بمدينة العرائش، أشرف السيد محمد الأعرج، وزير الثقافة والإتصال، عشية أمس السبت، على افتتاح محافظة الموقع الأثري "ليكسوس" في حلته الجديدة، بعد تهيئته،وهو الموقع الأثري الذي يحتل مكانة متميزة في مشهد المغرب القديم، لكونه أعرق الحواضر بالمملكة وأحد أقدم وأنشط المراكز الحضرية في زمانه على مستوى البحر الأبيض المتوسط. وترجع أصول ليكسوس إلى نهاية القرن الثاني عشر قبل الميلاد، تاريخ الاستقرار الفينيقي بها و بناء معبد إلههم "ملقارط"، حيث كانت تغطي مساحة تقدر ب 14 هكتار، حيث تطورت مدينة ليكسوس لتتحول من مجرد مركز تجاري على ضفة واد لوكوس إلى مدينة قائمة بذاتها. هذا التطور لم يكن ناتجا فقط عن تصدير المنتجات المحلية أو إعادة تسويق المواد المستوردة، بل لأنها تمكنت من احتكار تجارة المنطقة بأكملها ما جعل سكانها يعيشون في رفاهية تجلت بالأساس في استعمال مواد و مشغولات من الطراز الرفيع مستوردة من شرق المتوسط مثل فينيقيا و اليونان و قبرص. في الفترة المورية و التي تمتد من أواخر القرن السادس ق.م. إلى سنة 40 ميلادية ، تؤكد المعطيات الأركيولوجية انتعاش المدينة وربطها علاقات تجارية مع القرطاجيين ومع مناطق بشرق المتوسط. فيما بين القرن الثالث ق.م و 40 ميلادية، على غرار باقي موريطانيا الغربية (شمال المغرب حاليا). خلال هذه المرحلة، عرفت ليكسوس تطورا عمرانيا تحت حكم الملوك الموريين من خلال بناء المنازل ذات الصحن الداخلي و الأزقة المبلطة بالحجار المنجورة بالإضافة إلى البنايات العمومية و الأسوار الدفاعية. خلال الفترة الرومانية، عرفت المدينة أوج اتساعها محاكيتا بذلك أهم مدن الإمبراطورية الرومانية، حيث شيدت بها العديد من البنايات العمومية من حمامات و معابد و محكمة ومسرح دائري و أسوار دفاعية و حي صناعي مختص في تمليح السمك، بالإضافة إلى منازل فخمة مزينة بالفسيفساء و الرخام و التماثيل و اللوحات الفنية الحائطية المصبوغة. وعقب أزمة عامة شاهدتها الإمبراطورية، واكبها التخلي عن جنوب ولاية موريطانيا الطنجية، بقيت ليكسوس تحت حكم الرومان إلا أنها عرفت انكماشا اقتصاديا صاحبه تقلص لتعداد سكانها ما دفع لبناء سور جديد بعد هجر أحياء مهمة منها. منذ نهاية القرن الثالث الميلادي، دخلت ليكسوس فيما يسمى بالقرون المظلمة ما بين القرنين الرابع والثامن الملاديين، المعلومات المتوفة تؤكد استمرار المجمع الصناعي في الاشتغال إلى حدود أوائل القرن الخامس الميلادي، كما استقر بالمدينة مسيحيون قبل دخول المسلمين إليها، و بقي الاستقرار بالمدينة التي أصبحت تحمل اسم "شميس" إلى حدود القرن الرابع عشر ميلادي حيث عرفت في إحدى فتراتها استقرار أمير إدريسي بها وقد كانت عامرة و محاطة بأسوار حسب رواية أبو عبيد الله البكري. على المستوى الأركيولوجي، تم الكشف بليكسوس عن منزل و مسجد علاوة على كمية معتبرة من اللقى الأثرية التي تعود إلى الفترة الإسلامية و خاصة الموحدية و المرينية. وفي معرض حديثه حول هذا الحدث البارز، قال وزير الثقافة والإتصال، السيد محمد الأعرج، أن "هذه اللمحة التاريخية المقتضبة عن هذا الموقع الذي يحمل كل مكونات ومؤهلا التراث العالمي يضعنا أمام مسؤولية وطنية جسيمة تستدعي استنهاض الهمم و إحكام المقاربة لحفظه على أصالته للأجيال القادمة، ورد الاعتبار له و التعريف به .لقد كان قلقي كبير و أنا أكتشف وضع النسيان و البلى الذي ألم بموقع ليكسوس. و هو ما كان حافزا للعمل لمواجهة الوضع بإصرار بالغ السرعة لتلافي الأضرار التي كانت ستكون لا محالة جسيمة". وتابع المتحدث قائلا "إن افتتاح هذا الموقع، بتهيئة جديدة و مندمجة يؤسس لبداية مرحلة مختلفة من إدارة وتدبير المواقع الأركيولوجية، مرحلة ارتأيناها بعد سنتين من التشخيص و المعاينة الميدانية لواقع حال المواقع الأثرية التابعة لقطاع الثقافة، والتي تبين لنا من خلالها أن مجهودات الحفظ لضرورة الصيانة واحترام الماضي فقط دون الحرص على ربطها بمنافع يستفيد منها المجتمع والاقتصاد المحلي والوطني أصبح أمرا متجاوزا لن يفضي في النهاية سوى لفوائد محدودة قياسا بالمال و الجهد المستثمرين". وفي ذات السياق، أكد وزير الثقافة "لا بد أن استحضر مقتطف من رسالة صاحب الجلالة الملك محمد السادس نصره الله الموجهة للمشاركين في الدورة 23 للتراث للجنة التراث العالمي بمراكش في 26 نونبر من سنة 1999 حيث أكد جلالته أنه لابد أن نؤكد مرة أخرى على ضرورة اعتماد رؤية ديناميكية بخصوص هذه الحماية قوامها إدماج تراثنا في مشاريع التنمية وليس فقط تحنيطه في إطار رؤية تقديسية للماضي".