فواكه فيسبوك يعتبر هذا المرهم بمثابة آخر اكتشافات علم الصيدلة. إنه الدواء الذي يبحث عنه الجميع، بل هو الدواء السحري. هذا يعني أنه الدواء الذي يشفي جميع الأمراض، بدءا من القلق إلى اليأس مرورا بأمراض أخرى كفقدان الثقة وفقدان القيمة وانحسار اﻷفق والاكتئاب المزمن والبطالة الطارئة وكل أشكال البطالة الأخرى، دون أن أنسى الافتتان بالذات والأنانية والغرور وانفصام الشخصية، واكزيما الروح التي تشبه الحفر في جدار قبو سجن بملعقة مدببة، والإسهال في الكلام الذي يشبه ذاك الذي يعقب تناول وجبة رديئة، والذي يرتبط فقط بالرغبة في الظهور كسحب صغيرة تتمنى قدوم الرياح. لا يجدر بي أن أستثني من هاته الانتكاسات التي يعالجها هذا المرهم داخل مستشفيات فيسبوك جحود الأصدقاء، والموت المبكر للأبوين، والطلاق، وعدم التوافق بين الأزواج، وقلة التحصيل الدراسي وتدني الفهم لدى التلاميذ، وسوء الطالع لدى التجار المبتدئين الذين ليسوا سوى جشعين هواة، والرهاب الذي يشبه ذاك الذي يصيب الناس في الأماكن المغلقة، وقلة الشأن، وتوالي الأيام الممطرة، وتعاقب سنوات الجفاف. وأستطيع أن أضيف إلى ذلك تحذلق السياسيين الجدد الشبيهين بسلوقيين مدربين بشكل جيد، والمدججين بالأكاذيب المليئة بكتل هائلة من الصلافة وانعدام اللياقة. كما لا يجب أن أغفل أن هذا المرهم يعالج أيضا تبرم الآباء وعقوق الأبناء، وتفشي الحروب بشكل مثير للغثيان، واختفاء القيم كاختفاء فص ملح داخل كأس مليء بالماء الساخن، وفجور كل شخص طارئ على حياة الأضواء كتلك التي تخص المشاهير بينما هو ليس سوى وكيل بلدية أو جماعة قروية يريد احتكار المشاعر وأكياس المحبة التي يتم توزيعها بالمجان في الأسواق الممتازة المستحدثة بشكل مستعجل مثير للشفقة. تستطيع أن تخلصك لايكات فيسبوك أيضا من ضربات فؤوس الجيران الذين يوسعون شققهم، كأني بهم غير راضين عن مساحتها وتصاميمها. وهي الضربات التي تهشم قيلولتك بشكل فادح. كما أنها تضفي القدسية على شهادات الزور التي يقترفها أناس يدعون أنهم نقاد أدبيون أو سينمائيون وهم ليسوا سوى محامين فاشلين يشتغلون بدون تراخيص مؤسساتية. يضاف إلى ذلك أنها تقضي تماما على الفشل العاطفي الأشبه بالفشل الكلوي. وتضفي رونقا لا يضاهى على الأسفار المملة التي لا تضيف أي شيء لماضي الشخص أو لحاضره إلا إذا اعتبرناها كتوابل النميمة التي تجري في المقاهي وقبالة تلفزيونات مصابة بداء الحصباء وأخرى مصابة بداء الكساح وأمراض أخرى تعرفونها... كل هذا يمكن أن يشفى بقليل من المحبة إن نحن اتبعنا تعاليم حكيم يوناني اسمه أرسطو. أرسطو الذي دعانا جميعا إلى محبة بعضنا البعض. لقد اعتبر أن انتشار المحبة داخل المجتمع سينهي الخصومات داخله. لذلك لن نحتاج إلى عدالة القوانين مادامت عدالة المحبة هي التي ستسود في الختام-لقد كان يعني في الحقيقة صداقة الفضيلة التي ستخلصنا من صداقتي المصلحة والمتعة اللتين أصبحتا بمثابة شعار للمرحلة التي نمر منها ونحن نحمل فؤوسا أشد مضاء لقطع دابر كلام هذا الحكيم اليوناني العميق-ولكننا في الواقع نحاول مداواتها بمرهم اللايكات الأسطوري. من هو مكتشف اللايكات إذن؟ من جعلنا نغوص في هذا المستنقع الشهي؟ من دفعنا إلى التقهقر إلى آخر درجة من درجات الإنسانية؟ إنني أفكر بشكل جاد في لايكات فيسبوك وأدرك أن الجميع يحتاجها. حيث هناك خدع كثيرة لتكثير سواد الأتباع وضمان الكثير من المؤيدين. بل هناك من يهدد بطرد الضيوف الثقلاء من صفحته لأنهم لا يبدون أي اهتمام بصنيعه وبصولاته الصباحية والمسائية التي لا تتوقف. إنه يشترط عليهم الاحتفاء به والترنم بمزاياه الكثيرة وإخبار الآخرين بها وإلا سيطوح بهم في سماء الفضاء الأزرق دون أي رجعة لمجالسته ومسامرته. يعلن أنه سينتقم منهم شر انتقام. سيخصص لهم جزء من وقته في مساء ما، وذلك حينما سيهنأ باله. سينقب عن الآثمين والمتقاعسين وناكري النعمة الذين قبل بصداقاتهم على مضض، معيرا إياهم بأن الواقفين على بابه والذين يخطبون وده هم أكثر من الجالسين على قلبه، لا يتزحزحون عنه مثيرين قلقه وكآبته. إن الأمر يصل بالبعض إلى اتهام الغافلين عن مروره المتكرر أمام أعينهم دون تمتيعه بتحاياهم وبأمداحهم، بأنهم سيتحملون مسؤولية تضخم همهم الداخلي وعوزهم، وربما طلاقهم من زوجاتهم ورسوب أبنائهم في امتحان البكالوريا وكساد تجارتهم. أحيانا يطلقون الشتائم وفي أحايين أخرى يشرعون في التخلص من الجنود غير المخلصين. يعلنون ذلك أمام الجميع مهددين البقية الباقية. فتجد مباشرة بعد ذلك شآبيب اللايكات تتقاطر عليهم وهم ينفخون ريشهم كطواويس تنجز مراسيم الازدهاء المسائية. لقد جاء زمن المبايعات التي تتم عن طريق البعث بالمزيد من اللايكات والدخول في حوزة الشيخ المتعالي الذي يمتلك سطوة لا يمكن تجاهلها. لكنه شخص يطمع في المزيد من الفتوحات. يصبح مستثارا أكثر حينما تصله طلبات صداقة كثيرة لا يستطيع قبولها لأن قائمته أصبحت ممتلئة عن آخرها. يعلن عن ذلك في كل مناسبة يجدها سانحة، إذ يختار لذلك فترة الذروة حيث يرى على لائحة المتصلين أكثر من مئة متتبع. حينئذ يطلق وصلته الاشهارية التي تشبه وصفة طبية لا تحتمل التأخير. يتم ذلك بشكل متكرر من قبل أشخاص مغمورين وحديثي العهد في مدرسة فيسبوك، مثلما يتم من قبل أشخاص مشهورين على حد سواء. هاته المدرسة التي تستقطب أكثر مما تستقطب كل مدارس الكون. مدرسة بدون جدران مثلما حلم بذلك سقراط. مدرسة متخمة بالتسلية واللغط الجميل. مدرسة تتسع لكل الأطياف والتوجهات مثل أغورا يونانية قديمة. هناك تستطيع أن تبقى مع أصدقائك إلى آخر رمق من اليوم دون أن تسمع كلمة تأنيب واحدة. هناك تختفي الرقابة الجائرة التي عانت منها أجيال متعاقبة. ولكن هل يمكن العيش بدون رقابة؟ أية سلطة سيمتلكها الآباء المستقبليون؟ أية أخلاق ستسود في المستقبل؟ لقد اكتشفت أن هاته اللايكات مهمة فعلا في ظل الانحباس العاطفي والإنساني وتكلس القلوب، لكن ماذا لو فكرنا في أن نحب بعضنا قليلا بدل هذا الانبهار بهاته اللايكات السخيفة التي أصبحت تخرب سكوننا وسكون الكون؟ إن هاته اللايكات داء وليس دواء. إن الأمر إذن يتعلق بمرض جديد يحصد شهرة مرض لا يقل خطورة عن داء فقدان المناعة المكتسبة. إنه مرض العصر التكنولوجي الذي وصل إلى قافيته الممجوجة والمبتذلة. مرض ينتشر كالنار في الهشيم بعد أن انحسرت جيوش العاطفة بدون رجعة، وأصبح التزلف والزيف والرياء بمثابة عناوين جديدة لحياة تسير بسرعة مجنونة إلى الوراء. تستيقظ صباحا وتذهب إلى فيسبوك. تلقي السلام أو لا تلقيه ثم تنخرط في كشوفاتك غير الجغرافية بشكل جدي وحازم. إنك تنقب طيلة الوقت عن شيء ما، لكنك لا تعرف كنهه. رغم ذلك تظل تنقب إلى حين انصراف الزبائن من المقهى. في فيسبوك يتبنى الجميع أطروحة الحزم والإقبال الذي لا إحجام فيه، والذي لا يلوي على شيء. هناك تجد التضرعات والشكاوى والبوح الكثير والثرثرة الجميلة وغير الجميلة وطلبات المساعدة الجادة وغير الجادة. تجد أيضا أناسا يعرضون حياتهم الخاصة كلها على أنظار الناس، كما يعرضون أنفسهم للخطر من أجل الضفر بالمزيد من هاته اللايكات الشهية الشبيهة بمقبلات الأكل المستساغة في كل الأوقات. يتم ذلك من أجل رفع المعنويات ومعدل الإقبال على الحياة. إضافة إلى ذلك تجد دعوات إلى مآتم وحفلات