نظّم الائتلاف الوطني من أجل اللغة العربية بمراكش، ضمن برنامجه في رياض اللغة العربية، ندوة علمية تكريمية على شرف الباحث والمحقق الدكتور عدنان عبد الله زهار، حيث تم تسليط الضوء قراءة وتحليلا على بعض أعماله المؤلفة والمصنفة والمحققة، والتي تجاوزت في عمومها الخمسين كتابا. بعد كلمة التقديم، أوضح الباحث مصطفى غلمان، رئيس تنسيقية الائتلاف بجهة مراكشآسفي، أهمية الالتفات إلى علماء اعتنوا بالمتن التراثي الإسلامي، بالانكباب على قراءة مؤلفاتهم وتقديمها وتقييمها، مشددا على أن الحديث اليوم عن الثقافة الإسلامية وموقع المغرب فيها هو إصغاء للعقل وتنظيم للأكاديما التي ظلت حكرا على كراسي الجامعة ونخب الصف المركزي. ودعا غلمان إلى "إيلاء الدرس التاريخي بمفهومه الإسلامي درجة سامقة من القوة والتمكين، يجعلها في صلب اهتماماتنا بتدريس العلوم النافعة، المرتبطة بالمتن الديني والعرفاني"، كاشفا إلى أن احتواءنا لمشكلات العصر وتنقيتنا من حواشي الفهوم ونوازعها هو صمام هذا الوثوق من وجود شرفاء في هذا الوطن يحبون أن تشيع روح الحوار والمحبة والسلام". الباحث الأستاذ نور الدين الصوفي انطلقت ورقته من عملية استقراء للمنجز التأليفي للباحث عدنان زهار، ومحاولة رصد ثوابتها وأصولها، بما يساعد في تلمس عناصر الشخصية العلمية للمكرم. وأضاف الصوفي: "أن المشروع العلمي لزهار يكاد ينداح عبر دوائر أربع تتداخل لتشكل أفق هذا المنجز القائم على الارتباط بالواقع والاستجابة لتساؤلاته العقدية والفقهية والسلوكية انطلاقا من مستقر عوائد أهل المغرب"، موردا أن التمكن من علوم الآلة والاشتغال بها لتفكيك النصوص واستجلاء حقائقها يثير فرادة الموضوعية والصدقى لدى الرجل. بالإضافة، يقول الصوفي، إلى أن الأفق التركيبي بين الفقه والتصوف حاضر في المتون كما تأسيس التعبد على الأخلاق والسلوك، مثيرا مسألة الهاجس المنهجي ووحدة الرؤية في كتابات زهار، حيث يتكامل التأليف مع التحقيق وصلا للحاضر بالماضي، واستدعاء لنصوص الأجداد من أجل إدماجها في البنية الفكرية والمعرفية المعاصرة. مداخلة الباحث علي الخاميري، التي عنونها ب"دور المكون اللغوي في بناء معاني همزية البوصيري"، جاءت لتوضح الشروح في الثقافة العربية في تقريب العلم وفهمه وتذوقه، حيث تؤشر على دوام القراءة بين الأجيال المتتالية وتظهر قيمة وقيم النص المشروح من جهة ما تضمنه من أوجه الجمال وأصالة الإبداع. ويقصد الخامري بذلك، حسب ما جاء في تعريفه، البعد اللغوي الحاضر في الشرح المذكور بقوة والمؤسس لكثير من معاني الفكر والجمال، داخل متن همزبة البوصيري. وقد تفرق، حسب التتبع الفكري والتداعي النفسي، إلى أقسام حددها الخاميري في: بيان قدر رسول الله، وتفسير حقائق النبوة تفسيرا لغويا، وبيان أثره عليه الصلاة والسلام على الكون، وتوظيف المعاني اللغوية لإنشاء المعاني الذهنية المرادة، وقلب المعاني وتصحيحها بين الواقع واللغة، ومناقشة بعض الحقائق والمكونات الفنية وأخيرا الاقتباس من القرآن الكريم. كما جاءت مقاربة الدكتور محمد مهدي منصور لرسالتين للمحتفى به الدكتور عدنان زهار وهما "رسالة نبذ الفرقة بتضعيف حديث السبعين فرقة" ورسالة "الأدلة الجلية على أن فهم السلف ليس حجة شرعية" تفكيكا نقدانيا علميا عميقا، واصفا إياها بالأعمال العلمية المهمة، تمتاز بالنفاسة والتمكن العلمي، من حيث المضمون، حيث يظهر فيها الرسوخ المعرفي حسب مهدي منصور دائما وإحاطة بالأدوار الحديثية والفقهية والأصولية التي استعملها الباحث المكرم في أبحاثه المهمة. ويقول الدكتور منصور إن الأعمال زهار المعرفية تدافع عن ثوابت الأمة المحمدية بالتأكيد على وحدتها وجمع شملها ولمّ صفوفها وتحصينها من تدخلات الدخلاء والمتطفلين. وأشار المتدخل إلى ورود ما يؤكد النظرية من خلال الردود الواردة في دراسات الدكتور زهار، من حيث كونها تعمل على دحض الشبهات والافتراءات التي طالما شوشت على عقول الشباب وأذهان طلبة العلم، مضيفا أن البحوث جاءت لأجل الدفاع عن المنهج الوسطي والتوجه المعتدل والحس الصوفي والإرث الروحي في ديننا الإسلامي. واختتم منصور مداخلته بقوله إن الحاجة إلى مثل هذه المبادرات والندوات لبث العلم ونشر الحقيقة وتصحيح المفاهيم وتقريب المعارف ضرورية وأكيدة. وارتقت مداخلة الباحث الدكتور محمد اسموني، الموسومة ب"قراءة في رحلة العلامة عدنان زهار.. حصول المزية بالرحلة للبلاد الماليزية"، إلى مستوى توثيق الرحلة وسبر أغوارها وترصيعها بأغلى القطائف، مستدلا بأهمية المؤلف انطلاقا من اعتبارين متداخلين، الأول اندراجه في إطار جنس أدب الرحلة، والثاني استناده إلى مرجعية صوفية تعلي من شأن السفر وترقى به إلى واحد من مشمولات التربية الصوفية. وأضاف الباحث اسموني أن الرحلة مرآة للوقوف على البنية الفكرية التي ينتمي إليها الدكتور عدنان زهار، وهي الطريقة الأحمدية التيجانية، مختتما أن الرحلة المقروءة حافلة بالإفادات الجغرافية والتاريخية، مشحونة بوميض المعرفة العرفانية الربانية. وشهد الحفل الفكري التنويري إحياء سهرة فنية إنشادية صوفية باذخة أثرى فضاءها المنشد الصوفي المغربي الكبير الأستاذ جواد الشاري، الذي أتحف الحضور النوعي الذي حج بكثافة لمتابعة أطوار الندوة بآخر ما جادت به قريحته الجوادية، وقد أهدى للمشاركين نماذج عميقة من ريبيرتوار قصائده الملحنة أخيرا والمبثوثة في أهم المواقع الفنية العربية المصرية.