهَا فِي لقَاءَاتِهَا بمواضِيعِهَا، تختارُ مرشِيد شخُوصًا لتُؤشّرَ علَى الطّابعِ الإشْكاليّ ل"الجسَد". ليستِ الكِتابةُ فِي سرديّاتِها الرّوائية انْعكاسًا ل"قنَاعةٍ مذهبيّة" مغْلقةِ، ولا تعبيرًا عن رَايةِ "قَبيلَة ذهنيّة" مَا. إنّها، انفِتاحاتٌ إشْكاليّة على تيْمات هيَ بطبْعهَا لا تحتمِلُ أيّ رؤيةٍ متَشَنّجة وانفِعاليّة. يتأبّى الجسدُ جمَاليًّا عنْ أيّ محاوَلةٍ للتّموقفِ المُسبقِ منْ أسْئلتِهِ؟
وَثيقٌ هو الرّابطُ بين الجسدِ وأسئلتُه والرّغبةِ وسُلْطَانُهَا. قارّةُ الرّغبةِ قارّةٌ بعِيدةٌ منْ شدّة قربِهَا، ولَطَالَمَا شَكلَت انْشغَالاً رَئيسًا اهْتمّ بِه الأُدَباءُ والفَلاَسفَةُ عَلَى حَدّ سَوَاء، عَاشَ الإنسَانُ رغباتهِ كمَا هيَ، قبلَ أن يأتي زمانٌ تَحدّد فيهِ المَاينبغي أن نرغبَ فيه، والمايتوجبُ الابتعاد عن الرغبة فيه، فهلْ لجمُ الرّغبةِ كفيلٌ بالحدّ منْ ُجموحِها؟ حينَما يتصلّ الأمرُ بالجسدِ وهويّته، فإنّ نصّا عظيمًا، يُوقِفَك علَى تَعقيدِ الموضوعِ هو الأجْدَر بأن تنصتَ لكلِماتِه.
"انْعتاقُ الرّغبة" اقْترابٌ جمَاليٌّ منْ منطقةٍ ملغومَة: الهويّةُ والحرّيةُ عَلامتَا تشْويرِهَا. مَاذَا لوْ وَجَدْت نَفسَكَ في جَسدٍ لَكَ ولَيسَ لكَ؟ جَسَدٌ فيهِ شيءٌ منكَ، ولَيسَ هوَ أنتَ. مَاذا لَو كُنتَ طَبيبًا خَبيرًا في جرَاحَة التّجمِيل، وتَوصّلْتَ بَبريدِ مَجهولٍ تَعرفُ فِيه أَنّ وَالدَكَ اخْتارَ أنْ يَكُون نَفسَهُ: أَعنِي اخْتارَ أنْ يَنْسجمَ معَ رغبتِه، وهوَ الّذي لهُ جَسدُ "ذَكَر" ورُوحُ "أُنْثَى"؟
منَ الصّفحات الأولى للرّواية، يظهرُ لَك الوجهُ الإشكاليُّ لموضُوعهَا: "وَجعٌ وجوديّ" بتعبيرِ "عز الدّين" (من شخوصِ الرواية)، ذاك الذّي تترسمُ فيهِ مساحات فاصلة بين "الروح" و"الجسد"، خصُوصًا حينَما يكونُ "السّسْتام الثقَافيّ" قاسيًا، وتكون "الهويّة الجنسية" مقرّرَةٌ سَلفًا بحسبِ كنّاش الحَالَة المدنيّة وأَقدَار الخَريطَة الجِسْميّة.
مَا مَعْنى أنْ يَلْبسَني جسَدِي وألْبسُه؟ أ يكْفي ظَاهرِي الجسميّ لجَنْسنتِي؟ ألَم يَتحدّث الفكرُ المُعاصِر عنْ احتِجابِ الحقيقَةِ خلفَ طَبقَات الظّاهر؟ إن أُمورًا من فَرطِ ظهورِها تُفقدُنا القدرةَ عَلى التقَاطِ حَقيقتِها، ولهَذَا فَإنّ "فَريد" لمْ يسألْ نفسهُ يومًا عن "الأرواحِ القابعةِ" خلفَ الأجْسادِ الممدّدةِ علَى طاولَةِ تجْميلهِ.
