على بعد أسابيع قليلة من انعقاد المناظرة الوطنية الثالثة حول الجبايات، أصدر المجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيئي تقريراً يشرح فيه وضعية النظام الجبائي الحالي من حيث الاختلالات الهيكلية، ويقترح عددا من المدخلات للتحول إلى نظام جبائي شفاف وعادل وخالق للقيمة المضافة. التقرير الذي يحمل عنوان "نظام جبائي: دعامة للنموذج التنموي الجديد"، أشار إلى أن النظام الضريبي الذي يعتمده المغرب حالياً ما يزال يعاني من عدد من النواقص؛ أبرزها هيمنة اقتصاد الريع واللجوء المفرط إلى الامتيازات لتطوير الأنشطة الاقتصادية. وقال التقرير الذي اعتمده المجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيئي، الذي يرأسه أحمد رضى الشامي، قبيل شهر ماي، تاريخ انعقاد مناظرة وطنية حول الجبايات، إن هذا الريع وهذه الامتيازات يشجعان عدم الكفاءة والقيمة المضافة المنخفضة، ويساهمان في استمرار عدم المساواة الاجتماعية والمجالية. وأضاف التقرير أن من بين أوجه القصور أيضا، نجد التركيز الاقتصادي العالي المتمثل في العدد المنخفض للمقاولات التي تخلق الثروة الوطنية، حيث تؤمن 73 مقاولة نصف إيرادات الضريبة على الشركات، ما يمثل فقط 0.06 في المائة من الشركات المصرحة. وبحسب التقرير، فإن استمرار التفاوتات يأتي في سياق تواجه فيه السياسات العمومية والخدمات التي توفرها الدولة انتقادات كبيرة لكونها لا تستجيب لتطلعات السكان، وذلك يتجلى في ضُعف معدل النشاط والبطالة المستمرة في مستويات مرتفعة. وأثار معدو التقرير وجهاً آخر لقصور النظام الجبائي الحالي، ويتجلى في عدم استقراره الواقعي بسبب التعديلات المستمرة التي تطاله من خلال قوانين المالية المعتمدة سنوياً، والتي تكون نتيجة للمفاوضات التي تقودها مصالح قطاعية بعيداً عن المصالح العامة بشكل عام. وبحسب المجلس الاقتصادي والاجتماعي، فإن جزءً كبيراً من دافعي الضراب لا يؤدون تلقائياً ضرائبهم، كما ما تزال العلاقة بين الإدارة الضريبية ودافعي الضرائب خلافية وصراعية على الرغم من الإجراءات التبسيطية ورفع الطابع المادي بهدف تحسينها في السنوات الأخيرة. ويعاني النظام الجبائي للمملكة، وفق التقرير، من تعقيدات عدة، وضعف في كفاءة بعض الضرائب والرسوم، بل أكثر من ذلك، فالترسانة الجبائية الوطنية تطرح مشاكل كبيرة بسبب افتقارها إلى الاتساق والملاءمة فيما بينها، وضعف الحكامة التي تحيط بها. ومن أجل تجاوز نقط الضعف هذه، أوصى المجلس ببناء نظام ضريبي جديد يرتبط بقوة بالسياسات العمومية الأخرى لتعزيز خلق قيمة مضافة وطنية ووظائف ذات جودة تضمن الاندماج الاجتماعي، وبالتالي ليكون ركيزة أساسية للنموذج التنموي الجديد. ومن أجل تحقيق ذلك، يتوجب، يقول التقرير، إرساء ميثاق ثقة جبائي بالموازاة مع مواصلة ورش إزالة الطابع المادي لإقامة علاقة متجددة مع دافعي الضريبة، يحد من الصلاحية التقديرية للإدارة ويكرس الوضوح والولوج وقبولية النظام، وهذا ما سينتج عنه توسيع للوعاء الضريبي. ومن بين التدابير الأخرى المقترحة، طرح المجلس توصية بفرض الضريبة على الممتلكات غير المنتجة، مثل الأراضي غير المبنية والعقارات غير المشغولة، وكذا فرض ضريبة جديدة على الأغنياء من خلال تضريب المنتوجات الفارهة، مثل اليخوت والطائرات الخاصة والسيارات الفاخرة وسباقات الخيل، من أجل إنصاف جبائي أكثر. كما اقترح المجلس إحداث ضريبة على الإرث تضمن أداء عبر الأجيال، وقال إنه من الضرورة إعادة العمل بالملاءمة الضريبة للإرث والتبرع في قانون مالية 2020، وأن يكون ذلك على أساس حساب قيمة الفائض (la plus-value) في حالة بيع الموروث بناءً على الاكتساب الأولي وليس لحظة الوفاة. ويرى المجلس أن هناك ضرورة لتخصيص نقطتين إلى أربع نقط من الضريبة على القيمة المضافة لإيداعها في صندوق للضمان الاجتماعي، من أجل تمويل المساعدات والتغطية الاجتماعية، إضافة إلى دعم القدرة الشرائية للطبقة المتوسطة بإحداث نظام جبائي خاص بالأسر لتخفيف الضغط عليها. وللخروج من نظام يسود فيه قطاع الريع، أوصى المجلس بتقييد الحوافز الضريبية لتكون القطاعات والأنشطة المستفيدة منها هي الأكثر مساهمة في الإيرادات وأكثر إحداثاً لفرص الشغل، إضافة إلى ضمان الحياد التام للضريبة على القيمة المضافة، وربط الضريبة على الدخل بالقدرات الإسهامية. وعلى المستوى المحلي، اقترح المجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيئي توزيع الضريبة على ضريبتين، تغطي، من جهة، الرسوم المتعلقة بالسكن، ومن جهة أخرى، الرسوم المتعلقة بالأنشطة الاقتصادية، كما دعا إلى دعم الابتكار، لاسيما من خلال إحداث اعتماد ضريبي للبحث.