واجتماعات غير سرية وأسواق تكتشف لأول مرة وسرادقات أكل ومسابح ممتلئة عن آخرها بطالبي اللجوء السياحي. تجد بعضهم شاردا ونحيلا ومغلوبا على أمره ويعاني من الأمراض والويلات ويشرف على السقوط في هاوية أو يعاني من كثرة الديون وضيق ذات اليد وانعدام الأهل، كما تجد المرائين والمتكبرين والسفلة والقابضين على أرواح الناس والمارين مرور الكرام، والذين يطلقون عواءات لا تختلف عن تلك التي تطلقها الذئاب، وآخرون يأكلون وجباتهم السريعة أو تلك التي حصلوا عليها مجانا في مهرجان محلي لتسويق العسل والمربى، وقلة ترتدي طاقم ملابسها الفاخر المعد لمناسبات كهاته. كما تجد أيضا عارضي أزياء محليين وممتهني الحرف التقليدية. في فيسبوك يحلم الناس أكثر ويحزنون بشكل خرافي لا قبل لهم بإتيانه في جنبات الحياة الواقعية. كثيرون يمارسون طقوس الزينة بعد تعفن الشوارع العامة وتحولها إلى أسواق شعبية تعج باللصوص والمحتالين. إنه كباب قصر سنمار المسكين الذي نال جزاءه من لئيم. يشبه فيسبوك إذن بابا للنجاة. إنه باب حقيقي للنجاة من أحابيل الحياة ومآزقها. هو أشبه ما يكون بكنبة صغيرة في شرفة عالية للتفرج على العابرين والمتنزهين. لقد أصبح هذا الفيسبوك حديقة حقيقية بعد أن تحولت مدننا إلى أماكن منكوبة شوهتها أطماع البعض وغياب الذوق العام. مدن بدون طعم كفواكه الأسواق الممتازة. لذلك فإنه يفي بالغرض مادام هو المكان الوحيد الذي يمكنك التجول فيه الآن بسلام. إنه مكان فسيح يقدم المساعدات للجميع ولا ينسى أحدا. كما لا يضيق بأحد. إنه يذكرني مرة أخرى بالأغورا حيث كان الناس سواسية ويتحدثون بحرية ولا ينتظرون مباركة من أحد. في ساحات فيسبوك تكفي مباركة اللايكات. الجميع يتحدث هناك. يتحدث الجميع في لحظة واحدة. البعض يتحدث كي يقول شيئا معينا والبعض يتحدث كي لا يقول أي شيء. إنها الفرصة التعبيرية الأخيرة قبل الانصراف للتفكير في شؤون الموت. هناك من يعلن عن ذلك صراحة بحيث يقدم اعتذارات لأصدقائه ويوصيهم خيرا بأنفسهم ويذكرهم باللحظات الجميلة التي جمعتهم إبان أيام الطفولة أو مرحلة التعليم الثانوي قبل أن يخر مغشيا عليه في دروب فيسبوك. لكن اللايكات تنقذه من الموت بعد أن تنهال عليه دعوات العودة إلى حلبة السباقات المحلية التي تباركها موجات الوايفاي. يتوسلون إليه بكل شيء عزيز على قلبه لثنيه عن السفر المبكر إلى مفازات الموت. يوهمونه بأن الحياة ستكون أجمل، وأن الأطفال سيكبرون بسرعة ليتكفلوا بتشجير طرقات هاته الحياة المقفرة والفارغة. يكتبون له بعض الرسائل الخاصة المليئة بالوعظ والدعوة إلى تقديس الحياة ثم يطلقون النكات القديمة لتكييف الأجواء وشفط التوتر والقلق، ثم بعد ذلك تعود الطاحونة الهوائية إلى الدوران. ألا يسعنا الآن إذن مدح فواكه فيسبوك؟ ألم يكن فيسبوك سببا في انتشار موجة القلق وانحسار الأفق الإنساني وانتشار إكزيما الروح؟ لقد ابتعدنا عن بعضنا البعض رغم أننا قريبون ومزدحمون في الرقعة الجغرافية نفسها. أصبحنا كعلامات تشوير وحيدة في طرقات غير مصنفة. بالكاد نحن نشير إلى شيء ما. وقد لا نشير إلى أي شيء. فحتما سيأتي حداد وسيفصل المثلث المضحك المليء عن آخره بأسماء أعداء افتراضيين بمطرقة خرافية ويمضي منتشيا بانتصار شبيه بانتصارات نابوليون بونابرت، بينما تكون الإنسانية قد تراجعت خطوتين إلى الوراء. لقد تحول الناس إلى مجرد أزرار صغيرة في قميص العالم. أزرار بالمقاس بنفسه وباللون نفسه دون أن تربط بينها أية علاقة تذكر. إنها أشبه ما تكون بنقط تصطف على مستطيل في كراسة تلميذ. بينما يتبجح الجميع بنعمة الوجود، فان الذي يليق بهم هو العدم. *كاتب وقاص مغربي