بِمُصَاحَبَتنا لِفرِيد ابْنُ عز الدّين، تُعرّفُنا مرشيد على عالمِ "المُتحوّلِين جنسيّا": جهدٌ واضحةٌ آثارُه فِي تعريفِ الآخرينَ على عالَمٍ استحكمتْهُ صور نمطيّة جاهزة، وليسَ "فريد" إلاّ أُنمْوذَج معبّرٌ عنْ جَهْلنَا بهذَا العَالَم، ومَا نَحملُه منْ أفْكارٍ مسْبقةٍ عنهُ. فَريد وبالرّغمِ منْ كونِه طبِيبًا ليسَ غريبًا عن عالم "التحوّل الجنسيِّ" فهوَ جرّاحٌ تجْميليّ، لهُ ارتباطٌ مُباشرٌ بعَوَالمِ الجَسَد، لكنّ واقعَةَ عز الدّين أَفجعَتهُ ودَفعَتهُ إلَى الْتمَاسِ الطّريقِ للتّعرّفِ علَى هذَا العَالَم. لَربّمَا يشكّلُ فَريد "الضّمِير المُعذّب" للْقَارِئ المُثقَل ذهنُه بالأَفكارِ الجَاهزَةِ عن "الأَقليّات الجِنْسيّة"، لكن قِراءَةَ "انْعتَاق الرّغبَة" قدْ تدفعُهُ إلَى مراجَعَة أْحكَامِهِ، قدْ يقودُه فَريد إلَى فضِيلَةِ الشَك وهوَ المعتلُّ ب"اليَقِين".
"أنا المختص في جِراحة التّجميل، لَم أتساءل يوما وأنا أرمّم أجساما، غير راضية عن نفسها، عن الأرواح التي تتوارى خلفها" صَيحةُ طبيبٍ كانَ في حَاجةٍ إلَى "عاصِفة وجوديّة" ليتحرّر من أوهام النظام الثقافيّ الذي ترعرعَ في كنفهِ، كانَ في حاجة لأن يكتشف أنّ "أباهُ من الجنس الثالث" ليسافرَ إلى
كندا
، ويتعرّف علَى فَادية وَيكتشفَ قَارّة ظَلّت مَجهولة علَى "جهازه الذهنيِّ"، الذي لم يعتدْ قراءة لغة السّالكينَ في محْراب العبور من الاعتيَاديّ إلَى الغريبِ، والذي ما كان له أن يَبدو غَريباً، لَولاَ عَتاقةُ الجهَاز ذاكَ عيْنه.
مَجازُ السّفَر والترْحَال يَكادُ يُلازمُ الرّوايةَ مِن مُبتدئِهَا إلَى مُنتَهَاهَا. السّفرُ حرية وإقامة في العُبور، هو التِقاءٌ معَ الغَيبِ، حَيثُ يَتَشظّى القدرُ زَخّات مُتناثِرَة فيِ مَمْلكةِ المُمْكن. يُسافرُ عز الدّين ليلتقي مَع نَفْسِه، ويقْدمُ فريدٌ ابنُه علَى السّفرِ للِقاءْ المجهُول، أمّا فادْيَة و"أروندَاتي" و"غسّان" فإنّ المهْجر عِندَهُم خلاصٌ منْ ثقلِ ثقافةٍ ترزحُ تحتِهَا نفوسٌ متطلعةٌ إلى مُعانقةِ الحرية. يترادفُ العُبُور مَع المَجهُول، فَكِلاهُمَا قَفزُ رَاقصِين علَى حَبلِ الحياة، بَلْ لَيْسَ الرّقْصُ والعُبور والمَجهُولُ إلاّ تَسْمِيات أُخر لِلحيَاةِ الجديرةُ بالحَياةِ، ف "أن تستقبل المجهول هو أن تستقبل الحياة" تقول مرشيد في آخر ما خَطّتهُ فِي "انْعتاقُ الرّغبة".
