ترد على مصلحة التوثيق لدى سفارة المملكة المغربية بروما مجموعة من الإشكاليات ذات الصلة بقضايا الزواج والطلاق وهي إشكاليات مرتبطة في أساسها بمسألة تنازع القوانين عموما وتنازع مقتضيات مدونة الأسرة المغربية وقانون الأسرة الإيطالي على وجه الخصوص. ولعل من أبرز ما يثار بهذا الشأن، مدى القيمة القانونية للطلاق الاتفاقي المدني، المبرم أمام ضابط الحالة المدنية وحجيته أمام قاضي الأسرة المغربي كما لو أدلي بذلك الطلاق الأجنبي مثلا من أجل استصدار الإذن بالزواج أو أدلي به كذلك أمام قضاء الموضوع الأسري عموما في إحدى الدعاوى التي يحتاج في إثبات فصولها إلى الاستناد إلى رسم الطلاق. ولا شك أنه في غالب تلك الحالات التي يحتاج فيها إلى الاستدلال بعقد الطلاق الاتفاقي الواقع بالديار الإيطالية، يضطر طرفاه أو أحدهما إلى تقديم دعوى من أجل تذييله بالصيغة التنفيذية تطبيقا لمقتضيات المادة 128 من مدونة الأسرة والفصول 430، 431 و432 من قانون المسطرة المدنية. وسعيا من المملكة لتذليل الصعاب التي قد تنجم عن تنازع القوانين بين تشريعها الداخلي وتشريعات بلدان أخرى لاسيما تلك التي تحتضن أفراد الجالية المغربية، فقد عملت منذ الاستقلال على إبرام اتفاقيات ثنائية ومتعددة الأطراف للتعاون القضائي كما هو الحال مثلا بالنسبة للاتفاقية المبرمة مع الجمهورية الإيطالية (اتفاقية التعاون القضائي المتبادل، المبرمة بين المملكة المغربية والجمهورية الإيطالية بروما بتاريخ 12/02/1971 الصادر بشأنها الظهير الشريف رقم 1.75.242 بتاريخ 12/04/1976 المنشور بالجريدة الرسمية عدد 3317 بتاريخ 26/05/1976، ص. 1783 والمعدلة بالاتفاق الإضافي الموقع بالرباط في فاتح أبريل 2014 والذي تمت الموافقة عليه بموجب القانون رقم 66.14 الصادر بتنفيذه الظهير الشريف رقم 1.15.99 بتاريخ 04 أغسطس 2015، المنشور بالجريدة الرسمية عدد 6387 بتاريخ 17/08/2015، ص. 7072)، والتي أفردت ضمن الجزء الثالث منها فصولا بذاتها لمسألة التنفيذ فوق تراب الدولة الأخرى، بالنسبة للأحكام الصادرة في القضايا المدنية والتجارية وكذا بالنسبة للعقود التوثيقية. وباستقراء المقتضيات القانونية ذات الصلة، وانطلاقا من مفهوم السيادة القضائية لكل دولة، يمكن القول إن تذييل الحكم الأجنبي (أو العقد الأجنبي)، يقصد به تلك المسطرة القضائية التي تخول السند المذكور قوة النفاذ فوق التراب الوطني المغربي، باستصدار حكم قضائي بمنحه الصيغة التنفيذية كما لو كان صادرا ابتداء عن المحاكم المغربية (أو كان العقد مبرما من طرف موظف عمومي مغربي) بعد مراقبة استيفائه للشروط الشكلية والموضوعية التي تضمنتها المادة والفصول المذكورة وكذا الاتفاقيات الدولية المنظمة للمسألة. لعل من المفيد إذن مقاربة هذه الإشكالية، كمحاولة لرفع بعض العنت الذي قد تفرزه هكذا حالة من التنازع بين القانون الداخلي والقانون الأجنبي مع ما ينجم عن ذلك من عراقيل إدارية بالنسبة لأفراد الجالية المغربية المقيمة بالخارج، وهو أمر جاءت مدونة الأسرة حتما لتجاوزه. ولتحقيق ما ذكر، سوف نحاول بداية تحديد الإطار القانوني المنظم للطلاق المبرم أمام ضابط الحالة المدنية الإيطالي (أولا) ثم مناقشة حيثيات حكم ابتدائي نعتقد أنه يعكس موقف العمل القضائي الأسري ببعض محاكم المملكة إزاء مسألة تذييله بالصيغة التنفيذية (ثانيا). أولا، الإطار القانوني المنظم