قال فريق دولي من خبراء الجيولوجيا إنه من الممكن استغلال الحرارة الموجودة في باطن الأرض باستخدام استراتيجية من نوع جديد تتميز بانخفاض مخاطر حدوث هزات أرضية جراء استخراج الطاقة الحرارية الجوفية. طور فريق الباحثين طريقة لضغط المياه الضرورية لاستخدام الحرارة الجوفية في توليد الكهرباء وفي التدفئة في ظل ظروف تخضع لسيطرة شاملة. وقال الباحثون تحت إشراف جرزيجورز كواتيك، من مركز البحث الجيولوجي بمدينة بوتسدام الألمانية، إن هذه الطريقة يمكن أن تجعل الهزات الأرضية ضئيلة جدا لدرجة أن الإنسان لا يشعر بها، وذلك حسبما جاء في الدراسة التي نشرت نتائجها في العدد الأخير من مجلة "ساينس أدفانسيس" المتخصصة. وحسب هورست روتر، من الاتحاد الألماني للطاقة الجوفية، فإن ألمانيا ليس بها حاليا أي مشروع يمكن أن تستخدم فيه هذه الطريقة لمنع وقوع هزات أرضية. طور الباحثون طريقتهم من خلال مشروع St1 Deep Heat Oy، ، لاستخراج الحرارة الجوفية من خلال بئر عميق في المنطقة القريبة من مدينة هلسنكي. وحسب الباحثين فإن عمق هذا البئر بلغ 6.4 كيلومتر، مما يجعله أعمق مشروع على مستوى العالم لاستخراج الطاقة الحرارية الجوفية. ويستخدم المشروع طريقة البخار الجاف، والتي يتم خلالها ضغط المياه في الصخور أولا من أجل "تحفيز" الصخور في باطن الأرض، مما ينشأ عنه تصدعات خفيفة تنتقل من خلالها حرارة الصخور في باطن الأرض إلى المياه التي يتم سحبها بمضخات خاصة، ثم تنقل هذه المياه إلى أعلى عبر بئر تنقيب ثان، ثم استغلال طاقة المياه الساخنة. تعتبر الطاقة الحرارية الأرضية من ناحية المبدأ بديلا صديقا للبيئة لتوليد الطاقة، حيث إن مخزون الطاقة في باطن الأرض لا ينفد تقريبا، ويمكن استخدامه في تزويد المدن باحتياجاتها الأساسية من التدفئة والتيار الكهربائي. غير أنه من الممكن حدوث هزات أرضية خفيفة أثناء حفر آبار الطاقة الجوفية، وهي الهزات التي يطلق عليها الخبراء وصف "الهزات الأرضية المستحثة"، لذلك فإن هناك من وقت لآخر تحذيرات بشأن عنصر الأمان والسلامة في هذه الطريقة. ولكن فريق الباحثين تحت إشراف كواتيك جرب الآن إمكانية للحد من مثل هذه الهزات، حيث ضخ القائمون على المشروع في حزيران/يونيو و تموز/يوليو 2018 ، 400 إلى 800 لتر من المياه في الدقيقة الواحدة في الصخور على عمق 7ر5 إلى 1ر6 كيلومتر. وبلغت قوة الضغط في فوهة البئر عند الضغط 60 إلى 90 ميجا باسكال (600 إلى 900 بار). قاس الخبراء الهزات الأرضية المحتملة لهذا الضغط في المنطقة المحيطة بالحفر، باستخدام مجموعة أجهزة لقياس الزلازل، تم وضعها في تجاويف أرضية خاصة في 12 مستوى بدءا من عمق 2.2 إلى 2.6 كيلومتر. كما اعتمد الباحثون على بيانات أخرى لأجهزة استشعار للزلازل وضعت في تجاويف أرضية أخرى في محيط الحفر، على عمق يتراوح بين 0.3 و 1.15 كيلومتر، وسماعات أرضية على السطح بالقرب من البنية التحتية الحرجة. واعتمد مهندسو المشروع على هذه البيانات في ضبط كميات المياه وضغط المضخات. وبعد العمل بكميات مياه كبيرة وضغط مرتفع اعتمد الباحثون فترات استراحة بواقع ست ساعات يوميا. وكان الضخ يتوقف عند رصد زلزال بقوة 1.7 درجة أو أكثر، ولا يمكن للبشر الشعور بزلزال بهذه القوة على هذا العمق. قال الباحثون إن تحليل البيانات الزلزالية التي حصلوا عليها من شبكة السماعات الأرضية الموزعة في عمق الأرض وعلى سطحها أكد سلامة استخدام طريقة التحفيز. ورغم إشارة الباحثين إلى عدم إمكانية سحب نتائج الدراسة الرامية لتجنب وقوع أحداث زلزالية أكبر بشكل مباشر على صخور مناطق أخرى، إلا أنهم يعتقدون بأن المنهج و الطريقة اللتين تم تطويرهما خلال هذا المشروع البحثي، يمكن أن يكونا صالحين أيضا لمشاريع أخرى، من أجل الحد من مخاطر وقوع زلزال. أشاد هورست روتر، من الاتحاد الألماني للطاقة الجوفية، والذي يعمل أيضا أستاذا في جامعة بوخوم، بمستوى الجودة العالية للدراسة، وقال: "إنها تمت وفقا لآخر ما توصل إليه العلم وراعت بشكل مفصل المعطيات الجيولوجية في منطقة المشروع". غير أن الخبير الألماني أكد عدم إمكانية تطبيق النتائج التي توصلت إليها الدراسة على مشاريع الطاقة الجوفية في ألمانيا، والبالغ عددها حاليا 38 مشروعا، وذلك لأن المشاريع الألمانية تستخدم طريقة أخرى، وهي طريقة النظام الحراري الهيدروليكي، والذي يستخرج من خلاله مياه ساخنة من أعماق الأرض، دون ضخ مياه في الصخور الجوفية تحت ضغط عال، كما يحدث في طريقة الطاقة الحرارية الأرضية المستخدمة في هلسنكي. *د.ب.أ