"انْعتاقُ الرّغبة" نَصّ نتمرّن فيهِ علَى الحرّية، كقيمة إنسانيّة سَامِية تَخترقُ شُخوصَ الرّوَاية وتَتحدّث بألْسنَتهِم. فَلكُلّ بَطلٍ منْ أبْطَالِها "حِكايَةُ انْعتَاقٍ"، حَرّرتْها مرشيد من شَرنَقَةِ الكتْمَان. لَكنّ أبلَغَهَا هيَ حكاية عز الدّين كمَا ذكرْنَا. "القَدرُ الجنسيّ" يتحوّلُ فضاءً للاختيارِ من خلال اختبارِ مدى قدرتنا أن نَكون مَا نَحن عَليْه، لا مَا تريُد الجُموعُ أنْ نَكونَه. هَكذَا تَصيرُ الهوِيّة استعدادًا للذّات لأَنْ تملكَ إرَادَتهَا الخَاصّة دون تفويتِهَا لِمَن هُو خارجٌ عنْهَا. بهذَا المعْنى ليست الهويّة مَا كنّاهُ، ولا هيَ مَا نحنُ عَليْه، وإنّما هيَ ما نحنُ قادرونَ أنْ نَصيرهُ. فأليْسَ الأمرُ رَمْيًا ب"الحَاضر" فِي مخالِبِ المُستقبَل؟ وألاَ يفضِي هذَا إلَى إعْدامِ الأمَلِ للرّغبةِ؟
فِي الأَمَلِ وَالرّغْبَة..
إشْكالُ الزّمَن مُلازمٌ لِسرْديّات مُرشيد. وفِي: "انِعتاقُ الرّغبةِ" استعادَةٌ فلْسفيةٌ لذاتِ الإشكالِ. بِحرْفَةِ النظّام تُؤشْكلُ فاتحَة "الزّمن" حينَما ترمِي ب"الأمَل" إلَى محَاورَة "الرّغبَة" منْ خلالِ "دَفاتِر عزِيزَة". بالنِّسْبَة لَهَا (له) فالرّغْبةُ لُغةُ الحَاضرِ، وثَاقٌ يشدّنا إلَى أنْفسِنَا، لَيْسَ الإنْسَانُ إِلاّ حيَوَانًا رَاغِبًا. أَن يَعيشَ الإنْسانُ رَغْبتَهُ معناهُ أن يعيشَ حاضرَهُ. ليست الرّغبةُ والحَالُ عَلى هذهِ الحَال إلاّ الحَاضر، هَكَذَا تَحدّثَت فاتِحة مُرشيد ظَافِرةً للرّغبَة من الأمَل. فَإنْ كانَت الرّغبةُ حركَة، وإنْ كانَت "هيَ الحَيَاة..وفِي انْعتَاقِهَا خلاصُنَا"، فمَا الأمَل؟
الأمَلُ عندَ مرشيد، إقَامةٌ في باحةِ الانْتظَارِ "عيشٌ في الغَد"، تَقسُو عَليْه كَثيرًا عندمَا ترى فيهِ حائلاً بيننَا وبيْنَ الحياة، تقولُ "الأملُ ليسَ هوَ الحياة، بلْ علَى العكْس، أحْيانًا يمْنعُنَا منْ أنْ نكون أحيَاء الآن، في انْتظارِ مَا قد لا يحدثُ"، فهلْ حقّا يكونُ الأَملُ انْتظارًا؟ أ هكذَا يكونُ قَدرُ أجملُ ما بقيَ لنَا منْ "عُلبَة بانْدورَا"؟
إنّ مَا سَبقَ أنْ قُلناهُ حولَ قُدرَة فاتحَة مرْشِيد على استِشْكالِ مواضيعِهَا، يسْري علَى هذا الإِشْكَال الوجُودِي: إشْكَالُ العَلاقَة بيْنَ الرّغبَةِ والأمَلِ. الأمَل ليسَ مجرّدُ انْتِظَار كَسَالى، ليسَ قنوطًا واسْتسلامًا وتحسّرًا، قدْ يكونُ قويّا أيضًا كالرّغبة تمَامًا. في "في حضرة الغياب" ينثرُهَا أمَامَنا درويشٌ فلسطينيٌّ كحبّات كرزٍ "الأَمل هو قوّة الضعيف المُسْتعصية علَى المُقايضَة. وفِي الأمل ما يكْفي من العافية لقطْع المسافة الطّويلَة من اللاّمكان الوَاسع إلَى المكان الضيّقِ".