للطلاق الاتفاقي المبرم أمام ضابط الحالة المدنية الإيطالي إن الإطار القانوني المذكور يجد أساسه في مقتضيات القانون رقم 132 الصادر بتاريخ 12/09/2014 (المنشور بالجريدة الرسمية عدد 212 بتاريخ 12/09/2014) والذي دخل حيز التنفيذ بتاريخ 13/09/2014، وتضمن تدابير مستعجلة من أجل نزع الطابع القضائي (degiurisdizionalizzazione) عن بعض المساطر في المادة المدنية كما نص في فصله الثالث على المقتضيات التي تم سنها بهدف تبسيط المساطر) (Disposizioni per la semplificazione dei procedimenti في الدعاوى المتعلقة بالانفصال الجسماني أو بإنهاء العلاقة الزوجية. وفي هذا الإطار، نص الفصل 12 من القانون المذكور على أنه: » مكن للزوجين أن يبرما أمام رئيس البلدية (il sindaco )؛ باعتباره ضابطا للحالة المدنية طبقا للفصل الأول من المرسوم الرئاسي عدد 396الصادر بتاريخ 3/11/2000، بالجماعة التي يوجد بها مسكن أحدهما، أو أمام الجماعة المقيد بسجلاتها عقد زواجهما، وذلك بصفة شخصية أو بواسطة محام، اتفاقا للانفصال الجسماني أو لإنهاء الآثار المدنية لعقد الزواج، أو لتعديل شروط الانفصال الجسماني، أو لإنهاء العلاقة الزوجية. لا تسري مقتضيات هذا الفصل في حالة وجود أبناء قاصرين، أو في حالة وجود أبناء راشدين سنا لكن فاقدي الأهلية لسبب من الأسباب أو مصابين بإعاقة حادة، أو عاجزين عن تحقيق اكتفائهم الذاتي من الناحية الاقتصادية. يقوم ضابط الحالة المدنية شخصيا بتلقي التصريح الصادر عن كل واحد من الزوجين الذي يعلن بموجبه عن رغبته في الانفصال الجسماني أو في إنهاء الآثار المدنية للزواج أو في إنهاء الزواج وفق شروط محددة. لا يمكن لهذا العقد أن يتضمن اتفاقا على نقل الملكية. بعد تضمين جميع البنود المنظمة للاتفاق، يذيل العقد بتوقيع الزوجين. يقوم عقد الاتفاق هذا مقام الإجراءات القضائية التي تنظم المساطر المتعلقة بالانفصال الجسماني، أو بإنهاء آثار عقد الزواج، أو بإنهاء الزواج أو بتعديل شروط الانفصال الجسماني. في حالات الانفصال الجسماني، أو إنهاء الآثار المدنية للزواج أو فسخ الزواج وفقاً للشروط المتفق عليها، يقوم ضابط الحالة المدنية، بعد تلقي تصريحات الزوجين، بدعوتهما للحضور أمامه للمرة الثانية داخل أجل ثلاثين يومًا من تاريخ استلام تأكيد الاتفاق. يعتبر عدم الحضور أمام الضابط المذكور بمثابة تراجع عن الاتفاق. « واستنادا إلى هذه المقتضيات، يمكن استخلاص ملاحظات تتعلق بماهية الشروط التي يتعين توافرها لتفعيل هذه المسطرة الإدارية وأخرى تهم شكليات المسطرة ذاتها. فبالنسبة للشروط، نجد أن المشرع الإيطالي قيد إمكانية لجوء الزوجين إلى مسطرة الطلاق الاتفاقي الإداري أمام ضابط الحالة المدنية بتوافر شرطين اثنين: 1) عدم وجود أبناء قاصرين، أو أبناء راشدين سنا لكن فاقدي الأهلية لسبب من الأسباب أو مصابين بإعاقة حادة، أو عاجزين عن تحقيق اكتفائهم الذاتي من الناحية الاقتصادية؛ 2) وألا يتضمن عقد الطلاق اتفاقا على نقل الملكية. أما بالنسبة للمسطرة الواجب اتباعها، فقد أوجب الفصل المذكور الحضور الشخصي للزوجين وجعل الاستعانة بمحام أمرا اختياريا كما ألزم ضابط الحالة المدنية الاستماع للزوجين على مرحلتين (جلستين) يفصل بينهما أجل ثلاثين يوما، مع ضرورة تحرير العقد كتابة خلال الحضور الأول وضرورة تذييله بتوقيع الزوجين كما نص صراحة على الجزاء