تصعيد غير مسبوق تشهده مخيمات تندوف هذه الأيام، إذ أقدمت سلطات جبهة البوليساريو الانفصالية على محاصرة الساكنة المحلية بالدبابات العسكرية والأسلحة الثقيلة، في مقدمتها مدرعات "BMP-1"، بعدما قطعت الطريق الرئيسي المؤدي إلى مخيم الرابوني، الأمر الذي أعاق حركة المرور، للمطالبة بحرية التنقل والعيش الكريم. وتعود تفاصيل الاحتجاج الذي بات يُعرف محليا ب"مُحْتجّي لائحة گزوال"؛ أي احتجاج حرية التنقل، إلى أزيد من ثلاثة أسابيع، بسبب خطة الترخيص الأخيرة التي تبنتها الجبهة الانفصالية، القاضية بتحديد عدد سيارات المهنيين المسموح لها بالعبور إلى موريتانيا ومنطقة ما وراء "الجدار الأمني" بالصحراء المغربية. غياب الحوار من قبل قيادات الجبهة الانفصالية دفع المحتجين إلى إغلاق مقر ما يسمى "وزارة الداخلية" بعد سلسلة اعتصامات متوالية، مستخدمين في ذلك مجموعة من الآليات والشاحنات، لينتقلوا في ما بعد إلى المدخل الرئيسي لمخيم الرابوني، وأقدموا على إغلاقه أيضا بفعل "تجاهل مطالب الساكنة". أمام هذا الغليان الداخلي، لاسيما أنه تزامن مع قرب استصدار قرار مجلس الأمن الدولي، الإثنين المقبل، لجأت الجبهة الانفصالية إلى الاستعانة بالسلطات العمومية في البداية لتفريق المحتجين، لكنها لم تنجح في فض الاعتصام، ما أجبرها على استدعاء فرقة عسكرية من الجيش، تتشكل من المدرعات الحربية والأسلحة الثقيلة، بغية تطويق الشكل الاحتجاجي. وحسب وسائل إعلامية مقربة من جبهة البوليساريو فإن قوات الجيش مازالت مرابطة في المكان إلى حدود كتابة هذه الأسطر، مع استمرار احتجاجات الساكنة المحلية في المقابل، الأمر الذي أثار انتقادات كبيرة بخصوص "إقحام الجيش في القضايا الداخلية للمخيمات"، مثلما ذكر أحد المحتجين. في هذا الصدد، قال نوفل البعمري، الخبير في قضية الصحراء، إن "المخيمات تعيش على وقع تحركات الميلشيات، منذ الجمعة الماضي، لمحاصرة المحتجين الذين أعلنوا تنظيم سلسلة احتجاجات كبيرة بمختلف مخيمات تندوف، من أجل حقهم في التنقل"، مشيرا إلى كون الجبهة "واجهتها بتحريك آليات عسكرية ثقيلة". وأضاف البعمري، في تصريح لجريدة هسبريس الإلكترونية، أن "الوضع خطير ومؤشر على تحول في تعاطي البوليساريو مع مختلف التحركات التي يقوم بها المحتجون، والتي تتزامن أيضا مع القمع الذي يطال الشباب الجزائري؛ فالوضع بالمخيمات لا يمكن فصله عما يحدث بالجزائر من تطورات سياسية". وأورد الحقوقي أن "تحريك الآليات المليشياتية لا يمكن أن يتم دون دعم وموافقة النظام الجزائري، خاصة جناحه العسكري الذي سيطر على الحكم؛ وكان دائما يستغل ورقة المخيمات في صراعه الداخلي حول السلطة"، مبرزا أنه "كلما اشتد الضغط على عسكر الجزائر سيزداد القمع بالمخيمات، ومما يزيد الوضع خطورة هو غياب أي حماية دولية لساكنة المخيمات". وختم المتحدث تصريحه بالقول: "لولا الصور التي يتم التقاطها خلسة وتسريبها من المخيمات، لما عرف العالم ما يحدث هناك من هذا التحول، الذي يؤكد أن قيادة الجبهة لن تتورع في قتل ساكنة المخيمات واستعمال الأسلحة الثقيلة، للحفاظ على مصالح النظام العسكري الجزائري".