شدد الملك محمد السادس، اليوم السبت، على ضرورة احترام سيادة الدول، ووحدتها الترابية، وعدم التدخل في شؤونها الداخلية، بالموازاة مع العمل على تعزيز قنوات الحوار والوساطة، وذلك في رسالة إلى القمة الاستثنائية لمجموعة دول الساحل والصحراء المنعقدة بنجامينا. وذكّر الملك باللقاء السابق في نجامينا سنة 2013، ليتم البصم على تحول كبير تمثل في الانتقال من تجمع لمكافحة التصحر والجفاف والتغيرات المناخية إلى مجموعة تكرس عملها لتشجيع التعاون، والتنمية المستدامة، وحفظ وتوطيد السلم والأمن والاستقرار، وتعزيز الحوار السياسي، ومكافحة الجريمة المنظومة العابرة للحدود بجميع أشكالها. وورد في الرسالة الملكية: "كان هذا التحول الذي عرفه تجمعنا، والذي نشأ نتيجة عزم مشترك، يهدف إلى تكييف إطار عملنا مع متطلبات التحديات التي تواجهنا. كما أنه يجسد إرادتنا المشتركة للالتئام في إطار موحد"، ثم زاد: "مرت 21 سنة على إنشائه، ليشهد تجمعنا تحولا عميقا ويكتسب وجاهة جديدة. فتجمع دول س-ص يتميز عن بقية التجمعات الاقتصادية الإقليمية، التي تحظى باعتراف الاتحاد الإفريقي، بكونه تجمعا عبر-إقليمي". واعتبر الملك محمد السادس أن ذلك يبقى أبلغ تعبير على أن هذه الهيئة تحمل داخلها فكرة التجمع. ففضلا عن الخصوصيات الجغرافية والمناخية التي تميز فضاء الساحل والصحراء، والتي تجمع بين دوله الأعضاء، فإن التجمع يلتقي حول التحديات والأسس المشتركة المتمثلة في الأمن الجماعي والتنمية المشتركة، المستدامة والشاملة. "منطقة الساحل والصحراء، التي يتجاوز ناتجها الداخلي الإجمالي 1000 مليار دولار ويقدر عدد سكانها بحوالي 600 مليون نسمة، تتوفر على موارد طبيعية هائلة وإمكانات للتكامل، واقتصاديات السعة، وقدرات نمو واعدة. فهكذا، يتوفر تجمع دول س-ص على الأدوات والوسائل الكفيلة بتمكين دوله الأعضاء من المساهمة بشكل فعال في مسار الاندماج الإقليمي والقاري. فذلكم هو مبرر وجوده، وتلكم هي الروح التي ينبغي أن تسود أشغالنا وعملنا"، تزيد الرسالة. ونبه الملك إلى أن التجمع بصدد عملية إعادة تموقعه القاري، ما يستدعي تضافر كل الجهود من أجل تفعيل أحكام المعاهدة المنقحة، وتمكين تجمع "س-ص" من مواصلة السير قدما نحو اندماج إقليمي حقيقي، ثم وجّه، باعتبار هذا الهدف الاستراتيجي، إلى القيام بحزمة من الخطوات. ودعا الملك، في هذا الصدد، إلى تعزيز فعالية وكفاءة الأجهزة التنفيذية لتجمع وفق التوجهات الصادرة عن مؤتمر إعادة هيكلة الأمانة التنفيذية، وإرساء مختلف الهياكل المؤسساتية المنصوص عليها في المعاهدة المنقحة لتجمع دول س-ص، لاسيما المجلس الدائم للسلم والأمن، والمجلس الدائم المكلف بالتنمية المستدامة. الرسالة الملكية تشبثت، أيضا، بإعداد استراتيجية للتنمية البشرية في فضاء الساحل والصحراء، وبرامج لإدماج الشباب، مع التنزيل الفعلي لاستراتيجية مكافحة الإرهاب والتطرف العنيف، وتفعيل استراتيجية الأمن والتنمية لتجمع دول س-ص (2015-2050)، زيادة على إعداد سياسة مشتركة حول أمن الحدود واعتماد خطة عمل تنفيذية. "هذه التدابير ستمكن من تعزيز