المترتب عن تخلف هذين الأخيرين (أو أحدهما) عن الحضور أمامه للمرة الثانية، معتبرا غيابهما (أو غياب أحدهما) بمثابة تراجع عن الطلب. من خلال ما ذكر، يمكن الاستنتاج بأن تبسيط الإجراءات المسطرية رهين بعدم وجود عناصر قد تعطي النزاع طابعا أكثر تعقيدا كما هو الشأن بالنسبة لحالة وجود الأطفال، إذ أن المصلحة الفضلى لهؤلاء تستوجب مراجعة القضاء لأنه يبقى المؤهل قانونا لحماية تلك المصلحة بإعمال القواعد القانونية ذات الصلة بالنفقة والحضانة مثلا مع ما يستتبع ذلك من إجراء البحوث بما فيها الاجتماعية والاستماع للطفل للأخذ برأيه عند الاقتضاء. من جهة أخرى، يتعين الوقوف على مقتضى غاية في الأهمية تضمنه الفصل 12 أعلاه حينما نص المشرع على أن عقد الاتفاق المنجز أمام ضابط الحالة المدنية، يقوم مقام الإجراءات القضائية التي تنظم المساطر المتعلقة بالانفصال الجسماني، أو بإنهاء آثار عقد الزواج، أو بإنهاء الزواج أو بتعديل شروط الانفصال الجسماني، وهي إحالة ضمنيا على مقتضيات قانون المسطرة المدنية الإيطالي لاسيما الفصل 711 منها الذي نظم الطلاق الاتفاقي والذي أحال بدوره على الفصل 158 من القانون المدني ومعلوم أن تلك المقتضيات تنظم الإجراءات المسطرية التي يتعين على القاضي الأسري اتباعها قبل إصدار الحكم بإنهاء العلاقة الزوجية بما في ذلك إجراء محاولة الصلح بين الزوجين. في موقف بعض العمل القضائي من تذييل عقد الطلاق الاتفاقي الإيطالي بعدما تناولنا بإيجاز بعض الأحكام القانونية الناظمة لعقد الطلاق المدني الاتفاقي الإيطالي، يجدر بنا أن نقف بالتحليل على بعض ما وقفنا عليه من عمل قضائي في مسألة تذييل العقد المذكور. ولنأخذ مثلا الحكم الابتدائي الصادر بتاريخ: 02/02/2017 والقاضي برفض الطلب بعلة أن: " دعاوى التطليق لا يبت فيها إلا بعد القيام بمحاولة الإصلاح تطبيقا للمادة 113 من مدونة الأسرة(...)وأنه" يجب على المحكمة التي يقدم إليها طلب التذييل أن تتأكد من صحة الحكم واختصاص المحكمة الأجنبية التي أصدرته، وأن تتحقق أيضا من عدم مساس أي محتوى من محتوياته بالنظام العام المغربي(...) وأنه طالما أن الوثيقة أعلاه صدرت عن جهة غير قضائية ولا يرد بها ما إذا تم سلوك مسطرة الصلح من عدمه، فإنها تكون حتما مخالفة للمقتضيات المنصوص عليها في المادة 113 من مدونة الأسرة المشار إليها أعلاه، والتي تدخل في زمرة النظام العام المغربي، الأمر الذي لم تجد معه المحكمة بدا من القول برفض الطلب". إن مطالعة حيثيات الحكم المذكور، توحي في ظاهرها بأن مسطرة التذييل بالصيغة التنفيذية قاصر فقط على الأحكام القضائية دون العقود التي يحررها الضباط والموظفون العموميون المعهود إليهم بذلك الاختصاص طبقا لقانون بلدانهم، بمعنى أن الإطار القانوني لمراقبة دعوى التذييل في النازلة التي فصل فيها الحكم المذكور هو الفصل 430 من قانون المسطرة المدنية والحال أن هناك فصلا آخر جاء صريحا في إمكانية شمول مسطرة التذييل لمجال العقود كذلك ألا وهو الفصل 432 من نفس القانون والذي نص صراحة على أن العقود المبرمة بالخارج أمام الضباط والموظفين العموميين المختصين، تكون أيضا قابلة للتنفيذ بالمغرب بعد إعطائها الصيغة التنفيذية ضمن الشروط المقررة في الفصلين 430 و431. ثم إنه لئن كانت مقتضيات المسطرة المدنية تشكل القواعد العامة التي يرجع إليها للفصل في مدى الاستجابة لطلب