لَيسَ الأَمَلُ رَجاءً، وإنمّا هوَ تأهّبٌ لعنَاقِ الممْكنِ، وتطلّعٌ لخلْقِ المَجهُول. إنّ الأمَلَ هوَ غدُ عز الدّين، وحاضرُ عزيزِة، وفِي اشْتبَاكِهِ بالرّغبةِ، يلحقُ تصدّعًا ب"الزمَن التقليدِيّ" الذِي يتوسطُ فيهِ الحَاضِرُ الماضيَ والمسْتقبَلَ، فلا يصيرُ الحاضرُ "آنًا"، بلْ إنّهُ يمْسِي تَرْكيبًا وُجوديًّا للأَنَا فِي آنَاتِهَا الثلاَث (الماضي والحاضر والمستقبل). الحَاضر ووفقَ تحْديدِ بعضِ معَاصرِينَا لهُ "ليلةٌ بلا غد" كَمَا زعَمَ درويش، لأنّ غدهَا آنهَا وحَاضرُهَا وإنْ "مرّ بنَا ومررْنا بِهِ ذات يوْم ولمْ نَنتبه" (محمود درويش، "في حضرة الغياب").
يظْفرُ الغدُ في النّهَايَة، وتَكتبُ "بياضَاتُ الرّوايَة" ظفرًا لرَغْبةٍ مسكونَةٍ بالأَمَل. كإطلالةِ "شوّافٍ" عَلَى "ورقِ الغد"، يَحكِي فَريدٌ لِقاءَ غَدهِ بفَادْيَة، ويلْتقِي فِي آخرِ المَطَافِ ب"الآتِي"، بالمجْهولِ، بالعَابرِ، أقصد لقَاءَه ب"صدْفَةِ مِيعادٍ" غيْر مُوضّب: لِقَاءَهُ ب"أنَاه" الذِي ضَاعَ منهُ فِي غمْرةِ ذوَبانِهِ فِي "عُلَب الحُشُود".
"المجهولُ يصرُّ علَى إثباتِ سُلطَتِهِ من جديد"، والأمَلُ كمَا الرّغبةُ بطَاقةُ بريدٍ قدْ تبْدو وَدِيعةً سَاكِنَةً، لكنّهَا قدْ تحرّكُ -باستقْدامهَا الغد إلَى حضْرَتِهَا- "بَاحةَ الانْتظَارِ" نفسِهَا.
*بَاحِث فِي الفَلْسَفَة والفِكْر المُعَاصِر
انقر
هنا
لقراءة الخبر من مصدره.
مواضيع ذات صلة
فَاتحة مرشيد في ضيافَة جمعية اتحاد أَصدقاء الفلسفة: لقاء ثقافي حول رواية «انعتاق الرغبة»
القراءةُ علاجاً في مَصَحّةِ «انعتاق الرّغبة»!
فاتحة مرشيد تقتحم عالم الأقليات الجنسية في رواية «انعتاق الرغبة
حوار معَ محمد حلمِي الرِّيشة
حيفا تحتفي بديوان (أُدَمْوِزُكِ وَتَتَعَشْتَرين)!
أبلغ عن إشهار غير لائق