الدور المنوط بتجمعنا، باعتباره مخاطبا متميزا لحل الأزمات التي يشهدها فضاؤنا، في إطار مقاربة تروم التكامل مع بقية التجمعات الاقتصادية الإقليمية، والاتحاد الإفريقي، والأمم المتحدة، والاتحاد الأوروبي، وغيرها من الأطراف المعنية"، يقول الملك. "العمل الذي يقوم به تجمع دول س-ص في مجال حفظ السلم والأمن داخل فضاء الساحل والصحراء يجب أن يكون مدعوما بمبادئ احترام سيادة الدول، ووحدتها الترابية، وعدم التدخل في شؤونها الداخلية، بالموازاة مع العمل على تعزيز قنوات الحوار والوساطة، والمساعي الحميدة، والدبلوماسية الوقائية"، يضيف الملك محمد السادس، قبل أن يتابع: "هذه التدابير من شأنها أن تكفل حماية أجيالنا الحالية والمقبلة، شريطة تدعيمها بنظام تربوي جديد، يقوم على الإبداع وتحرير طاقات الرأسمال البشري". وأكدت الرسالة، من جهة أخرى، أن المملكة المغربية، انطلاقا من ثوابتها وقناعاتها الراسخة، مستعدة لوضع تجربتها في مجال مكافحة الإرهاب والتطرف العنيف رهن إشارة الدول الإفريقية الأعضاء في تجمع دول س-ص.، وهي تجربة ترتكز على مقاربة ثلاثية الأبعاد، تجمع بين الجانب الأمني والمكوِّن الديني ومحاربة الهشاشة والفقر. وذكرت أنه "لا سبيل إلى كسب هذه المعركة إلا بالتعاون الجاد والمسؤول بين كافة الفاعلين المعنيين". ولهذه الغاية، يردف الملك محمد السادس، "يتعين علينا أن نمد منظمتنا بوسائل عمل ترقى إلى مستوى الطموحات والمهام التي أنطناها بها. ولذلك من الواجب دعم تجمع دول س-ص من خلال الالتزام بالمساهمات الوطنية المقررة في ميزانيته". ونادى بإعطاء دفعة جديدة للمنظمة، حيث هذا النفس الجديد يقتضي بالضرورة إرساء قواعد الحكامة الجيدة دون الاقتصار على هذه القواعد وحدها. الرسالة المكشوف عن مضمونها في العاصمة التشادية شددت على أن المغرب يعمل دوما من أجل بناء فضاء الساحل والصحراء من خلال العلاقات الأخوية التي يقيمها مع كافة الدول الأعضاء، على أساس من التعاون والتضامن، واحترام سيادة هذه الدول ووحدتها الترابية. وأن التزام المملكة، في إطار التعاون جنوب-جنوب، يهدف إلى إرساء أسس اندماج يشجع الاستثمارات والمبادلات، ويتمحور حول التنمية المشتركة. واعتبر الملك محمد السادس أن المغرب ما فتئ يعمل بحيوية من أجل إنشاء شبكة للفاعلين، تضم كلا من القطاع الخاص والمجتمع المدني، وقد تجسدت هذه السياسة على أرض الواقع في إحداث ثلاث لجان خاصة بمنطقة الساحل ومنطقة حوض الكونغو والدول الجزرية، وفي المبادرة الخاصة بتكييف الفلاحة الإفريقية. "من هذا المنطلق، أجدد التزام المملكة المغربية بإعطاء زخم جديد لتجمع دول س-ص، بوصفه تجمعا اقتصاديا إقليميا للاتحاد الإفريقي. كما أعلن تأييدي لتعزيز عمله من أجل السلم والاستقرار والتنمية في فضاء الساحل والصحراء. إن أكبر تحد مشترك لنا يظل توفير فضاء تنعم فيه بلداننا وشعوبنا بالأمن والاستقرار والرخاء والتنمية. فلنتحد جميعا من أجل مصلحة شعوبنا وقارتنا؛ إفريقيا"، يختم الملك رسالته إلى المشاركين في القمة الاستثنائية لمجموعة دول الساحل والصحراء المنعقدة بنجامينا.