التذييل من عدمها، فإنه لا يخفى أن من بين أهم المستجدات التي جاءت بها مدونة الأسرة علاقة بالقانون الدولي الخاص، هي تكريس قواعد قانونية صريحة تنظم مسألة التذييل بالصيغة التنفيذية في مادة القضاء الأسري سواء بالنسبة للأحكام القضائية الأجنبية أو بالنسبة للعقود التي يحررها الموظفون العموميون الأجانب، فقد نصت المادة 128 من المدونة على أن'' المقررات القضائية الصادرة بالتطليق أو بالخلع أو بالفسخ طبقا لأحكام هذا الكتاب، تكون غير قابلة لأي طعن في جزئها القاضي بإنهاء العلاقة الزوجية. الأحكام الصادرة عن المحاكم الأجنبية بالطلاق أو بالتطليق أو بالخلع أو بالفسخ، تكون قابلة للتنفيذ إذا صدرت عن محكمة مختصة وأسست على أسباب لا تتنافى مع التي قررتها هذه المدونة، لإنهاء العلاقة الزوجية، وكذا العقود المبرمة بالخارج أمام الضباط والموظفين العموميين المختصين، بعد استيفاء الإجراءات القانونية بالتذييل بالصيغة التنفيذية، طبقا لأحكام المواد 430 و431 و432 من قانون المسطرة المدنية''. ولعل هذا التكريس التشريعي جاء ليقطع مع توجه كان المجلس الأعلى(سابقا) قد تبناه إزاء الحكم الأجنبي القاضي بالتطليق حينما أكد مثلا على أن '' الفصل في الطلاق أوجب المشرع الاشهاد به أمام عدلين لا أن يقضي به قاض أجنبي غير مسلم ويكون القرار خارقا لمقتضيات الفصل 430 من قانون المسطرة المدنية إذا لم يتحقق من اختصاص الحكم الأجنبي للفصل في الدعوى ". إن مراقبة الاختصاص، لا ينبغي أن تتم بالإحالة على قانون القاضي الذي ينظر في دعوى التذييل أو ما يصطلح عليه في أدبيات القانون الدولي الخاص بمفهوم: La lex fori، لمعرفة ما إذا كانت تلك المؤسسة القانونية التي يعالجها الحكم أو العقد الأجنبيان، لها نفس المقابل في تشريع القاضي؛ ماهية وإطارا، وإنما مراقبة مدى اختصاص تلك الجهة التي أصدرت الحكم أو أنجزت العقد بالإحالة على أحكام القانون الأجنبي. نفس الأمر يجب أن ينسحب كذلك على مسألة مراقبة صحة الحكم الأجنبي، بمعنى أن قاضي التذييل ملزم بالتحقق من صحة السند موضوع الطلب، بالرجوع إلى مقتضيات القانون الأجنبي الذي صدر في ظله ذلك السند لا مراقبة تلك الصحة من منظور قانون القاضي، ودليلنا في ذلك هو ما أشارت إليه صراحة مقتضيات الفصل 25 من اتفاقية التعاون القضائي المتبادل بين المملكة المغربية والجمهورية الإيطالية المشار إليها آنفا، لما أكدت أن'' العقود الصحيحة ولا سيما العقود التوثيقية القابلة للتنفيذ في أحد البلدين يعلن عن قابلية تنفيذها في البلد الآخر من طرف السلطة المختصة وفقا لقانون البلد الذي يجب أن يتم فيه التنفيذ''. كما شددت الفقرة الثانية من نفس الفصل على أن دور سلطة التذييل يقتصر فقط على'' التحقق مما إذا كانت العقود تتوفر على الشروط اللازمة لصحتها في البلد الذي تم فيه التوصل بها، ومما إذا كانت المقتضيات المطلوب تنفيذها لا تتنافى مع الأمن العمومي للبلد المطلوب فيه التنفيذ''. ولاشك أن مراقبة الاختصاص هذه، هي التي تضفي على النزاعات المرتبطة بالقانون الدولي الخاص، تلك الأهمية في عمل القاضي الأسري والتي ربما تميزها عن باقي النزاعات في المادة الأسرية على الأقل من منطلق عدم معرفة القاضي بالقانون الأجنبي الذي يؤطر النازلة المعروضة عليه سواء حينما يطبق قاعدة الإسناد التي تقول بإمكانية تطبيق قانون البلد الذي يحمل المتقاضيان جنسيته، أو