بعد قرون من النسيان، عادت الحياة إلى الموقع الأثري "ليكسوس" الواقع بمدينة العرائش، بعد تدشين محافظة الموقع الذي يعدّ من أقدم الحواضر في المغرب؛ إذ يعود تاريخه، حسب النصوص الإغريقية والرومانية، إلى نهاية القرن الثاني عشر ما قبل الميلاد. وتعتبر ليكسوس من أقدم الحواضر في المغرب وفي غرب البحر المتوسط، وكانت تغطي مساحة 14 هكتارا. ويضم موقع ليكسوس عددا من الآثار ما زالت شاهدة على انفتاح المغرب على المحاور التجارية المتوسطية والتفاعل الثقافي مع الثقافات والحضارات المتعددة. محمد الأعرج، وزير الثقافة والاتصال، الذي افتتح محافظة موقع ليكسوس، قال إن هذا الموقع الأثري العريق "يحتل مكانة متميزة في مشهد المغرب القديم، لكونه أعرق الحواضر بالمملكة وأحد أقدم وأنشط المراكز الحضرية في زمانه على مستوى البحر الأبيض المتوسط، وهو بذلك يجسد نموذجا حيا لعراقة تراثنا وأصالة مجده التليد". وكانت ليكسوس الواقعة على ضفة وادي لوكوس، في بداية نشأتها، عبارة عن مركز تجاري، ثم تطورت إلى مدينة تُصدّر منها المنتجات المحلية وتستورد إليها المواد القادمة من الخارج، وكانت مركزا تجاريا كبيرا في منطقة غرب البحر الأبيض المتوسط. وتؤكد المعطيات الأركيولوجية أن مدينة ليكسوس انتعشت وربطت علاقات تجارية مع القرطاجيين ومع مناطق بشرق المتوسط خلال الفترة ما بين القرن الثالث قبل الميلاد وسنة 40 ميلادية، كما عرفت تطورا عمرانيا تحت حكم الملوك الموريين من خلال بناء المنازل ذات الصحن الداخلي والأزقة المبلطة بالحجارة المنقوشة، بالإضافة إلى البنايات العمومية والأسوار الدفاعية. وأوضح وزير الثقافة والاتصال أن موقع ليكسوس الأثري "يحمل كل مكونات ومؤهلا التراث العالمي ويضعنا أمام مسؤولية وطنية جسيمة تستدعي استنهاض الهمم وإحكام المقاربة لحفظه على أصالته للأجيال القادمة، ورد الاعتبار إليه والتعريف به". وأضاف أن افتتاح الموقع بتهيئة جديدة ومندمجة يؤسس لبداية مرحلة مختلفة من إدارة وتدبير المواقع الأركيولوجية. مرحلة قال الأعرج إن معالمها سُطرت بعد سنتين من التشخيص والمعاينة الميدانية لواقع حال المواقع الأثرية التابعة لقطاع الثقافة، بيّنت ملحاحية الاهتمام بها وصيانتها. وشدد الأعرج على أن صيانة وحفظ المآثر التاريخية يجب أن يكون من باب جعلها رافعة رئيسية للتنمية، معتبرا أن حفظها فقط "لضرورة الصيانة واحترام الماضي دون الحرص على ربطها بمنافع يستفيد منها المجتمع والاقتصاد المحلي والوطني أصبح أمرا متجاوزا لن يفضي في النهاية سوى إلى فوائد محدودة قياسا بالمال والجهد المستثمريْن". وأشار وزير الثقافة والاتصال إلى أن التجارب الرائدة في عدد من الدول أكدت أن حماية التراث الثقافي وتأهيله يمكّنا من المساهمة المباشرة في تحقيق جزء كبير من أهداف الرخاء المستدام، مبرزا أن التراث الأركيولوجي والثقافي يشكل موردا غير متجدد يجب حمايته وإدارته بكل عناية من خلال وضعه في مكانه الصحيح بوصفه أولوية في برامج العمل التنموي وليس استثناء مناسباتيا أو ترفا فكريا. وأعلن الأعرج أن وزارته بصدد إعادة النظر في الهيكل التنظيمي لقطاع الثقافة، حيث ستوكل مهام جديدة لمديرية التراث الثقافي ومصالحها الخارجية، يوازيها تحديث وتحيين المنظومة التشريعية الخاصة بالتراث وزيادة في الميزانية المخصصة لتدبير وتثمين المواقع الأثرية والمعالم التاريخية. وكشف وزير الثقافة والاتصال أن قطاع الثقافة بصدد التحضير لإجراء استشارة وطنية حول التراث الثقافي على منوال الاستشارة الوطنية حول الثقافة والتنمية المستدامة التي نظمتها الوزارة سنة 2014، لتجميع وتحليل التصورات، يساهم فيها كل الفاعلين الذين لهم صلة بالتراث الثقافي لبلورة تصور يتجاوب مع متطلبات التدبير العصري للتراث الثقافي المغربي. وختم الأعرج الكلمة التي ألقاها بمناسبة افتتاح موقع ليكسوس بأن العمل بالموقع لم ينته بعد، "ذلك أن مكنونات الموقع الأركيولوجية ومؤهلاته الاقتصادية يمكن أن تبوئه بيسر تتويجا عالميا من قبل اليونيسكو"، مضيفا أن هذا الهدف هو مطمح الوزارة على المدى المتوسط، مبرزا أنه أعطى تعليماته لوضع برامج تنقيب أثري سنوية بالموقع تخصص لها ميزانية قارة للكشف عن أجزائه الهامة لتسليط الضوء على جوانب من تاريخ الموقع والمنطقة. كما أعلن الأعرج أنه سيتم إحداث مدخل جديد إلى موقع ليكسوس لتسهيل الولوج عبر الطريق السيار، بالإضافة إلى مجموعة من أشغال التهيئة الداخلية التي ستوفر شروط الراحة والاستفادة والاستمتاع بما يتيحه الموقع على الصعيدين التراثي والبيئي.