حينما يكون بصدد مراقبة الاختصاص وفق مقتضيات الفصل 430 من ق م م، وبالتالي فإن عقد الطلاق الاتفاقي الإيطالي لا يعيبه كونه لم ينجز من طرف (أو أمام) جهة قضائية، إذا كان القانون الإيطالي يعطي الاختصاص لجهة أخرى، وتكون تلك الجهة قد تقيدت بباقي الشروط التي يوجبها القانون المذكور. وتكريسا للدور الإيجابي للقاضي المدني عموما وللقاضي الأسري على وجه الخصوص والذي لا يتنافى من حيث المبدأ مع واجب الحياد، فإنه ليس هناك ما يمنع من الناحية المسطرية قيام القاضي الذي ينظر في دعوى التذييل من تكليف الطرفين؛ طالبي تذييل عقد الطلاق الاتفاقي الأجنبي بالصيغة التنفيذية من الإدلاء بوثيقة مثبتة للقانون المنظم لتلك المسطرة حتى يكون على بينة من العناصر المساعدة على استجلاء طبيعة العقد الأجنبي وصحته واختصاص الجهة التي أنجزته، وهذه الوثيقة هي ما يصطلح عليه مثلا في القضاء المقارن بشهادة العرف والتي يمكن تعريفها بكونها تلك الشهادة التي تتضمن المقتضيات القانونية للتشريع الأجنبي لدولة ما، المطبق على النازلة المعروضة على قضاء دولة أخرى. وقد نص وتجدر الإشارة في هذا المقام، إلى العمل القضائي المحمود لبعض قضاة الأسرة الذين يسعون إلى تفادي إصدار الأحكام القاضية برفض الطلب أو بعدم قبوله وذلك بتكليف طالبي التذييل للإدلاء بشهادة قنصلية تتضمن المقتضيات القانونية التي تنظم عقد الطلاق الاتفاقي المنجز أمام ضابط الحالة المدنية الإيطالي. وبالرجوع إلى باقي حيثيات الحكم موضوع المناقشة، نجده يستند فيما انتهى إليه إلى مخالفة العقد موضوع النازلة للنظام العام لعلة خلوه مما يفيد إجراء محاولة الصلح طبقا لما هو منصوص عليه بمقتضى المادة 113 من مدونة الأسرة، غير أن هذا التعليل مجانب للصواب في نظرنا، ذلك أن خلو العقد الأجنبي موضوع الطلب من الإشارة إلى إجراء محاولة الصلح، لا يجب بالضرورة أن يحمل على عدم إجراء تلك المحاولة من طرف الجهة التي أنجزته، إذ يكفي لقاضي التذييل أن يتأكد ابتداء - وكما أسلفنا - من مقتضيات القانون الأجنبي الذي ينظم عملية إنجاز ذلك العقد، للتحقق مما إذا كانت تلك المقتضيات تستوجب إجراء ضابط الحالة المدنية لمحاولة الصلح بين الزوجين المقدمين على التصريح أمامه باتفاقهما على إنهاء العلاقة الزوجية، والقول تبعا لذلك بإعمال الأصل الذي هو صحة العقود بمعنى أن مسطرة الصلح قد تم احترامها من طرف الضابط المذكور بالرغم من سكوت العقد عن الإشارة إليها، وهو أصل يجعل عبء الإثبات ينتقل على من يدعي خرق تلك المسطرة. وعلى سبيل القياس، فقد واجهت أقسام قضاء الأسرة حالات مماثلة منذ دخول المدونة حيز التنفيذ علاقة بطلبات تذييل عقود الزواج المدنية الأجنبية بالصيغة التنفيذية، وهي عقود كانت تخلو من الإشارة إلى ذكر الصداق، وبالتالي فإن القراءة السطحية للنصوص قد تفضي إلى اعتبار ذلك مخالفا للنظام العام على أساس أن المادة 14 من المدونة قرنت إمكانية إبرام عقود زواج المغاربة المقيمين في الخارج وفقا للإجراءات الإدارية المحلية لبلد إقامتهم بشروط، منها عدم التنصيص بتلك العقود على إسقاط الصداق، غير أن القضاء الأسرى تبنى قراءة مقاصدية وتعامل مع المسألة بمنطق التيسير فلم يعتبر الأمر اتفاقا على إسقاط الصداق، وإنما اعتبر ذلك النوع من العقود داخلا في حكم نكاح التفويض، وتبعا لذلك قضى بتذييلها بالصيغة التنفيذية رفعا لكل حرج ومشقة قد تواجه أفراد الجالية المغربية المقيمين بالخارج. نفس الموقف أيضا، اتخذه القضاء الأسري إزاء عقود الزواج الأجنبية الخالية من الإشارة إلى إسلام الشاهدين اللذين شهدا على واقعة الزواج أمام ضابط الحالة المدني الأجنبي، وذلك بالرغم من صريح المادة 14 سالفة الذكر التي قيدت إمكانية المغاربة المقيمين في الخارج، بأن يبرموا عقود زواجهم وفقا للإجراءات الإدارية المحلية لبلد إقامتهم، بشرط أن يكون قد حضر عقد الزواج شاهدان مسلمان، فضلا عن توافر باقي الشروط التي عددتها المادة المذكورة. ومعلوم أن الطابع العلماني للأنظمة القانونية الغربية، يحول دون الإشارة إلى ديانة الشاهدين صلب عقد الزواج المدني، فهل يكفي التمسك بكون عدم الإشارة إلى إسلام الشاهدين للدفع بمخالفة العقد المذكور للنظام العام؟ لقد سبق للنيابة العامة باعتبارها طرفا أصليا في الدعاوى الأسرية، أن تقدمت بطعن بالنقض ضد قرار استئنافي بعلة أنه خرق مقتضيات المادة 14 من مدونة الأسرة، مستندة في وسيلتها الفريدة إلى أن'' أن عقد الزواج الأجنبي أبرم في جلسة عمومية بمقر العمودية بباريس بين المطلوبين في النقض بحضور شاهدين أجنبيين غير مسلمين وأن العقد خال من أية إشارة تبين بأنهما مسلمان خرقا للمادة المحتج بها''، فقضت محكمة النقض برفض الطلب بعلة أن'' المحكمة مصدرة القرار المطعون فيه لما عللت قراراها بأن النيابة العامة لم تدل بما يثبت كون الشاهدين موضوع عقد الزواج المراد تذييله بالصيغة التنفيذية غير مسلمين...يكون ما دفعت به لا يرتكز على أساس سليم ويتعين رده وتكون المحكمة قد أقامت قضاءها على أساس ولم تخرق المادة المحتج بها . وختاما، بقي أن نشير كذلك إلى المنشور الصادر مؤخرا عن وزارة الداخلية بتاريخ 18/02/2019 في موضوع الطلاق الاتفاقي المودع أمام الموثق وفق القانون الفرنسي والذي جاء فيه: ''مع اعتماد الجمهورية الفرنسية نوعا جديدا من الطلاق الاتفاقي الذي يوقعه الزوجان بحضور دفاعهما، ثم يتم إيداعه لدى أحد الموثقين وذلك بناء على القانون الفرنسي رقم 2016-1547 الصادر بتاريخ 18/11/2016 والساري المفعول منذ 01/07/2017، توصلت المصالح المختصة بهذه الوزارة باستفسارات من المواطنين وضباط الحالة المدنية داخل المملكة وخارجها، حول مدى قابلية تذييل هذا النوع من الطلاق أمام المحكمة المغربية، ومدى قبول اعتماده من طرف ضباط الحالة المدنية من دون تذييله بالصيغة التنفيذية، على غرار ما تقرر بخصوص الطلاق الصادر عن المحاكم الأجنبية. وبهذا الخصوص، فقد أجمعت لجنة تتبع قضايا أفراد الجالية المغربية خلال اجتماعها المنعقد بتاريخ 12/06/2018، بعد دراسة هذا الإشكال من كل جوانبه، على إمكانية الأخذ بهذه الوثيقة وتضمين مراجعها بالحالة المدنية وترتيب آثارها دون حاجة لتذييلها بالصيغة التنفيذية طالما أنها غير مخالفة للنظام العام المغربي". وإذا كنا نوافق من حيث المبدأ على ما تضمنه المنشور، اعتبارا لما قد يحققه من نجاعة في معالجة هذا النوع من القضايا، فإننا نرى أن الوقت قد حان -في خضم الدعوات التي تصدح بضرورة مراجعة بعض مواد المدونة-للتفكير في الاستعاضة عن بعض المناشير عبر التدخل تشريعيا، من خلال سن قواعد قانونية واضحة وملزمة دفعا لكل شبهة قد تفسر بمثابة نوع من المساس أو التدخل في استقلال السلطة القضائية. *قاضي الاتصال لدى سفارة المملكة المغربية بروما